نتائج الإفراط في تعزيز الأبناء والغلو في عقابهم
داؤد بن سليمان الظفري
إن استخدام مبدأ العدل والتوازن في حياة الناس لهو أمرٌ واجب الاتباع؛ ذلك أنه يجعل التعاملات التي تحدث بينهم سليمةً وصحيحة وذات نتائج إيجابية، ولقد نادى الإسلام بمبدأ العدل والتوازن في شتى مجالات الحياة وأخص هنا بالذكر مبدأ التوازن في التعزيز والعقاب في تربية الأبناء، إذ إن ما نراه اليوم من انحلالٍ في الأخلاق وتسارعٍ في تقليد عادات وأخلاق وتصرفات المجتمعات الأخرى أو بعض الشخصيات العالمية المشهورة؛ مما يؤدي إلى اتصاف الأبناء بصفات نهى عنها الإسلام أو جحودهم وإنكارهم لبعض التعاليم الإسلامية، والتخلي عن الهوية الوطنية، لهو أمرٌ يدعونا إلى التفكير في كيفية التربية التي تلقاها هؤلاء الأبناء.
نجد بعض أولياء الأمور يربون أبناءهم وهم يثقون بهم ثقةً عمياء، إذ إنهم يأمرونهم ببعض الأوامر، أو يعلمونهم بعض المعارف، ويوفرون لهم ما يلزمهم من حاجات مادية بشتى أنواعها، مثل: الأجهزة الإلكترونية والبرامج الحديثة فيها التي يحتاجون إليها في حياتهم، إلا أنهم لا يتابعون أبناءهم في كيفية استخدامهم لهذه الأجهزة والبرامج، ولا يسألونهم عمّا يحدث فيها أو ماذا تعلّموا منها، ولا يراقبونهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة حتى يعلموا كيفية استخدامهم لهذه البرامج والأجهزة أو غيرها، فهم مطمئنّون بأنّهم علّموا أبناءهم المعارف الصحيحة والأفكار السليمة؛ إذ إنّه لا يستطيع أي فكر آخر أن يغيّر من تصرفاتهم وأفعالهم، إلا أن الحقيقة الواقعية والقصص المتتابعة في حياتنا اليومية تخبرنا عكس ذلك، فهناك الكثير من الشباب والفتيات الذين وقعوا ضحية الاحتيال الإلكتروني، فمنهم من انسلخ من هويته الوطنية وأخلاقه الحميدة، ومنهم من اكتسب أفكارًا سيئة وشاذة كالتي تدعو إلى الجنس أو المثلية، والوقوع في هذه المآسي والمصائب يحدث بطرق مختلفة لا يمكن حصرها، فالثقة العمياء في تربية الأبناء قد تكون سببا رئيسًا يؤدي إلى هذه النتيجة، فيجب على أولياء الأمور أن يفرقوا بين حسن الظن بالأبناء والثقة العمياء بهم، فالأولى تؤمن بأفعالهم الحسنة وقدراتهم ومهاراتهم العالية، ولكن في نفس الوقت تتابعهم وتراقبهم وتصصح أفكارهم وأفعالهم، والثانية تثق بأفعالهم وتصرفاتهم وقدراتهم من غير الرجوع إليهم والسؤال عنهم ومتابعتهم بشكلٍ دقيق وآمن.
أما السبب الآخر هو الغلو في عقاب الأبناء، إذ يتّبع بعض الأباء هذا المبدأ في تربية أبنائهم منذ الصغر، فيقومون بضربهم بشكل مؤلمٍ ومؤذٍ، وربما يصل الحال إلى الأذى الجسدي، أو يضيّقون عليهم في التعاطي مع الحياة الخارجية والتعامل مع الآخرين، فيجعلونهم في عزلة وانغلاق دائمين عن المجتمع؛ مما يؤدي إلى إصابتهم بأذى نفسي، وعندما يكبر هؤلاء الأبناء وتتطلب منهم الحياة الخروج والتعامل مع الآخرين يصابون بذهول ودهشة ويتعجبون مما يرونه أمامهم، فينخرطون بشكلٍ قويٍ وسريع في ممارسة أفعالٍ سيئة، ويكتسبون أفكارًا عجيبةً وغير سليمة؛ طالبين بذلك الحرية والراحة التي افتقدوها في سنواتهم الماضية؛ مما يؤدي إلى تمردهم وعصيانهم بفعل أشياء كثيرة بكل طمئنينة دون أن يبالوا بعواقبها وآثارها السيئة على مستوى الفرد أو المجتمع.
ولقد كانت الإرشادات النبوية من الرسول الأعظم ﷺ تدعو إلى الرفق واللين والرحمة في التعامل مع الآخرين بشكل عام، وفي التعامل مع أهل البيت بشكلٍ خاص، فعن رسول الله ﷺ أنه قال: "إذا أراد الله عز وجل بأهل بيتٍ خيرًا أدخل عليهم الرفق"، وعنه ﷺ أنه قال: "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه"، وهذا لا يعني عدم اتخاذ مبدأ العقاب، وإنما ينبغي الموازنة بينهما حسبما يتطلبه ذلك الموقف والخطأ، ففي حديثٍ آخر يقول الرسول الكريم ﷺ: "علموا أبناءكم الصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر..."، وحتى عندما ذكر العقاب في هذا الحديث جاء بمعنى التأديب وليس بمعنى الغلو في العقاب والتشفي للغضب الكامن في النفس، وهناك بعض النظريات التي تحدثت في مبدأ التعزيز والعقاب بشكلٍّ مفصل، وفي كيفية استخدامه بشكلٍ متزنٍ وسليم حتى تكون النتائج مؤثرة على الأبناء بشكلٍ آمن وصحيح، كنظرية ثروندايك ونظرية سكنر التي يتم استخدامها في التربية الأسرية أو الأكاديمية.