في سماء يوم التخرّج المشرق نجمٌ لا يأفلْ وذكريات لا تنسى
إشراقة: ذكريات خريج
ماهر بن سيف بن حمد الراشدي، من مواليد قرية الجناة في ولاية سمائل بمحافظة الداخلية. نشأ في أسرة بسيطة مكافحة، ضمن مجتمع صغير، بين أحد عشر أخا وأختا. هو المولود الوحيد لأمه وأبيه؛ إذ توفِّي والده في سن الخامسة من عمره؛ فوجد العناية من والدته هو وإخوته؛ بل حصرت على تهذيبهم وتعليمهم، يقول عنها: "يُنسب لها كل الفضل -بعد الله سبحانه وتعالى- فيما حققناه في حياتنا هذه".
موسم التخرج ذكرى بعد مراحل من الكفاح والإصرار على بلوغ الهدف؛ يتسابق الخريجون لتوثيقها صورا أو عباراتٍ تحفظها الأعوام وتَتبادلها الأجيال. في السطور القادمة يترك لنا خريج جامعة نزوى في الدفعة الخامسة عشرة ذكرياته الثمينة بين الدرس والمدرّس والمكان، مليئة بحيوية المشاعر الجيّاشة.
يتحدث ماهر عن طريق مساره التعليمي من المدرسة إلى الجامعة وصولا إلى منصة التخرّج، يقول: "بدأت مشواري الدراسي في مدرسة عبدالله بن رواحة في قرية الجناة بسمائل حتى أتممت الصف الثاني عشر، وبعدها التحقت بجامعة السلطان قابوس عام ٢٠٠٩ في تخصص تدريس اللغة الإنجليزية. كان أهلي يتمنون أن أصبح مهندسا أو طبيبا، لكنَّ القلب مال إلى تعلم اللغة الإنجليزية وامتهانِ سلك التدريس. ثم تخرجت في الجامعة عام ٢٠١٤ بشهادة البكالوريوس. بعدها في العام الأكاديمية ٢٠١٦ - ٢٠١٧ قررت متابعة الدراسة والحصول على شهادة الماجستير في تعليم اللغة الإنجليزية لغير الناطقين بها، وها أنا ذا اليوم بعد مرور الأعوام أتخرج من هذه جامعة نزوى التي احتضنتنا طوال هذه الفترة".
وكان لا بدّ له أن يُطلعنا على تكوينه البحثي والأكاديمي واهتمامه بهذين المجالين ونشاطاته فيهما، يقول في ذلك: "في بداية دراستي لدرجة بكالوريوس اللغة الإنجليزية لم يكن لدي اهتمام كبير بالبحث العلمي. كان جلُّ تفكيري منصبا على تطوير نفسي أكاديمياً من حيث إتقان مهارات التعليم المختلفة. بعدما بدأت دراستي العليا في جامعة نزوى، فازداد اهتمامي بمجال البحث العلمي ونشرت ورقة بحثية في إحدى مجلّات البحث العلمي. لكن مهنة التعليم الأكاديمية ما زالت تشغل الحيز الأكبر من وقتي. ولدي خطة قريبة لتحويل رسالة الماجستير إلى ورقة بحثية ونشرها في الوقت المناسب".
لقد استرجع معنا الراشدي ذاكرة أبرز إنجازاته وبصماته واصفًا مشاعر لحظة التخرّج المباركة، بقوله :بما أن دراستي كانت بنظام التفرغ الجزئي، وكونها تزامنت مع شغل منصب أكاديمي آخر في مؤسسة تعليمية أخرى، كان الوقت الذي أقضيه في جامعة نزوى قصيرا نوعاً ما؛ ولكن ذلك لا ينفي وجود الكثير من اللحظات المميزة التي شاركتها بين زملائي، سواء في الفصل الدراسي مع الأساتذة أم في أروقة المكتبة لغرض البحث والمراجعة، إذ دائما ما تكون ذكريات الدراسة خالدة محفورة في أعماق الذاكرة، والآن بعد أن أنهيتها ووصلت إلى يوم التخرج، لا يسعني إلا أن أكون شاكرا ومثنياً على جامعة نزوى والقائمين عليها، والشكر موصول إلى كل من ساندني في هذه الرحلة".
"تختلف الإنجازات من شخص إلى آخر، وكوني معلما أرى أن أعظم إنجاز في حياتي العلمية هو قول الطالب لي (شكراً لك معلمي فقد تعلمت منك اليوم شيئاً)". هكذا أجاب ماهر عن سؤالنا أين يجد القارئ أبرز الإنجازات التي حققتها في حياتك العلمية؟ ويضيف: "أتذكر أول مرة سمعت هذه الجملة على لسان أحد طلابي الذين كنت أدرسهم في الفترة المسائية منذ أعوام مضت، يومها خالجنِي شعور الفخر والرضى وكأن جميع إنجازاتي جُمعت في هذه الجملة. الإنجازات ليست حصراً على ورقة مطبوعة أو وسامٍ معلق على الصدر، الإنجاز قد يكون شعور رضى تتركه في نفس الطالب بعد انتهاء الدرس".
لدى ضيف شخصية العدد رسالة يستعين بها في سبيل طلب العلم، يتحدّث عنها: "حاول أن تتعلم شيئا جديداً كل يوم، جملة أكررها يوميا على مسامع طلابي، فأنا أسعى جاهداً كل يوم إلى تعلّم واكتساب شي جديد، ولا أدخر جهداً لتعلم أي شيء ولو كان بسيطا وبأي وسيلة متاحة. التعلم واجب مقدس مذكور في القرآن؛ ولذا وجب علينا السعي إلى توسيع مداركنا وتثقيف أنفسنا حتى لا نقع ضحايا للجهل".
كيف يتعامل ماهر الراشدي مع نقاط القوة ونقاط الضعف التي واجهته دراسيا؟ سؤال اقتصر بالإجابة عنه قائلا: "حاولت استغلال نقاط القوة لتذليل الصعاب التي واجهتها بسبب متطلبات الدراسة والعمل في آن واحد واختلاف المكان والمسافة بينهما. أما نقاط ضعفِي فكنت أنظر إليها تحدياتٍ يومية يجب عليَّ أن أتغلب عليها واحدة فالأخرى. وقد واجهتني تحديات كثيرة، من بينها تنظيم وقتي بين حياتي الشخصية ودراستي وعملي الأكاديمي، فكان الصبر والعمل الدؤوب مفتاحين جوهريين لتجاوز هذه العقبات". وفي ذات الوقت كان له توجيه توجيه لطلبة العلم لاختيار الوسائل والطرق المناسبة لرفع المستويين الثقافي والأكاديمي نحو الأفضل، يقول: "نصيحتي الوحيدة لكل طالب علم أن يكون متعطشاً لما يطلب، فقد أصبحت وسائل المعرفة متاحة كما لم يسبق لها من قبل. اليوم أصبح بالإمكان تعلم كل ما ترغب فيه وأنت في مكانك، فقط تحتاج إلى ذلك الدافع، إلى التعطش لمزيد من العلم والمعرفة".
ويختم حديثه بذكر أبرز المحطات التي طوّرته وأثر جامعة نزوى في نمائه، يقول: "جامعة نزوى منارة علم ورشاد لكل طالب علم، تتميز ببيئة حاضنة لطلبتها، وكوني طالبا ينتمي إليها لمست هذا الأمر من طريق تعاملِي مع كادرَيها الأكاديمي والإداري والعاملين فيها، فقد كانوا لنا السند في أعوام الدراسة، الأمر الذي يسر لنا الوصول إلى هذا اليوم المنشود … نعم يوم التخرج".