التتويج المستحق والحلم المتحقق
أ.د. فليح مضحي السامرائي
كلية العلوم والآداب
تتعالى المشاعر الوجدانية الإنسانية لحظة التتويج الأكاديمي التي تؤكّد حصول الخريجين على مبتغاهم العلمي متمثلاً في الشهادة العلمية، وقد توّجت سنيناً من الجهد والتعب والدراسة وتعقّب سبل المعرفة للوصول إلى هذه اللحظة التاريخية في حياة أي طالب، وهي لحظة جمالية ومعرفية وعلمية تنقل الطالب الجامعي من طبقة إلى أخرى ومن مرحلة إلى مرحلة جديدة، على طريق التقدّم والنضج واكتساب المعارف والمهارات والقيم التي تمكّن الطالب من اكتسابها بقدرات ذاتية خصبة، تحدّت الصعاب والمعضلات والمشاكل الكثيرة التي لا بدّ أن يواجها الطالب الجامعية على أكثر من مستوى، لكن إصراره الأصيل على طلب العلم والدخول الحرّ في فضاء المعرفة هو الذي يقوده إلى تحقيق النجاح في نهاية المطاف، والانفتاح على حياة جديدة عنوانها الثقة بالنفس والتسلّح بصنوف المعرفة المختلفة والبحث عن سبل جديدة للحياة قادرة على تحقيق الهوية الإنسانية الجديدة للمتخرج.
إنّ هذا الإنجاز الذي وصل إليه طلبة جامعة نزوى وهم يتركون مقاعد الدراسة بعد أن أبلوا فيها بلاء حسناً إلى ميادين العمل والإبداع الكثيرة، لهو إنجاز لكل طالب اجتاز سنوات الجامعة بنجاح مثلما هو إنجاز لأسرته ومحبيه وإنجاز للوطن والأمة أيضاً، ويحسب هذا الإنجاز العلمي والمعرفي لصالح الحياة الجديدة التي يحلم فيها كل خريّج يسعى إلى تحويل المقررات الدراسية التي تعلّمها إلى واقع ميداني عملي، إذ تتجسد المهارات الخاصة له في ميدان العمل المهني الذي يحتاج إلى وعي جديد يضاف إلى الوعي العلمي النظري الذي زودته به الجامعة، وعليه في هذه اللحظة التاريخية أن يعي هذا التطور الحاصل في شخصيته من عتبة الدراسة الجامعية إلى منصّة العمل المهني الميداني.
ينبغي ألا تتوقف عملية مواصلة التقدم العلمي والمعرفي لدى الخريج مطلقاً؛ لأنها نقطة البدء الأساسية في الحياة العملية، فسنوات الجامعة هي سنوات الكدّ الذهني الذي يتلقّى فيها الطالب المبادئ الأساسية للمعرفة بشتى صنوفها وأشكالها، لكنها على العموم هي معرفة أوليّة تحتاج أولاً إلى تحويلها نحو ميدان العمل كي يتعانق النظري والعمليّ، مثلما تحتاج في الوقت نفسه إلى فتح أفق المعرفة على فضاء واسع من التطور والتقدم نحو الأمام، وذلك لأن المعرفة لا يمكن أن تكون نهائية وحاسمة، إنما هي منفتحة على مسارات معرفية جديدة تتطور بتطور الحياة، بحيث لا ينسى الخريج أبداً أن شهادته تعني بداية الطريق فقط، وأنّ عليه أن يواصل رحلة المعرفة والاطلاع على كل ما هو جديد في ميدان اختصاصه كي يتمكّن من متابعة حقله المعرفي بقوة وديمومة.
إنّ كوكبة الخريجين ثمار الجامعة التي تعوّل عليها الأمة ويعوّل عليها البلد الأجمل "سلطنة عُمان"؛ لرفد مسيرة الحياة العلمية والثقافية والاجتماعية بمزيد من الخصب والحياة، وحين تدخل هذه الكوكبة مجال العمل المهني في شتى شؤون الحياة فإنها ستتحول إلى أدوات وطنية لخدمة الوطن، إذ يتطلّع كل خريج من هذه الكوكبة إلى إنجاز يخصه يكتشف فيه قدرته الخاصة على تحويل ما تعلّمه في الجامعة إلى واقع عملي في ميدان العمل، ولا شك في أن هذا الشعور الاستثنائي الذي يحمله الخريج لا بدّ أن يأخذ بيده كي يؤدي عمله في الميدان على أكمل وجه.
نقف اليوم في هذه اللحظات التاريخية ونحن نستقبل الخريجين الذي كانوا قبل وقت قصير طلبة علم في ميادين علمية مختلفة، نقف لنشاركهم ببهجة وسرور الفرح، ولنودّع جيلاً ونستقبل جيلاً آخر في مسيرة علمية وعملية لا تنتهي أبداً؛ لأنها تمثل مسيرة الحياة التي لا تتوقف، ونحن مع الجامعة ندعم بكل ما نمتلك من قوة هذه الكوكبة الرائعة من خريجينا وندعو لهم بالنجاح والتفوق في حياتهم العلمية القادمة، ومن الله التوفيق أولا وآخراً.