السنة 17 العدد 163
2023/01/01

الترجمة معرفة موسوعية ...

أحبَّ لسان عُمان، ويتقن 7 لغات، وله موقف في أحداث 11 سبتمبر!


 

 

إشراقة: شخصية العدد

 

الدكتور سيد بشير أحمد، من مواليد الجزء الهندي لكشمير، حصل على درجة الدكتوراة في اللغة العربية الحديثة من جامعة اللغات الأجنبية بحيدر آباد الهند في عام 1986م. وحصل على درجة الماجستير في اللغة العربية من جامعة كشمير في عام 1982م. وحصل على درجة البكالوريوس في اللغة الإنجليزية واللغة العربية واللغة الأردية وعلم الاقتصاد من جامعة كشمير في عام 1980م. تتلمذ في مرحلة الدكتوراة على يد الدكتور عبدالحليم الندوي، الذي يصفه بأنه أحد أبرز تلاميذ العلامة المفكر أبو الحسن الندوي.

 

بدأ الدكتور سيد بشير حياته العملية في سلطنة عُمان في مجال الترجمة والتدقيق في مكتب الشيخ سهيل بهوان، وقد مكث في هذا العمل مدة طويلة، ثم أصابه الملل في تلك البيئة التجارية، فقرر العدول إلى العمل الأكاديمي، وقد شاء قدر الله أن يقدّم أوراقه لجامعة نزوى في الفترة التي كان فيها الأستاذ الدكتور محمد إسماعيل عميدا لكلية العلوم والآداب، الذي رحّب به كثيرا وسيرته الذاتية المميزة التي تقع اهتماماتها في مجال: اللغة والأدب والترجمة والفكر الإسلامي والأخلاق والتعليم والعالم الإسلامي والعالم العربي وعُمان الحديثة والعلاقة بين المسلمين وغير المسلمين ... فكانت بداية مليئة بالقبول والتوفيق.

 

 

 

مصنفات مترجمة

يشغل الدكتور سيد تخصص الترجمة والترجمة الفورية بين اللغتين العربية والإنجليزية إضافة إلى اللغات الأخرى منذ 13 عاما في قسم اللغات الأجنبية بجامعة نزوى. وقد أعانه العمل في سلطنة عُمان على تكوين معارف علمية وثقافية، أهمهم -حسب قوله- قربه من الدكتور سعيد بن محمد الصقلاوي، رئيس الجمعية العمانية للكتاب والأدباء ونائب الأمين العام لاتحاد الكتّاب العرب، فقد دعاه إلى ترجمة مجموعته الشعرية، التي أصدرها في دواوين عدة، إلى اللغة الأوردية التي زحفت كثيرا إلى عمان والعالم العربي، بالإضافة إلى ترجمتها إلى اللغة الإنجليزية ولغات أخرى. أُعجب الدكتور سيد بالفكرة، بل ترجم تلك الدواوين وأخرجها في مجموعة شعرية اسمها "لآلئ عُمان". ثم ترجم بعد ذلك كتاب "مصلح على العرش" من اللغة الإنجليزية إلى اللغة الأردية، الذي يعد من أبرز المصنفات التي سعت إلى توثيق حقبة من تاريخ السلطنة والسلطان الراحل قابوس بن سعيد، طيب الله ثراه، وقد صدر هذا الكتاب في نسخته الأولى باللغة الروسية لمؤلفه الصحفي الروسي سيرجي بليخانوف، ثم ترجمه لاحقا إلى اللغتين الإنجليزية والعربية. وقد كانت كواليس هذا العمل أن سيد بشير كتب رسالة إلى المستشار الثقافي للسلطان قابوس آنذاك معالي عبدالعزيز الروّاس، يلتمس منه الموافقة على ترجمة هذا الكتاب -لأهميته- إلى اللغة الأوردية. وقد عاد معالي الروّاس بعد سنوات عدة يدعوه إلى ترجمة كتاب آخر عنوانه: "الدولة في الفكر الإباضي"، وهو كتاب سياسي فقهي في تاريخ عُمان، وقد كان، ثم نُشر في معرض مسقط الدولي للكاتب في نسخته الأخيرة.

 

تجربة بحثية

تقع اللغة العربية في مراتب الاهتمامات القصوى في نظر الدارسين والباحثين في دول الهند وباكستان وماليزيا؛ كونها لغة القرآن الكريم ودين الإسلام الحنيف. وقد كان الدكتور سيد بشير مهتما بدراسة مساقات اللغة العربية في مختلف فنونها الأدبية واللغوية في المرحلة الثانوية؛ وهذا الذي دفعه لدراسة تخصص اللغة والأدب في درجتي البكالوريوس والماجستير؛ لذا درس الدكتوراة في الأدب العربي الإسلامي في إحدى الجامعات الهندية المتميزة، وهي جامعة اللغات الأجنبية بحيدر آباد – الهند، وقد كان موضوع البحث: السيد قطب أديبا، وبإشراف أستاذه الدكتور عبدالحليم الندوي، الذي اهتم كثيرا بكتب سيد قطب، مثل كتابه المشهور: "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين"، وقد تكللت هذه التجربة البحثية بالنجاح ولله الحمد.

