اللغة العربية عالمية كل يوم ... وتحديات الساحة الأدبية العمانية في أقسام اللغة العربية
الحديدي: ربط اليوم العالمي للعربية بشخصية أدبية يقرّب الجيل من الفصيح
الزبيدي: قسم اللغة العربية في تواصل دائم مع المبدعين العمانيين
السليماني: هناك أدباء لم يظهر إنتاجهم للباحثين ... هذه مسؤولية الجامعات!
الصقري: نشجّع الباحثين على الدراسات النقدية المعمّقة للأدب العماني
خالد علي: الإبداع العُماني أحد مهمّات الأقسام العلميّة والإنسانيّة
إشراقة: استطلاع رأي
أعدّه: محمد بن علي الإسماعيلي
مكانة الفخر في الأدب العربي كبيرة جدا، تجده متأصلا برباط وثيق بحياة المجتمع، يناقش قضاياه ويصف ما كانت عليه طبيعة حياته في جوانبها السياسية والاجتماعية والفكرية والنفسية، إذ يميل كثيرا إلى التغني بالفضائل والمكارم وتوثيقها في صفحات التاريخ. وإذا كانت أغراض الفخر والثناء كثيرة، ففي الجانب المقابل نجد العديد من علماء البلاغة والنقد والأدب احتضنوا هذا الفن وصنّفوه في مراجعهم ومؤلفاتهم، التي تُدرّس في أرقى الجامعات ودور العلم في العالم.
ولم يكن لجامعة نزوى أن تبرع في الفخر بعلمائها لو لم تجد مادة وفيرة من تاريخ أدباء المجتمع العماني، بل أعانها ذلك ليكون لها قدم السبق في تمثيل المساحة الأدبية العمانية الأوسع في استدعاء معانٍ وصورٍ نقديّة لشخصيات مرموقة تتناول علوم اللغة العربية، وآدابها، وفنونها، ومعاجمها وتراثها؛ لتحتفي بهم سنويا تزامنا مع الاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية أو في مآرب أخرى.
جيلٌ فصيح
وقد اتجهت "إشراقة" لاستقصاء آراء أستاذة قسم اللغة العربية بالجامعة في موضوع أبرز المكاسب التي تحققها جامعة نزوى عند احتفائها بشخصيات أدبية عمانية، تحديدا في برنامج احتفال القسم بيوم اللغة العربية العالمي كل عام، يقول الدكتور مسعود بن سعيد الحديدي، رئيس القسم: "ربط اليوم العالمي للغة العربية بشخصية أدبية فيه إشارة إلى ضرورة ربط أبناء الجيل بلغتهم الفصيحة؛ لأن الشخصية الأدبية شخصية إبداعية والنص المنتج هو نص مثالي صاحبه التزم فيه بأعلى معايير اللغة، فيقترب أبناء هذا الجيل من النص الفصيح؛ لذا فإن الأديب التزم مسؤولية كبيرة اتجاه اللغة واتجاه جيله".
ويضيف "ثم هي فرصة لتكريم المبدعين والتعريف بهم تشجيعا للإبداع الأدبي، وهذا التشجيع يحث أبناء اللغة للرجوع إلى لغتهم الفصحى والاهتمام بها، فيبدأ الدارسون والباحثون بشحذ أقلامهم للكتابة؛ وذلك بتسليط الضوء على النص الأدبي الذي أنتجته الشخصية المحتفى بها". ويختم الحديدي حديثه: "وبهذا سيصبح قسم اللغة العربية أيقونة للباحثين وللوسط الثقافي، تقودهم إلى الاطلاع على ما كتبه الباحثون في مثل هذه الندوات، لا سيما إذا ما نشر هذا النتاج العلمي".
