السنة 18 العدد 167
2023/05/01

بين العامية والفصحى ... ميزان غير متكافئ

 


 

 

محمد بن علي الإسماعيلي

 

يحفل المحتوى اللغوي العربي بتراث حضاري كبير من المفردات والمصطلحات، يوظفها قومها في جمل وتراكيب في لغة معاملاتهم اليومية؛ إلّا أنّ ما قد يتبادر إلى الأذهان أن الفصحى تستعمل في السياق الرسمي، بينما العامية تكون دارجة على لسان الشارع أو الحياة اليومية والسياقات الترفيهية؛ لذا احتدمت جدلية واسعة بين السياقين، أفرزت فريقين مختلفين أحدهما يدافع عن الفصحى والآخر يدافع عن العامية.

 

وقد كانت هناك الكثير من الحركات التي دفعت تيارات استعمال العامية، ودعت إلى توسيع دائرتها في مجتمعاتنا وتعاملاتنا، لعل أبرزها يكمن في اقتران الدعوة بتيسير اللغة العربية كتابة وتحدثاً؛ وذلك لتذليل الصعوبات التي يعاني بسببها بعضهم عند استعمال العربية الفصحى، حتى يتمكن أكبر عدد ممكن من قومها من خدمتها، فحسب قولهم أن اللغة مرنة مثل أي كائن حيٍّ ينمو ويتطوّر. كما أنّ من مبادئ الدعوة إلى استعمال العامية الرغبة إلى تجديد الأدب العربي، إذ عدّوه قديمًا لا يلائم الأجيال الجديدة ولا يتصل بحياتنا وواقعنا المعيش المعاصر؛ كي يستطيع المجتمع المشاركة في ثراء الأدب العربي. إلى جانب ذلك، كانت هناك دعوة إلى استعمال العامية بسبب عوامل التجديد والإصلاح التي طالت الشعوب في فترات متعددة؛ مما أدى ذلك إلى دخول المفردات الأجنبية واللهجات المحلية التي أثرت كثيرا على الفصحى في السياق العلمي والأدبي والرسمي، فكانت هذه علامة فارقة على صعيد هويتنا العربية، خلقت شرخا في كيانها.

 

ولطالما كان لأنصار الفصحى مواقف عديدة دافعوا بها عن اللغة العربية قدسية لا يمكن المساس بها، إذ لم يستسيغوا فكرة التقريبة بين العامية والفصحى، فكانت جُلّ مخاوفهم تنصب نحو خطورة التسامح في استعمال الفصحى في السياقات التداولية والفكرية حتى لا تتأثّر بها الأجيال المستقبلية لتصل إلى مستوى التسامح في الكتابة والتحدث والتعليمن فقد حاربوا كلّ تلك الحركات التي قامت على مبادئ اللغة الميسّرة أو اللغة الديموقراطية أو اللغة المهذّبة ... وغيرها من التسميات التي لم تغرِ مناصرو الفصحى. ومما لا شك فيه أن هذا الصراع المحتدم بين الفصحى والعامية أدى إلى ظهور هوّة شاسعة بينهما في توظيفها في استعمالات مظاهر الثقافة والأدب والعلوم والفنون والسياسة والإعلام بين دولة وأخرى أو مجتمع وآخر. كذلك تباين استعمالهما في لغة الدراما والمسرح؛ وقد خلق ذلك مستويين من الجمهور؛ جمهور تجذب اللغة الفصحى وجمهور تجذبه العامية وهم أكثر؛ لذلك نبرر سبب الخوف من ضياع اللغة العربية الفصيحة كونها هوية تراثية راسخة في ديننا وحضارتنا. 

 

إرسال تعليق عن هذه المقالة