السنة 18 العدد 163
2023/01/01

الفارس الأول في قصيدة جامعة نزوى ...

موهبة وطنية انصهرت في جمال القافية ومُفيد الأدب


 

 

إشراقة: موهبة العدد

 

في شهر ديسمبر من كل عام نحتفل باليوم العالمي للغة العربية، لا للاحتفاء بماضي لغتنا التليد وتاريخها الخالد وتراثها الأصيل فحسب؛ بل نستشرف مستقبلها الواعد، ونعزز مكانتها في يومياتنا وثقافتنا في الحل والترحال، ورؤى أجيالنا القادمة التي ستنهض بهذه الأمة.

وفي صدد احتفاء صحيفة (إشراقة) في عددها هذا الـ 163 باللغة العربية تزامنا مع يومها العالمي 18 ديسمبر من كل عام، كان لا بد من تخصيص صفحة "موهبة العدد"، لشخصية عُمانية طموحة سعت منذ نعومة أظفارها إلى تأسيس تجربة نوعية في تعزيز الثقافة العربية، وحضورها في مختلف المحافل الأدبية والمجتمعية وسجلاتهما؛ لتصنع لها إرثًا يستفيد منه الأبناء. هذه الشخصية تشتغل على تقديم الأفضل برؤية تبصر بقبس نور القرآن، إذ له تجربة شعرية مميزة، بصم بها في مختلف دور العلم والعمل.

إنّه الأستاذ الشاعر جمال بن خلفان بن علي الرواحي، يبلغ عمره منتصف الأربعينيات، ترعرع ونشأ وتكوّن فكريًا وعلميًا في قرية سيماء بولاية إزكي، فكانت دراسته الأولى فيها، ثم ما لبث أن أكمل تعليمه في محافظة مسقط، حتى عاد إلى ولاية إزكي التي أنهى المرحلة الثانوية فيها، بعدها آثر الالتحاق بقطاع العمل، ومنه أكمل دراسته الجامعية في جمهورية مصر العربية، ثم نال درجة الماجستير في رحاب جامعة نزوى من قسم اللغة العربية، يقول: "وتحدوني الرغبة الأكيدة في استكمال مسيرتي التعليمية بنيل درجة الدكتوراة بعون الله تعالى".



 

 

لمن الفضل؟!

لم تكن صدفة أن تكون هذه الموهبة مهدًا للعطاء والإبداع في مجال الشعر العربي، إذ إنّه ترعرعت في بيئة خصبة غرست بخيراتها شتلات الطفولة، يقول الرواحي متحدثًا عن أجلّ العوامل المؤثرة في موهبته: "حباني الله بجدّة فتح الله عليها أبواب العلم، فعشت تحت كنفها، وكنت ربيب يديها؛ ناهلًا العلم والأدب، ومحبًا للاطلاع والمعرفة، فحفظت -بفضل الله- على يديها أجزاء يسيرة من القرآن الكريم، وقرأت عشرات الكتب في شتى صنوف العلم، فعليها شآبيب الرحمة وسحائب المغفرة؛ فضلًا عما لبيئة قريتي الوادعة من أثر في تحفيزي على التأمل والتدبر في آيات الله؛ ما أتاح لي كسب المهارة والملكة في كتابة الشعر والنثر على حد سواء في سن باكرة، وتحديدًا في الخامسة عشر من عمري، وذلك في بداية التسعينيات من القرن الماضي".

 

نعم نشعر بالفخر ونحن نرى الأدب العماني يسمو ويرتفع في سماء العلم، إذ بذلك يضع المجتمع العماني قدما في التراث الأدبي العالمي، وقدما أخرى تجلب النور والخير والازدهار في أنحاء بلادنا في شتى مناحي الحياة العلمية والاجتماعية والاقتصادية؛ لما يمثله من رواج للثقافة والشخصيات الوطنية، والعادات والتقاليد الأصيلة. ولطالما كانت البيئة العمانية مثارا لتكوين الأجيال في الشعر واللغة وآدابها، فكما قيل: "خلف كل صخرة عمانية شاعر"، يقول جمال: "كما ذكرت في مستهل حديثي، البيت الذي تربيت فيه والبيئة التي عشت فيها كان لهما الدور الأكبر في إلهامي كتابة الشعر، ولا أنسَ دور المعلمين الأفاضل الذين حظيت بالتعلم على يديهم وأخذهم بيدي نحو الاطلاع؛ إلى جانب تأثري بالكتب التي قرأتها؛ وذلك كله كان باعثًا لي على الانطلاق إلى عالم المعرفة وفضاء الكتابة، وإن ما جذبني لكتابة الشعر تحديدًا هو ميلي لذلك، وانصهاري في جمال الشعر وفنونه ومضامينه".

 

الموهبة + البيئة

لا مبالغة ولا إطراء إنْ قلنا إنّ القصيدة العمانية تعد مرجعا في الفقه والأدب، فعبقرية الشاعر العماني وما طرحه من أفكار وناقشه من قضايا جلعه يقدّم قافية هائلة بمعانيها وبيانها؛ لذا كانت مرجعا للدرس الأدبي لمن جاء بعده، بل تفوَّق في صناعة أثر كبير متعدٍّ في عقول وقلوب المشتغلين على الشعر العربي، وهذا حافز كبير لكل من اقتفى هذا الأثر. وقد أكد الرواحي على دور مجتمعنا في صقل وتعزيز ورعاية المواهب الشابة في مجال الشعر العربي بشتى أنواعه، إذ يقول: "على المرء -قبل كل شيء- أن يؤمن بقدراته وملكته، فيحرص على صقلها وتطويرها بالقراءة والاطلاع على تجارب الآخرين، واستشارة أو عرض أعماله على من يعينه على ذلك، وهي عوامل ينبغي لمن يسعى في صقل موهبته أن يأخذ بها، ثم يأتي دور المؤسسات التعليمية والثقافية والمجتمع والإعلام لتكون بيئة محفزة للمواهب، وعلى الموهوب نفسه ألا يقف مكتوف اليدين، فيفتح لنفسه أفق الاطلاع والاحتكاك بالآخرين ومتابعة ما هو مفيد في مجال الأدب".