 

يرى سيد بشير أن كثيرا من الناس في الغرب ينجذب فضولهم إلى الدين والإسلام ولغة القرآن، بغرض الاطلاع وإشباع ذلك الفضول. إذ يصف تجربته في أنه عندما ذهب إلى الجامعة للدراسة كان يريد البحث في تراث الأديب لطفي المنفلوطي، لكن وجد الدكتور عبدالحليم الندوي الذي أطلق فيه شرارة الاهتمام في أدب السيد قطب. ولعل أبرز ملمحٍ قد نسوقه في هذا المقام من بحث الدكتوراة سيد بشير، أنه وجد سيد قطب أديبا في كون أصله أديبا؛ لأنه شاعر وناقد صدرت له دواوين عدة، وقد اعترف له نجيب محفوظ، الحائز على جائزة نوبل في الأدب، بالفضل في أنّ ظهوره على الساحة الأدبية يعود إلى سيد قطب الذي كان ينقد كتبه. وقد كان قطب كذلك مطّلعا على الثقافات الغربية التي زارها، كما أنه نقدها في صولاته وجولاته في تلك المعارك الأدبية التي كتب مقالات كثيرة فيها.

 

 

مزيج الثقافات

إنّ العمل في مجال الترجمة يحتاج إلى معرفة موسوعية في ثقافات الآخرين؛ كي يكوّن المترجم مخزونه اللغوي القادر على نقل النص المترجَم حيّا إلى لغة أخرى. بل كلما اتسعت ثقافة المترجم تلذّذ بها ليثري شخصيته ويفيد ويستفيد خاصة في مجال التعليم، وقد دفع مزيج الثقافات الذي تشبّع به الدكتور سيد، رغم قوله: لن أزكي نفسي، أظلَّ طالب علم "وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً"، لكن ثقافته الأعجمية وتعلّمه للغة العربية وعلوم القرآن، وإتقانه لغات عدة: الكشميرية والأوردية والهندية والبنجابية والفارسية والإنجليزية، هذه الخلطة اللغوية دفعته ليكون مهيأً بقوة للاشتغال في الترجمة "اعملوا فكل ميّسر لما خلق له"، هذا سرّ تفوقه في فن الترجمة ... وبذله جهدا كبيرا في العمل الأكاديمي، وإفادته أجيالاً كثيرة في جامعة نزوى وغيرهم.

 

يقول الدكتور سيد: "نجد كثيرا من طلبة العلم في تخصص الترجمة مجيدين ومجتهدين؛ لذا نسعى إلى إفادتهم وتوجيههم وتقديم جرعات إضافية إليهم، خصوصا في المجال البحثي؛ وذلك بالتركيز على محتوى موضوع الترجمة، وقد تحدثت مع طلبتي في أهمية فهم المعاني المتعددة للسياقات النصية لإخراج عمل إبداعي، وقد كانت لي تجربة مع طالبة متميزة تناقشنا في موضوع المعاني المتعددة التي يحملها الحرف (واو) في اللغة العربية، فالمترجم يسعى إلى إفهام نصه من اللغتين العربية والإنجليزية؛ وهو ما قد يستدعي كثيرا إتقان اللغة العربية؛ لذلك ننبههم كثيرا إلى أهمية المعرفة الموسوعية، وضرورة استيعاب الفكرة، وإتقان ثقافة النص ثم إدخال ذلك في قالب اللغة".

 

فضلُ عُمان

لقد أسهمت البيئة في عُمان في إثراء اللغة العربية لدى الدكتور سيد كون أن هذه اللغة الأم للمجتمع العماني، إلا أن هذا السياق له جانبان اثنان لدى الدكتور، واحد إيجابي وجده في طلاقة الحديث العربي للمجتمع، الذي أسهم في انطلاق لسانه بلغة الضاد؛ إذ إن المجتمعات غير العربية التي عاش فيها تتكلم اللغة العربية، لكن يشكل عليهم النطق إذ تجدهم يتعتعون في الكلام. أما الجانب الآخر السلبي، فقد تمثل في تأثره باللهجات المحلية الدارجة، بعدما كان يتكلم الفصحى من العربية. إلا أن قوة اللغة العربية في هذا المجتمع دفعته للمجيء إلى عُمان للعيش في هذه البيئة؛ ولكن بسبب الظروف الأمنية والمجتمعية في كشمير اضطر للبقاء أطول فترة ممكنة، بل ارتفع منسوب شغفه بالعربية في عُمان بتوجهه للدراسة بين أيدي علمائها، أبرزهم الشيخ أحمد بن الخليلي، مفتي عام السلطنة، فقد حضر دروسه في جامع السلطان قابوس الأكبر في روي. وفي ذات السياق، اتجه للاستفادة اللغوية والثقافية من الأعمال التلفزيونية المقدمة في التلفزيون العربي، مثل الأفلام المصرية التي جسدت ملاحم الكثير من الأدباء والمفكرين العرب.

