الخروج من منطقة الراحة
سلوى العنقودية
إن مشاعر الفرحة التي أدركتها في يوم تخرجي لهي أحاسيس لها وقع عميق في داخلي، جعلت منها شريطا يمر على ذكريات المثابرة، والمصابرة على لسعة النحل من أجل لعق عسل الإنجازات، وبريقها له شعور جميل يجعلك تحب كل ما حولك من تحديات وصعوبات وأزمات ما أن تكاد أن تخمد همتك حتى تنتشلها للوقوف لهذه اللحظة، في هذا الصرح العلمي الجامح بالجمال والرفعة.
إن المراحل التعليمية رفعة لطالب العلم، ولابد أن تستمر دون أن يحدوها حد، فهي مقياس يمكن أن يعده الطالب خبرة يضيفها إلى معرفته في التخصص الذي يطمح للوصول إليه. لقد كان اتخاذ قرار دراسة الماجستير أمر خالطه التردد والخوف بين القدرة على المواضبة في متطلبات الوظيفة ذات الساعات العملية الكاملة، ومتطلبات الدراسة التي تعتمد اعتمادا كليا على كتابة البحوث العلمية، ودراسة المساقات التعليمية، والانخراط في عالم التحليل والنقدين العلمي والبحثي. إضافة التغيير على سلوى كان طموحي وحافزي الأول لتحقيق نقلة نوعية تنعكس على قدراتي ومهاراتي وشخصيتي باحثة ومعلمة وموظفة. لقد كانت الرحلة جميلة تخللها الكثير من السهر والتعب والألم، لكن كانت ثمارها عظيمة. مرحلة الماجستير ما هي إلا امتداد لما اشتغلت عليه في درجتي الدبلوم والبكالريوس سابقا في جامعتي الشامخة نزوى، فقد اعتدت على الخروج من منطقة الراحة إلى العمل تحت الضغط ... الأمر الذي كان له دور كبير في وصولي إلى مرتبة الشرف في درجة الماجستير.
في أثناء هذه الرحلة الطويلة واجهتني تحديات عدة، منها عدم وجود وقت للراحة؛ إذ كان لابد علي من العمل يوميا ما يقرب من 14 ساعة، فقد تطلّب مني إنهاء ساعات العمل، التي تصل إلى 8 ساعات، ثم المباشرة في إنهاء متطلبات المساقات التعليمية والبحوث. وكان لابد من موازنة ذلك مع احتياجات الأسرة وظروفها الأمر الذي قد يتركك أحيانا في تردد بين أن تضحي بواجباتك العلمية أو الأسرية. لم يكن لدي متسع من الوقت لإجازة الأسبوع كما يظن بعضهم، فقد كنت أقضيها بين قراءة الأوراق العلمية وكتابة البحوث وعمل العروض ومراجعه ما تمت دراسته. و قد أضافت جائحة كورونا لي العديد من التحديات التي كان منها رسالة الماجستير، فقد تحوّل بين عشية وضحاها التعليم عن بعد، وتغيّر سير عمل الرسالة لعدم وجود الطلبة في حرم الجامعة، مما جعل جمع البيانات أمرا يتطلب الكثير من الجهد للوصول إلى النتائج المرجوة في فترة محددة، إذ كانت جميع الأعمال مرهونة على شبكة الإنترنت، وإن لم تتوفر ذهب يومك. وكذلك شأن التباعد الاجتماعي، إذ جعل فرص اللقاء، التي كان من شأنها أن توفر العديد من الإجابات لأسئلتي، فما كان مني غير القبول بالواقع، ومواصلة السير مشيا على التحديات دون كلل.
لقد كان لجامعة نزوى الفضل الكبير في صقل مهاراتي وقدراتي العلمية والتعليمية في إتاحتها لي فرصة إكمال دراستي العليا. كذلك كان لها الأثر البليغ في تمكيني من المشاركة في المؤتمرات المحلية والدولية، الأمر الذي انعكس إيجابا في قدراتي على النقد البناء والمناظرة والطرح العلمي في رسالتي لدرجة الماجستير. ولما يتوقف دور الجامعة عند هذا الحد، بل كان لها القسط الكبير من تشجيع طلبة الماجستير للانخراط في النشر العلمي بالمجلات العالمية المعترف بها؛ من طريق توفير المصادر والموارد العلمية التي تسهم في مساعدة الطلبة الحصول على الموافقة لنشر أوراقهم العلمية، كما أبدت الجامعة اهتمامها لمعرفة مدى رضى الطلبة عن خدمات الدراسة لبرامج الماجستير من طريق تنفيذ العديد من اللقاءات والحوارات والاستبانات، التي من شأنها أن تطور وتحسن جودة البرامج العلمية للطلبة. كما أن ربط أسس البحث العلمي في جامعة نزوى يسير يدا بيد على خطى واثقة مرتبطة بمصادر مجلس البحث العلمي، الذي كان له الدور في تبني بعض البحوث العلمية لطلبة الماجستير وإمدادها بالمصادر والموارد العلمية والمادية؛ كي ترى النور في تحقيق رؤية عمان 2040.
إن خير من دعمني لإكمال هذه المسيرة هو الله الذي شد أزري، وأعطاني القوة والصبر والمثابرة بوعوده للصابرين المجتهدين لسعيهم، ثم أسرتي، فقد عملوا جاهدين على توفير المناخ المناسب لجعلي أنتج ما أرغب في تحقيقه. لقد كان دعاء ورضى والدي الوقود الذي يشعل الفتيلة في قلبي في كل حين، وكذلك الصحبة الطيبة من زملاء الدراسة الذين عملوا بجد كي نجتاز الهدف ذاته. وسأضيف أيضا شكري العميق لأولئك الذين جعلوا العوائق في طريق نجاحي، فهم من دفعوني -دون أدنى شك- لأخرج أفضل ما لدي؛ لأثبت لنفسي أني قادرة على تخطي التحديات. ولا أنسَ كلمات أحد المعلمين عندما أوشكت على الانطفاء عندما قال: "أنا أؤمن بقدراتك، فقط استمري"، أجدد شكري وامتناني لمشرفي في رسالة الماجستير، والمعلمين الذين أضافوا لسلوى الكثير من المعرفة والخبرات والمهارات، للوقوف في هذة اللحظة التاريخية بتخرجي في درجة الماجستير.