 

 

 

فارسها الأول

إن المطالع في سيرة الشاعر جمال الرواحي الذاتية، يجد لموهبته حضورًا مميزًا في المحافل الوطنية، وقد أطلعَنا على بعض كواليسها وإقبال المجتمع على ذلك، يقول: "لقد كان عام ٢٠٠٠م منطلقًا لي في المشاركة الوطنية؛ وذلك بمشاركتي في مهرجان الشعر العماني الثاني، ثم تتابعت مشاركاتي في المهرجان نفسه، وفي مسابقة منتدى الأدبي ومسابقة قوات السلطان المسلحة ومسابقات أخرى، وحظيت في هذه المشاركات بالحصول على مراكز متقدمة بفضل الله؛ كما شاركت في مسابقة (فارس القصيد) الأولى بجامعة نزوى، وكنت فارسها الأول؛ ولي مشاركات في مناسبات كثيرة على المستوى المجتمعي، فكتبت أوبريت احتفاء جامعة نزوى بالعيد الوطني الخامس والأربعين المجيد، وأوبريت الاحتفال بيوم المتقاعدين بوزارة الدفاع؛ فضلا عن إعدادي وكتابتي الكثير من الفقرات التقديمية والنصوص الشعرية والمسرحية في مؤسسات مختلفة على مستوى الولايات؛ إلى جانب مشاركاتي الإعلامية، وقد حظيت في هذه المشاركات بالنجاح والثناء والقبول بفضل الله وتوفيقه".

 

 

 

محطات مهمة

صناعة الموهبة مشروع إبداعي يسعى إليه الفرد الذي يمتاز عن غيره بأدوات ومهارات، هذه الصناعة تمرّ على محطات مختلفة في مسيرة قطار حياة المرء، بكل تأكيد لا تخلُ من عقبات وتحديات وانكسارات، إلا أن لذَّتها تكمن في الفائدة المرجوّة منها، كما قال الشاعر: "ولابُدَّ دون الشهْد من إبَرِ النحْلِ". لننظر فيما قاله ضيفنا متحدثا عن أبرز المحطات التي طوّرت من مواهبه في الشعر واللغة: "بيئة القرية التي ترعرعت فيها، ثم إدماني القراءة وشغفي بالاطلاع على العلوم والثقافات المختلفة؛ هذا إلى جانب مشاركاتي الإعلامية والصحفية، وانخراطي في إعداد وتقديم الدورات التدريبية معدًا ومحاضرًا، وفي المراجعة والتدقيق اللغوي للبحوث والرسائل الجامعية، فضلًا عن إعدادي وتقديمي برنامجًا يعنى بتصويب الأخطاء اللغوية الشائعة في إذاعة الصمود التابعة لرئاسة أركان قوات السلطان المسلحة بوزارة الدفاع، وهي محطة مهمة في حياتي الثقافية، إذ ما يزال البرنامج مستمرًا في البث منذ سنتين ولله الحمد".

 

 

 

 

قيمة وقامة

لعلاقة أبعاد البيئة الجامعية في مستوياتها الدراسية والاجتماعية والسلوكية، دور حاسم في بناء شخصية الطلبة؛ لما تملكه من تأثير في قيمه ومكتسباته العلمية والإبداعية، يقول الرواحي عن جامعة نزوى: "لقد كان لي الشرف العظيم في أن أكون أحد طلبة هذه الجامعة الموقرة، وأحد كوادرها، فقد أتاحت لي الاندماج في بيئتها ومع أبنائها، فشاركت في مسابقاتها وفعالياتها ومناشطها المختلفة، وكفاني فخرًا أن تتلمذت على يد الأستاذ الدكتور سعيد جاسم الزبيدي، القامة الأدبية اللغوية النقدية الكبيرة، الذي كان وما يزال يغدق عليَّ برعايته وعنايته دعمًا وتشجيعًا لي في بذل العطاء، وله الفضل مشكورًا في كثير مما حققت من أهداف علمية وأدبية، ولن أنسَ نصيحته الكريمة لمريدي العلم: "القراءة ثم القراءة ثم القراءة"، وآثاره ومآثره لا تخفى، فجزاه الله عني خير الجزاء، وشكرًا وتقديرًا لجامعة نزوى إدارة وأعضاء وطلبة وموظفين".

وفي معظم أطوار لقائنا معه، يؤكد الرواحي على أنه ماضٍ يتبع حلمه أينما حلّ وارتحل، فأعماله السابقة تدفعه نحو المزيد، يقول: "لي إصداران أدبيان هما كتاب (لآلئ القطرات) وهي دراسة في ألفاظ الماء وما اتصل بها في القرآن الكريم، وكتاب توثيقي بعنوان (دار الخليل بن أحمد الفراهيدي... من لحظة الانطلاق حتى الإغلاق)، وهي دار أدبية كانت تُعنى بتنمية وصقل المواهب في شتى المجالات الأدبية، وصاحبها هو الشيخ الأديب عبدالله بن أحمد الحارثي، ولي مجموعة نصوص شعرية تراخيت عن جمعها في ديوان شعر، فعسى أن يرى النور قريبا".

 

 

 

إرسال تعليق عن هذه المقالة