هوية عميقة
ويبلغ الاهتمام بالأدب مبلغه عند التفاعل مع رموز وشخصيات أثّرت في المجتمع بما أظهره من تعاطٍ مع النصّ وأدواته التي استهوت النفوس؛ لذا تجد البيئة الجامعية غالبا ظالّتها في هذا النسق تعزيزا لرؤيتها، يقول الدكتور عبد المجيد بنجلالي، أستاذ النقد الأدبي: "استدعاء الشخصيات مقرونًا بالاحتفاء باليوم العالمي سنّةٌ دَأَبَ عليها قسم اللغة العربية، ومن أبعادِها إخفاءُ قيمةٍ مُضافة على هذه المناسبة العالمية الكامنة في اللغة العربية. كما أنّ استدعاء الشخصيات يعمق الهوية اللغوية للشعب العربي بسلطنة عمان، ويربط هذه الأجيال من الطلاب والطالبات بقيمة المحتفى بهم وبقيمة اللغة العربية في توحيد الأمة والاعتزاز بالهوية وتقدير هؤلاء المحتفى بهم ممن خدموا هذه اللغة بآدابهم ومؤلفاتهم في سلطنة عمان".
ويشاطره الرأي الأستاذ الدكتور سعيد جاسم الزبيدي، أستاذ اللغة والنحو والصرف، بقوله: "يسعى قسم اللغة العربية إلى التواصل الدائم مع المبدعين العمانيين، فمهمته إبراز نتاجهم والتعريف بهم ومدّ جسور الصلة مع كل من يتعامل مع العربية؛ فضلا عن كونه من حماة الحرف من التلوث وصيانته. كما أن الاحتفال بيوم العربية العالمي يجسد رسالة القسم الأولى والوفاء لها، وإعادة التذكير بكونها بلغت أوج الإعجاز بالقرآن الكريم". ويضيف "إن هذا الاحتفال يأتي هذا العام بحلة جديدة تمثل توجه جامعة نزوى في إحياء هذه المناسبة بما يليق بالعربية تراثا وحضارة؛ استشرافا لغد أفضل".
مكسبٌ متحقق
لعل أزمة الانتماء إلى الهوية الوطنية ثيمة أدبية تمتاز بضعف الاطلاع أو الوصول إلى التراث الأدبي المطروق وغير مطروق في الأدب العربي شعرا ونثرا؛ لذا اجتهدت جامعة نزوى ممثلة في قسم اللغة العربية للاعتناء بهذا الحقل؛ نظرا لارتباطه بالمشهد الثقافي والسياسي والاجتماعي والتاريخي لهذه الوطن العريق. وعند حديثنا عن بواكير هذا الموضوع، تناقشنا مع الدكتور عيسى بن سعيد الحوقاني، أستاذ الفلسفة في اللغة العربية وآدابها، إذ يقول: "في نظري تحقق اهتمام قسم اللغة العربية بتلك الشخصيات الأدبية العمانية وإبداعاتها في الآتي: الإسهام في انتشار الأديب العماني وإبرازه في الساحة الأكاديمية، وتحفييز الباحثين على إنجاز بحوث علمية رصينة في الأدب العماني، وتعريف طلبة الجامعة بشخصيات أدبية عمانية، ودراسة دور اللغة في النص الأدبي".
إنّ الاهتمام الموسوعي باللغة العربية وآدابها الثرية، أعطى الجامعة حيّزا فسيحا وتوسّعا هائلا للاندماج مع شتى الخطابات والأشكال الفنية والسردية اللغوية والأدبية لرواد هذا الحقل. وقد ركّز الأستاذ الدكتور عيسى بن محمد السليماني، أستاذ النقد الأدب الحديث، كثيرا على اهمية التنويع والتلوين الشكلي في مضامين الأدب وقادته كل عام؛ ويتضح ذلك في قوله: "يوم اللغة العربية يوم نحفر فيه ذكريات الماضي ونسجّل الآفاق المستقبلية، وكون قسم اللغة العربية بكلية العلوم والآداب يحتفي بشخصيات عمانية لها دور بارز للارتقاء باللغة العربية من شتى جوانبها، هذا يعد سابقة تميّز بها القسم، فالاحتفاء لم يكن مجرد شعارات، بل ورشا تطرح فيها آراء الباحثين، وندوات تسجل فيها أعمال علمية؛ إثراء للمعرفة. وما نرجوه من القسم في مستقبل الأيام، حسن الاختيار للشخصيات المحتفى بها، وليس شرطا أن تكون على قيد الحياة، فهناك شخصيات خدمت اللغة العربية بكل ما أوتيت من إمكانات، لكن لم يظهر إنتاجها أمام الباحثين والقراء، فعسى أن تنال اهتماما ويحتفى بها في قابل الأيام".
