قراءة في كتاب "وما كفر سليمان"
بقلم: ريم الهاشمية
مكتبة الجامعة
يعد كتاب "وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا" للباحث العماني الدكتور سليمان الحسيني امتدادا للمؤلفات السابقة التي تدور في موضوع شائك ومثير للجدل وهو موضوع العين والحسد والسحر في المجتمعات العربية والإسلامية، إذ يناقش الباحث المواضيع الثلاثة المذكورة بأسلوب علمي ومنطقي سلس، يستدل بأدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ويوظّفها توظيفا عقليا يبعد الأوهام والأساطير حول ماهية العين والحسد والسحر.
ابتدأ الكاتب الحديث عن الحسد متطرقا إلى مفهوم الحسد ومواضع ذكره في القرآن الكريم، ويمكن القول إن خلاصة دراسته حول الحسد بأنه ظاهرة سلوكية واجتماعية تتمثل في مشاعر حقيقية تختلج في نفس الفاعل/الحاسد مفادها تمني زوال نعمة لدى المحسود، وهي لا تضرّ المحسود ما لم تتحول تلك المشاعر إلى أفعال وأقوال، وقد نهى الله سبحانه تعالى في كتابه الحكيم عن الحسد، بجانب أنه لا دليل في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة على تحول الحسد إلى طاقة خارقة تصيب المحسود بالضرر والأذى.
أما فيما يتعلق بالعين فهو موضوع جدلي تناولته العديد من الثقافات والحضارات على مدى آلاف السنين واختلفت الآراء حوله بين مشكك ومصدق لاختلاط حقيقة العين بالأوهام والأساطير؛ كون محور الجدل يتمثل في معرفة ماهية العين وأدلة ثبوت العين في القرآن الكريم والنصوص والروايات المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم، إذ انقسم المجتمع الإسلامي إلى ثلاث فرق في موضوع العين:
-
فريق يرفض فكرة العين وغير مقتنع بصحة الأدلة والأسانيد.
-
فريق يأخذ بفكرة العين.
-
فريق يرى بعدم قطعية الأسانيد.
وذهب الحسيني المؤلف إلى بيان أبرز الأدلة والأسانيد التي اعتمدها كل فريق، إذ يرى أصحاب رأي رفض فكرة العين أن جميع ما ورد من أحاديث في العين هي اسرائيليات، وأن الروايات حول إصابة النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالعين يتنافى قطعا مع القرآن الكريم الذي نص على عصمة الرسول من الناس وشرهم وهذا ما ذهب إليه الباحث، أما الحديث الشريف: (العين حق) فيحتمل معنى آخر غير المتعارف عليه، فالعين المقصودة في الحديث هي المرض الجلدي المعروف عند العرب باسم العين، وهو يشبه الآثار التي تنجم عن الوشم في الجلد، لذلك قال النبي إنّ العين حق ونهى عن الوشم.
ورد ذكر السحر في القرآن اتهاما من الكفار الى الأنبياء (موسى وعيسى وهود وصالح والنبي محمد صلى الله عليه وسلم)؛ وذلك من منطلق عنادهم ورفضهم للرسالات التي أتى بها الأنبياء، ومما يؤكد هذه المعلومة أن من اتهم النبي محمد بالسحر هم من أهل قريش من عبدة الأوثان، فجميع السور التي ورد فيها اتهام النبي بالسحر هي سورمكية.
خصص الكاتب مساحة كافية للآية 102 من سورة البقرة، التي اتهم فيها الكفار النبي سليمان بالكفر، وكان سبب التخصيص كون الآية الأكثر جدلا ونقاشا، فالسحر من فهم ظاهر السياق للآية ليس الموضوع الرئيس لها بل هو الانحراف الفكري والديني لليهود؛ لأن الآية جاءت في سياق قرآني موجه إلى أهل الكتاب واليهود خاصة، فالكفر بالإسلام والرسول أحد الانحراف الفكري رغم انتظارهم لبعثة نبي مذكور في كتبهم المقدسة والادعاء بأن النبي إبراهيم يهوديا وأنه لا يدخل الجنة إلا من كان يهوديا.