 

مرجعيات تأسيسية

يعدد الدكتور سيد بشير أبرز علماء اللغة والأدب الذين تتلمذ على يديهم في مرحلة الدراسات العليا، أبرزهم الدكتور عبدالحليم الندوي، والدكتور نور الدين الأعزوي، الذي يحمل الدكتوراة من الأزهر الشريف، والدكتورة عصمت مهدي، التي ترجع أصولها إلى الهند لكنها درست في بغداد. كما أنّ هناك مؤلفات استوقفت منهجه البحثي، إذ يروي لنا أن في كشمير لديهم شخصية محبوبة جدا هو الشاعر محمد إقبال، الذي يحفظ من شعره الكثير، وينجذب كثيرا كذلك إلى شاعر آخر هو أسد الله غالب، الذي تضعه ثقافتهم الأدبية الشعرية في مرتبة أبي الطيّب المتنبي في العربية، كذلك تراث الأديب مصطفى لطفي المنفلوطي، وكتب الشيخ الندوي، وكتب المفكر السيد قطب، والمجموعة التاريخية للأديب أحمد أمين. وعندما جاء عُمان قرأ كتبا في التاريخ والثقافة العمانية، ويذكر موقفا أنه كثيرا ما يذهب إلى ضريح الصاحبي الجليل مازن بن غضوبة في ولاية سمائل، إذ يستحضر فيه تاريخ ذلك الرعيل من الصالحين وقيمهم العليا. 

 

 

 

موسوعي

إن تعدد نظريات الترجمة قد تطلب من المترجم العمل على الترجمة الحرفية أحيانا، وفي أحيانٍ أخرى ترجمة النص روحيا بتصرف؛ وذلك الذي يؤكد عليه الدكتور سيد ويشير إليهم كون أن لكل مقام مقال في حقل الترجمة؛ وهذا بحسب سياق النص سواء أكان تجاريا أم قانونيا أم فنيا أم لغويا ... وقد يعمد المترجم إلى تعزيز النص بأسلوب لغوي لإيضاح المعنى، وإذا كان النص فكريا أو دينيا يجب على المترجم أخذ الحيطة والحذر حتى لا يتصرف في المعاني لما يوقعه في المحظور. 

 

وقد ترجم الدكتور سيد بشير قصائد متنوعة في الأدب والقضايا العربية المعاصرة للشاعر الصقلاوي، أبرزها: قضية النضال الفلسطيني. كذلك بعض كتب تاريخ عُمان وسلطانها الراحل. كما أنّه ترجم كتاب الشيخ يوسف القرضاوي: "مدخل لمعرفة الإسلام"؛ بالتعاون مع ناشر ماليزي، إذ اشتغل عليه إبّان هجمات 11 سبتمبر التي دفعت الكثيرين في المجتمعات الغربية -فضولا- للتعرّف على الإسلام ... وبسبب الطلب الكبير على الكتاب استئذن المؤلف الشيخ القرضاوي، فترجمه إلى اللغة الإنجليزية، فوجد الكتاب ضالته على نطاق واسع جدا. كذلك ترجم كتابا للمفكر الإسلامي محمد قطب، عنوانه: "حول تطبيق الشريعة"، وكتابا للدكتور علي محيي الدين القره داغي، الذي أسلم ويدرّس في قطر الآن ويستقر فيها، عنوانه: "نحن والآخر"، يناقش العلاقة بين المسلمين وغيرهم وكيف يمكن أن تكون كما يريدها الدين الإسلامي الحنيف في التآلف والإخاء.

 

في حين، لكل مشتغل في القضايا البحثية والدراسات الأكاديمية طقوس تعينه على أداء جهوده، غير أن الدكتور سيد يواصل الليل بالنهار بين العمل والراحة، كذلك تارة يشتغل في الجامعة حتى ساعات متأخرة، وتارة أخرى يفضل العمل في مكتبه في البيت، إلّا أنه لا يميل إلى السهر للاستيقاظ باكرا واستثمار ساعات النهار الأولى، فالعمل في حقل الترجمة يتطلب أدوات نفسية تدفعه إلى التميّز إذا ما توفّرت. كما أنّ حب القراءة والاطلاع لديه قاده إلى زيارة معارض الكتاب والمكتبات الثقافية والعلمية في عُمان وخارجها؛ سواء أكان للاطلاع أم الاقتناء ... فمكتبته تزخر بما يزيد على 500 كتاب في مختلف صنوف العلم، أبرزها: مجموعات روائية عربية وإنجليزية – وكتب التراث العماني – وكتب في التاريخ الإسلامي – وكتب في التفاسير  – وكتب في صنف الأدب العربي – وكتب في الترجمة – ومجموعة أخرى ترغّبه للقراءة في مختلف العلوم، فالمعرفة في الترجمة يجب أن تكون موسوعية لديه، أبسطها تعرف شيئا عن كل شيء. إلّا أن طغيان الشبكة المعلوماتية في العقدين الأخيرين، وانتشار الكتب والمصنفات بصيغ رقمية وإمكانية اقتنائها أتاح له استثمار هذه الخاصيّة.

إرسال تعليق عن هذه المقالة