دور ريادي
لن نتطرق للحديث في استراتيجيات استدعاء الشخصيات، أو المفارقات العلمية الحاصلة بين شخصية وأخرى عند الاستدعاء والاحتفاء بها في كل عام، لكن التنوّع الثقافي البشري النوعي المتحقق يذكي الوعي بتاريخ اللغة العربية، ويزكي ثقافتها وتطوّرها. الأستاذ الدكتور فليح مضحي السامرائي، أستاذ اللغة العربية وآدابها، يقول في ذلك: "إن أبرز المكاسب التي يحققها قسم اللغة العربية في جامعة نزوى عند استضافته شخصيات أدبية عمانية كل عام احتفاًء بيوم اللغة العربية العالمي، يكمن أبرزها في الآتي: أولا إظهار أهمية اللغة العربية ونشر سياسة الوعي بها من طريق اهتمام الشخصيات العُمانية الرائدة في مجال اللغة العربية. ثانيا تسليط الضوء على الشخصيات الأدبية العُمانية المهمة التي أسهمت في المحافظة على اللغة العربية، وإظهار الدور الوطني والقومي لهذه الشخصيات. ثالثًا لفت أنظار الطلبة وتبصيرهم لدراسة الشخصيات العُمانية الأدبية المهمة على مستوى السلطنة. رابعا أن تأخذ الجامعة دورها الريادي في تفعيل رسالتها في خدمة المجتمع. خامسا نشر الآراء والأفكار التي تلاقحت وتفاعلت في الندوة؛ للانتفاع بها من الآخرين، خاصة طلبة العلم داخل سلطنة عُمان وخارجها".
عائد متوقع!
فيما كانت للدكتور بدر بن هلال اليحمدي، أستاذ الأدب والنقد، وقفات عدة مع هذا الموضوع، نجدها في قوله: "ما يقوم به قسم اللغة العربية كل عام من احتفاء بإحدى الشخصيات الأدبية أو اللغوية العمانية في اليوم العالمي للغة العربية، إنما هو من باب التقدير للإبداع الأدبي العماني والاهتمام بالإنتاج اللغوي أو النقدي الذي قدمه أولئك الأدباء، وفي الوقت نفسه تكريمٌ لهذه الشخصيات على عطائها الكبير، كما أن هذه الندوات تلفت نظر الأساتذة والباحثين إلى هذا العطاء لتجري عليه الدراسات الأدبية والنقدية التي تواكب المستجدات العلمية في هذا الجانب، فتبرزه بثوبه العلمي الجديد ليتسنى لكل باحث داخل سلطنة عمان وخارجها الاطلاع عليه وفق الرؤى الحديثة".
ويكمل: "يضاف إلى ذلك أن هذه الندوات تفتح الباب لطلبة الدراسات العليا كي يطبقوا النظريات الأدبية والنقدية واللسانية على هذا الإنتاج، فما زال هناك الكثير من الدواوين الشعرية العمانية والمدونة اللغوية التي كتبها العلماء العمانيون أرضا بكرا لم تقع عليها أعين الباحثين ولم تتناولها أقلامهم بالبحث والدراسة؛ لذا فإن مثل هذا الاحتفاء يفتح الآفاق الواسعة للبحث والدراسة والتعريف بهذا الإنتاج الإبداعي". ويختم اليحمدي حديثه: "كم هي المكتبات متشوقة إلى ملء رفوفها بالدراسات الأدبية العمانية لتسد الثغرات الواسعة التي تنتظر من يملؤها علما نقديا وفكرا أدبيا يعود على وطننا العماني خاصة ووطنا العربي عامة بعائد ثقافي قيم يظل معينا للأجيال القادمة".