اتهم اليهود أن النبي سليمان قد كفر واتهامه بالسحر جاء في المصادر التراثية المتأخرة لليهود، وهي مؤلفات مجهولة المصدر والكات،ب وهو اتهام مثير للجدل في عقيدة اليهود لأنه لم يتفق عليه بشكل كلي، إنما اتهم بالكفر لأنه في ادعائهم تزوج بنساء غير يهوديات فمال قلبه إليهن وإلى ديانتهن فعبد آلهتهن؛ ولذلك نفى الله عز وجل في الآية 102 من سورة البقرة أن النبي سليمان عليه السلام قد كفر بل الشياطين هي من كفرت (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا، يعلمون الناس السحر).
كما أنّ الرموز والطلاسم التي وردت في مختلف المصادر التاريخية والدينية لا يمكن أن تعد دليلا يعتد به بالقول إنها تعود إلى النبي سليمان؛ بل هي تطورت على أيدِ العديد من المؤلفين على مر العصور، وخلاصة القول إن السحر مجرد اتهام باطل وظّفه الكفار ضد الأنبياء لعدم تصديق رسالاتهم ولم يطالب المسلمين باتخاذ أي آراء اتجاههم.
يختتم الكاتب في الفصل الأخير الحديث عن الجن والشياطين، إذ إن ما ذكر في القرآن الكريم عن الجن معلومات محددة والغاية من ذكر الجن كي نعلم أن هناك مخلوقات غيرنا مكلفون بعبادة الله مثلنا وأنه ترك لهم القرار للإيمان أو العصيان كما نفهم من ذكر الجن في القرآن الاتي:
-
خلق الله الجن للعبادة تماما مثل البشر. ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) سورة الذاريات الآية 56.
-
محاسبون يوم القيامة (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلْإِنسِ) سورة الأعراف الآية 179.
-
خلقوا من نار (وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ) سورة الحجر الآية 27.
-
لا يعلمون الغيب (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِۦٓ إِلَّا دَابَّةُ ٱلْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُۥ ۖ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ ٱلْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ٱلْغَيْبَ مَا لَبِثُواْ فِى ٱلْعَذَابِ ٱلْمُهِينِ) سورة سبأ الآية 14.
-
قدراتهم محدودة (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا ۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ) سورة الرحمن الآية 33.
-
يكفرون بالله ويعصونه الآية الواردة على لسان الجن (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً) سورة الجن الآية 11.
-
يسمعون ويرون البشر (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا) سورة الجن الآية 1، في حين لا يراهم البشر ولا يسمعونهم (إنَّهُ يَراكم هو وقَبِيلُهُ مِن حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) سورة الأعراف الآية 27.
وهناك ميزتان تميزان البشر عن الجن:
-
قدوة البشر في التوبة والرجوع إلى الله هو سيدنا آدم عندما عصى ربه بأكله من الشجرة، أما الجن فقد وصفوا إبليس وهو من الجن بالسفيه (وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا) سورة الجن الآية 4.
-
من البشر جاء الأنبياء والرسل الذين أرسلوا للإنس والجن على حد سواء، في حين لم يذكر في القرآن أن وجد رسل أو أنبياء من الجن.
لا يوجد في القرآن الكريم ما يشير إلى تحذير البشر من الجن، وإنما تركز التحذير من إبليس ومن تبعه، وليس من عموم الجن؛ لأن إبليس أعلن صراحة أمام الله -عز وجل- أنه سيعمل على إضلال ذرية آدم وصدهم عن الإيمان بالله، وبسبب هذا الإصرار من إبليس أطلق عليه لفظ الشيطان، وكلمة شياطين ليست محصورة في الجن بل أيضا الإنس، فالشيطان هو المتمرد العاتي من البشر والإنس، وما ورد في الآية (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) يقصد بها شياطين البشر؛ وذلك لأن البشر يعلمون بعضهم بعضا، أما الجن فيوسوسون للبشر.
ورد في القران الكريم التحذير من إبليس وأعوانه، فهو على سبيل المثال يدعو الناس إلى عبادته دون الله، ويوقع العداوة والبغضاء بين الناس، وقام بإضلال أمم كاملة، وذلك من طريق الوسوسة فهي الطريق الوحيدة التي يصل بها إبليس إلى الإنسان، وقد أشار القرآن الكريم إلى أن للوسوسة مصدرين هما الإنسان نفسه وإبليس، كما أن للوسوسة درجات، هي: المس والهمز والنزغ والخبط والحضور، والوسيلة لتجنب وسوسة الشيطان هي بالاستعاذة منه.
الكتاب متوفر في رفوف المكتبة ورقم الطلب المخصصة له (BP134.J52 H68 2022 ).