من دفقات سواقي الأفلاج تطور العلم في عمان
د. ناصر بن سيف السعدي
كرسي اليونسكو لدراسات الأفلاج
لم يكن الفلج مجرد قناة ينتقل الماء عبرها من مكان إلى آخر، إنما كان -ولا يزال- عنصرا فاعلاً في حياة المجتمع العماني، وكان له إسهام فاعل في تطوّر العمران البشري. ومن غلة المياه المتدفقة عبر السواقي نمت العديد من مؤسسات الرعاية الاجتماعية والثقافية، فكان الماء ممولاً لرعاية الفقراء، مورداً للخدمات الصحية. كما أسهم في توفير الأمن الاجتماعي والسياسي بتوفير الموارد المالية لبناء الأسوار والحصون في المدينة العمانية. ويكاد لا يوجد فلج من أفلاج عمان إلا وأسهم بنصيب في خدمة الحركة العلمية في عمان قديماً.
أولا: مظاهر دعم الأفلاج للحركة العلمية والثقافية
تعددت أشكال ومظاهر الرعاية التي قدمتها الأفلاج للحركة الثقافية والعلمية، إذ اشتملت على الكثير من الجوانب، مثل: بناء المدارس وشراء الكتب وصيانتها وإدارة وتمويل المكتبات ورعاية المتعلمين، وغيرها من مظاهر الرعاية والتمويل. وفي هذه العجالة سنقدم نماذج من دعم الأفلاج للحركة العلمية والثقافية، وذلك فيما يأتي:
-
أوقاف المتعلمين: هذه الأوقاف خاصة لمن يتعلم العلوم الدينية، مثل علم الشريعة، وقراءة القرآن الكريم، واللغة العربية، وتعلم ونسخ الآثار العلمية. ومن أمثلة هذه الأوقاف: تسع وثلاثون أثرا من ماء فلج دارس. وعشرون أثرا من فلج الميسر والحمام وفلج أبي ثعلب، بولاية الرستاق.
-
أوقاف لصيانة المدارس ومستلزماتها: وهي أوقاف تخصص لإصلاح المدارس، وتوفير الأثاث لها، وشراء زيت للمصابيح، كما أن هذه الأوقاف أحيانا يستفيد منها حتى القائم على المدرسة، أو الذي يقوم بمهمة التعليم أو توفير من يقوم بها. ومن أمثلة هذا النوع من الوقف المال الذي أوقفه ناصر بن سليمان اللمكي من سقي فلج الميسر بولاية الرستاق.
-
أوقاف للدعم المادي للمتعلمين: وهي أوقاف خاصة بتوفير الأطعمة، وكسوة للمتعلمين وحوائجهم، وشرابهم، وما يعرض لهم من حوائج، وهذا ما أوصى به الشيخ خميس بن سعيد الشقصي، وهو من علماء دولة اليعاربة.
-
أوقاف لإقامة المعلمين في المدارس، وهذا النوع من الوقف يخصص عادة لتوظيف معلم خاص في المدارس. ومن الأمثلة على هذا النوع من الوقف، ما أوقفه ناصر بن سليمان اللمكي، إذ خصص جزءا من ماله المسمى المرخية من سقي فلج الميسر لمن يصلي بالناس جماعة ويؤذن، ويعلم الصبيان في المدرسة على ما جرت به سنة أهل البلد.
-
أوقاف لإصلاح الكتب وصيانتها، وأمثلة هذا النوع من الأوقاف، ما أوقفه الشيخ خميس بن سعيد الشقصي لصيانة الكتب، فقد أوصى بربع ماله من وقيف الثعالب من سقي فلج أبي ثعلب، مع أثر ماء وربع نصيبه من البيوت والرموم التي بجانب ذلك المال، لمن يتعلم منها العلم وينسخ منها الآثار. وأوقاف الشيخة عائشة بنت راشد الريامية، إذ أوقفت تسعة قياسات من أحد أفلاج الرستاق لإصلاح الكتب التي أوقفتها. وهنالك أوقاف خصصت لصيانة كتب بعينها، مثل كتاب بيان الشرع، والمصنف.
-
أوقاف لصيانة المكتبات، ومن أمثلة ذلك ما أوقفه عامر بن حمد بن سالم الحجري من ماله من فلج المنترب بولاية بدية؛ لصيانة المكتبة التي ورثها من أبيه.
-
أوقاف لشراء الكتب، أوقف الشيخ خميس بن سعيد الشقصي جزءا من نصيبه من مياه بعض الأفلاج لِتصرف غلتها في شراء جملة من الكتب في مجالات عدة، لاسيما كتب الشريعة واللغة العربية، وما كان مرجعه لزيادة علم الشريعة كالنحو وكتب تفسير القرآن الكريم.
ثانيا: الفئات الاجتماعية والأفلاج الداعمة للعلم
تكونت الأموال والموارد الخاصة بالرعاية الثقافية والعلمية من طريق الأوقاف، وأسهمت جميع فئات المجتمع العماني في توفيرها ووقفها، فهناك النساء والرجال والعلماء والأئمة. وفيما يأتي نماذج من الشخصيات والأفلاج التي أسهمت بنصيب من ممتلكاتها للدعم العلمي والثقافي.
الفئات الاجتماعية |
الواقف |
الأفلاج |
القرن التي ينتمي إليها الوقف |
العلماء |
خميس بن سعيد الشقصي |
فلج أبي ثعلب، الرستاق |
11هـ\17م |
ناصر بن جاعد الخروصي |
فلج العوابي، العوابي |
13هـ\19م |
|
الأئمة والولاة |
سيف بن سلطان اليعربي |
فلج دارس، نزوى |
11-12هـ\17-18م |
هلال بن أحمد البوسعيدي |
بلد الأخضر، المضيبي |
القرن 13هـ\19م |
|
النساء |
عائشة بنت راشد الريامية |
أحد أفلاج الرستاق |
القرن 11-12هـ\ 18م |
شيخة بنت محمد الراشدية |
فلج الميسر، الرستاق |
القرن 14هـ\20م |
|
عامة الناس |
سالم بن ناصر اليحيائي |
فلج الميسر، الرستاق |
القرن 14هـ\20م |
ناصر بن سليمان اللمكي |
فلج الميسر، الرستاق |
القرن 14هـ\20م |
|
سعيد بن عبدالله المزروعي |
فلج الميسر، الرستاق |
القرن 14هـ\20م |
الصورة الأولى:
صورة من وثيقةالأوقاف العلمية التي أوقفها
الشيخ خميس بن سعيد الشقصي
الصورة الثانية:
صورة لوثيقة الوقف العلمي الذي أوقفته
شيخة بنت محمد بن عبيد الراشدي سنة 1322هـ