"أسبوع عمان للاستدامة"... زيارة وتطلعات لتصميم أزياء مستدامة
أ.د رحاب رجب
أستاذ تصميم الأزياء بجامعة نزوى
مع استقبالي لِلبريد الإلكتروني من كلية العلوم والآداب بالجامعة لدعوة أعضاء هيئة التدريس لزيارة "أسبوع عمان للاستدامة"، توجهت إلى مسقط لزيارة المعرض الذي يعد الحدث الأهم بسلطنة عمان في الفترة من 12 إلى 16 مارس 2023م في مركز عمان للمؤتمرات والمعارض. الحدث تحت إشراف وتنظيم وزارة الطاقة والمعادن بالتعاون مع شركة تنمية نفط عمان، إذ يهدف المعرض والفعاليات المصاحبة لتمكين جهود الاستدامة ومستقبل الطاقة في السلطنة بالدرجة الأولى. وقد شارك في الحدث أكثر من (100) متحدث وتم تسجيل ما يقرب من (7000) زائر، وتضمن الأسبوع بعض الجلسات الحوارية بمشاركة نخبة من خبراء الصناعة؛ بهدف فتح المداخل وتوسيع الفرص في تبادل الخبرات لتبني أفضل الأفكار والحلول الابتكارية في مجال الاستدامة.
وقد ركزت الشركات الكبرى من داخل سلطنة عمان وفروع الشركات العالمية بالسلطنة على إبراز تجاربها وتطبيقاتها في مجال الاستدامة، أي استدامة في أنظمة البناء وفي الري والطاقة والزراعة، وما كان معروضا كان مبهرا بما في الكلمة من معنى، ملأني الحماس والفخر بما وصلت له سلطنة عمان وبلادنا العربية إلى مستوى من الوعي العالي المساير للمستويات الدولية المتقدمة.
عرّفت لجنة "بريند تلاند" التابعة للأمم المتحدة مفهوم "الاستدامة" أنَّ (تلبية حاجات الحاضر دون المساس بقدرات الأجيال المستقبلية على تلبية حاجاتها الخاصة)؛ أي أن يعمل إنسان الحاضر وينتج ويتطور بشرط أن يكون ذلك بما يحافظ على موارد الطبيعة، حتى تبقى بلا إفساد وتظل على صلاحيتها موارد طبيعية للأجيال القادمة. ويجسد الأسبوع التزام السلطنة لِتحقيق مبادئ وأهداف الاستدامة التي أقرتها الأمم المتحدة، بالتوافق مع رؤية عمان 2040، لحماية موارد الطبيعة ودعم الاقتصاد الوطني. الجدير بالذكر أن النسخة الأولى من الأسبوع كانت العام الماضي، وأن النسخة الحالية هي النسخة الثانية، فيما حرص المنظمون على أن تضم الدورة الحالية جلسات توعوية لطلبة المدارس والجامعات.
أعود إلى أروقة المعرض، تستوقفني بعض المجسمات واللوحات التوضيحية المميزة، وأحاول أن أتبيّن فكرة المشروع، وإنْ وجدتها تبعد عن هدفي من زيارة المعرض بشكل كبير فارقتها لغيرها، وكان من أكثر ما جذب نظري تلك الشاحنة الضخمة القابعة على أرض المعرض تغلفها رسوم تحاكي الأجرام السماوية، هي شاحنة "بيئة" المتنقلة، وحدة تعليمية متنقلة تستهدف الدعوة والتأكيد على مبادئ الاستدامة وأهمية تطبيق الاقتصاد الدائري، وجميع مكونات الوحدة من مواد معاد تدويرها: الأخشاب وأقمشة المقاعد والعبوات البلاستيكية المستخدمة في الإنارة، وبعض الأعمال الفنية من (المتروكات) لبعض الفنانين العمانيين انطلاقا من فكرة (صناعة الجميل من القبيح، أو من المهمل).
أحد الأعمال الفنية تجسد صندوقا زجاجيا يحوي مرساة قديمة صدأت تزن (8) كيلوجرامات، ذكرت الأستاذة نوف الشعيلي مرشدة في المشروع أن هذه المرساة تمثل متوسط كمية النفايات الناتجة من الفرد العماني يوميا -نتائج دراسات علمية- وتحدثت عن فكرة الوحدة التعليمية المتنقلة في التعريف بمفاهيم الـ (Reuse)؛ أي إعادة استخدام المنتج بعد الانتهاء من وظيفته الأساسية بما يحفظ شكله، كتحويل العبوات البلاستيكية الفارغة إلى وحدات إضاءة أو وحدات زخرفية ملونة، وقد أضافت أن المقصود بالـ (Recycle) هو إعادة التدوير وتحول شكل المنتج إلى شكل آخر جديد.