تقدير الأدب العماني
تؤكد ثقافة قسم اللغة العربية عند إقامتها لهذه الفعاليات على أهمية تمكين الهوية والوطنية وإحياء تراثها وتجديده؛ وذلك بأدوات المنهج النقدي وأساليبه النحوية والبلاغية، وهو ما يحقق الكثير من الامتيازات للقسم بشكل خاص وجامعة نزوى والمجتمع عموما ... حتى على مستوى النطاق الخارجي. الدكتور محمود بن ناصر الصقري، أستاذ الأدب العربي القديم، يقول: "هناك الكثير من المكاسب التي يحققها قسم العربية بجامعة نزوى، لعل من أبرزها تكريم تلك الشخصيات الأدبية والاحتفاء بها أمام المجتمع؛ نظير جهودها وما قدمته في خدمة اللغة العربية والأدب العربي. كذلك تعريف الناس بالجوانب المضيئة لهذه الشخصيات، والدور الذي تقوم به في خدمة اللغة العربية. بالإضافة إلى تشجيع الدارسين والباحثين والمهتمين بالدراسات النقدية وغيرها في ضرورة الاهتمام بالأعمال والكتابات التي تقدمها هذه الشخصيات، وعمل دراسات معمقة في نتاجاتهم الفكرية". ويضيف عليه الدكتور سالم بن علي البوسعيدي: "يسعى قسم اللغة العربية باستضافة شخصيات أدبية إلى تحقيق عدد من الأهداف، أهمها: إبراز تلك الشخصية وبيان مكانتها في الساحة الأدبية والشعرية لطلبة الجامعة، وتكريم تلك الشخصية وتقدير إسهامها الأدبي على أرض الوطن، وتقديم دراسات علمية رصينة من أساتذة مختصين في نتاج تلك الشخصية إثراء للجانب العلمي لطلبة الجامعة، ودعم رؤية الجامعة ومساندتها لتحقيق أهدافها في خدمة الوطن وإنشاء جيل يعتز بموروثه ويدرك مكانة آبائه وأجداده، وإثراء الجانب العلمي لمساقات القسم الأدبية والنقدية، إذ في القسم عدد من المساقات في الأدب العماني ونقده، وتوسيع آفاق طلبة الدراسات العليا في البحث والنقد عبر الأوراق العلمية المقدمة".
وفي رأيه تجاه أبرز المكاسب التي سعى القسم إلى بيانها والاشتغال عليها وأهمها، يقول الأستاذ خالد علي إبراهيم، محاضر في قسم اللغة العربية: "لا شك أنّ إبراز الإبداع العُماني أحد مهمّات الأقسام العلميّة والإنسانيّة؛ وهذا ما رأيته في قسم اللغة العربية، إذ يعمل على إظهار الإبداع العُماني نثرًا وشعرًا ولغةً ودراسةً؛ والدليل على هذا النتاج الدراسي والبحثي الذي اشتغل عليه القسم منذ تأسيسه ليومنا هذا، إذ اشتغل بالكتاب العُماني والشخوص المبدعة، حتى أنّه فتح مسارات متعددة المجالات للباحثين في اقتناء عنوانات بحثية تخدم الأدب واللغة؛ وتكشف عن جمالياته الخطابية والسردية والبيانية، والمطلع على نتاج القسم البحثي من رسائل ماجستير المطبوع وغير مطبوع يعرف هذا".