السنة 18 العدد 165
2023/03/01

نافذة نفسية

 

اضطراب الوسواس القهري (1)

 


 

 

 

 

د.محفوظة بنت راشد بن سعيد المشيقرية

أستاذ مساعد واستشارية بمركز الإرشاد الطلابي

 

تعيد مريم وضوءها وصلاتها في كل مرة مرات عدة؛ خوفًا من عدم تأديتها بالشكل الصحيح، وتقول: "ينتابني إحساس أنني لم أتوضأ بالشكل الصحيح، أو أن وضوئي قد انتقض، كما يساورني شك في صلاح نيتي لصلاة الفريضة أو أني لم أكبر تكبيرة الإحرام جيدًا؛ مما يجعلني أقطع أو أعيد وضوئي أو صلاتي بشكل متكرر". فلو تأملنا حال مريم، لوجدنا أنها تعاني من اضطراب الوسواس القهري، الذي يؤثر بالغ الأثر على حياة الشخص، فيؤثر على طريقة تفكيرها وشعورها وسلوكها، وتتراوح الأعراض من حيث شدتها بين الخفة والحدة، وتشتد أحيانًا وتهدأ أحيانًا أخرى.

فعندما يسيطر القلق على شخصًا ما، فإنه يتحول من مجرد قلق إلى "وسوسة" وهذه الوسوسة ما هي إلا رغبات أو أفكارا أو تصورات غير مرغوب فيها، كأفكار وصور وسواسية وأفكار الذنب والتوتر والقلق، أو "أفعال قهرية" تسيطر على العقل مرارًا وتكرارًا، وبالرغم من أن مرضى الوسواس القهري يعرفون أن وساوسهم ما هي إلا تصورات لا تمت للواقع بصلة، إلا أنهم لا يستطيعون التخلص منها أو السيطرة عليها أو تجاهلها. ومن الأفكار الوسواسية الشائعة التي يقوم بها مرضى الوسواس القهري، هي: 

  • الاتساخ: الخوف من الاتساخ بالأتربة أو الجراثيم أو الإصابة بالأمراض المعدية.

  • الشك المتكرر: الخوف من إيقاف تشغيل الموقد، أو إصابة شخص ما في حادث سيارة، أو عدم غلق الأبواب ... ).

  • الهواجس الدينية: الخوف من اعتناق أفكار إلحادية، أو الاستغراق في التصورات والهواجس الدينية.

  • الهواجس العدوانية: الخوف من إيذاء النفس أو إيذاء الآخرين.

  • الترتيب والتنظيم: التركيز على الدقة والتنظيم.

وقد يجد معظم الأشخاص الذين يعانون من الوسواس القهري أن هناك نمطا في مشاعرهم وأفكارهم وأفعالهم، وأنهم يشعرون بالقلق أو الانزعاج من وجود الوسواس، ويشعرون بالراحة بمجرد القيام بالفعل القهري، ثم يتحول إلى حلقة مفرغة تقوي نفسها وتصبح أكثر قابلية أن تحدث مرة أخرى، فيعاني الشخص غالبًا بالشعور بالذنب ويعتقد أنه شخص سيء، فتنتابه هذه الأفكار، ثم يعطي الفرصة لهذه الأفكار بتوتره المبالغ فيه، أن تعود مرة أخرى لأنها تولد اهتماما سلبيا في ذهنه، ثم يصدقها نظرًا لكثرة تكرارها. وغالبًا ما يبدو النمط بهذا الشكل:






والحقيقة أنه ليس مرض عضال، بل معروف أن معظم الناس المصابون بالوسواس القهري يتشافون منه، وتعد الأدوية والعلاج المعرفي السلوكي (CBT) من أهم العلاجات التي على المرضى الالتزام بها. كما توجد العديد من النظريات النفسية التي حاولت تفسير نشأة اضطراب الوسواس القهري وتطورها، إلا أن النظرية السلوكية والمعرفية هما أكثر النظريات التي لاقت تأييد واسع في هذا المجال، فالنظرية السلوكية تقول إن الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الوسواس القهري يربطون أشياء أو مواقف معينة بالخوف، فمثلاً الشخص الذي يخاف من الإصابة بمرض معد نتيجة استعمال المراحيض العامة، سيتجنب استعمالها، وإذا اضطرت الظروف إلى استخدام مرحاض عام، فإنه سوف يجري مجموعة من الطقوس كتنظيف مقعد المرحاض، ومقابض أبواب الحمام، أو القيام بعملية تنظيف شاملة، وبما إن هذه السلوكيات ستخفف مشاعر الخوف مؤقتًا، فلن يبادر الشخص إلى مواجهة ذلك الخوف والتعامل معه، بل سيترسخ هذا السلوك في شخصيته، وقد ينتقل هذا الخوف إلى المغاسل وأماكن الاستحمام العامة أيضًا. 

أما النظرية المعرفية، فتهتم بكيفية وأسباب إساءة تفسير أولئك المرضى لأفكارهم، إذ يركز العلاج المعرفي على تخليص المصابين بالاضطراب من افتراضاتهم الخاطئة، وعلى تغيير أنماط تفكيرهم، كي يصبحوا قادرين على التخلص من الكآبة والحزن المرتبطين بتلك الهواجس والتوقف عن ممارسة السلوكيات القهرية.

وتشير الأبحاث إلى أن أنجح طريقة لمعالجة الوسواس القهري هي التعرض مع منع الاستجابة، وهذا يعني أنه يجب على الشخص الذي يعاني من هذا الاضطراب أن يعرض نفسه للأشياء أو المواقف التي يخشاها تدريجيًا، مع الامتناع في الوقت نفسه من القيام بسلوكيات قهرية معتادة، فهذا التعرض التدريجي في كل مرحلة يجعل الخوف لديه أقل من الأشياء التي كانت تزعجه، وسيتعلم فيها بأنه لن تحدث كارثة إذا أوقف سلوكه القهري.

همسة: عزيزي القارئ... سنقدم لك بعض الأساليب العلاجية المناسبة للتخلص من اضطراب الوسواس القهري في مقالنا القادم بإذن الله. فكن على الموعد معنا، إن شاء الله.

 

 

إرسال تعليق عن هذه المقالة