وأشارت أيضا إلى أن الشركة العمانية القابضة لخدمات البيئة "بيئة" تخصص قسما لِتطوير الأعمال، ويمكن من طريقها البحث في تطبيق بعض الأفكار الابتكارية الجديدة في إعادة التدوير.
بزيارتي لجناح شركة "عمانتل" والاستفسار عن التطبيقات التي حققت من طريقها مبادئ الاستدامة كشركة اتصالات، جاءت الإجابة بأن ممارسة الشركة التي تتبعها منذ عام 2017م في تحصيل الفواتير رقميا أسهمت بشكل كبير في استدامة الموارد، فَالاستهلاك السنوي سابقا كان بمعدل (42) مليون ورقة مطبوعة، ما يعادل تقريبا استهلاك (4875) شجرة، ويتسبب في ما يقرب من (21877) كيلوجراما من غاز ثاني أكسيد الكربون.
التقيت أيضا الأستاذ أحمد هلال المعولي، ممثل عن أحد فروع إحدى الشركات الكبرى بالسلطنة، وضح أن الشركة تجمع في سياستها بين تقرير الأمم المتحدة عن الاستدامة، ورؤية عمان 2040 وتوجهات الشركة. تحدث عن الـ Pinwheel الخاصة بتقييم الكم والكيف للتلوث في كل منطقة بالعالم تقريبا، وهي أحد مخرجات الشركة التي يعمل بها، العجلة كما بالصورة المرفقة توضح الهيئة التي عليها التلوث داخل سلطنة عمان.
ما لاحظته مع زيارتي للمعرض أن مجال الاستدامة في التصميم مازال بكرا، لم تتطرق إليه الكثير من الشركات بشكل رئيس، إنما جاء ضمنا بين منتجاتها، كما لاحظت أن تطبيقات الاستدامة في مجال صناعة النسيج والأزياء ما زالت تحتاج إلى العديد من الجهود لِإبرازها على الساحة.
ختاما لِتقرير زيارتي للحدث المهم "أسبوع عمان للاستدامة" أتحدث اختصارا عن مجالات الاستدامة في تصميم الأزياء:
يعرف "التصميم المستدام أو التصميم الأخضر" أنه (تصميم ترتبط عملياته وجوانبه بأثر المنتج النهائي على البيئة)، كما يعرف بأنه التصميم الذي يسعى إلى تقليل الآثار السلبية لمنتج ما على البيئة و على صحة المستخدم وراحته؛ لتحسين أداء المنتج).
يرتكز مصطلح "الاستدامة" في التصميم في أن يكون التصميم معدا لتحقيق الجانب الوظيفي، وأن يكون عمره الافتراضي طويل، ومحاولة استخدام الخامات المتجددة، وأن تكون هذه الخامات طبيعية أو معمرة قدر الامكان، وأن تكون خامات مقتصدة للطاقة، ومواد قابلة للتدوير، وأن يرشد المصمم استهلاك الموارد الطبيعية ما أمكن ذلك.
وعن بعض تطبيقات الاستدامة في تصميم الأزياء، نجد أن المصمم يراعي عند اختيار الخامات التأكد من جودة القماش المستخدم بإجراء بعض الاختبارات، مثل: مقاومة الاحتكاك - مقاومة الشد - نفاذية الهواء بهدف ضمان فترة استخدام ملائمة. كذلك مبدأ (التصميم للحاجة)، الذي يعني إنتاج الملابس التي تلبي حاجات المستهلك بشكل أساس وبيعها، بالإضافة إلى زيادة وعي المستهلك، وزيادة قدرة المنتج على المنافسة، وهو من أهم العوامل المؤثرة على تسويق إنتاج وتسويق المنتجات المستدامة؛ أي أن تصميم وإنتاج ملبس مستدام، تبدأ من فكرة التصميم في الأساس، تتبعها جميع المراحل كاختيار الخامات، وأسلوب صباغتها، وعمليات التشغيل، بل تتعدى ذلك للتعبئة والتغليف ثم التوزيع، انتهاء بمدى إمكانية إعادة تدوير الملبس. وختمت زيارتي بطموح كبير لإسهام جامعة نزوى بتصميم وإنتاج أزياء مستدامة تكون الأولى من نوعها في سلطنة عمان.