البناء الفني في رسائل الشيخ الخليلي
محمد بن علي الإسماعيلي
وقتما يحين موعد الاحتفاء باللغة العربية في يومها العالمي، الذي يصادف 18 ديسمبر من كل عام؛ كونها تعد -كما صرّحت به منظمة اليونسكو- ركنًا من أركان التنوّع الثقافي للبشرية وواحدة من أكثر اللغات انتشارًا في العالم، يرجع الكثير من الدارسين والباحثين إلى التراث العربي ومكتباته التي تزخر بذلك الثراء البديع في شعره ونثره، لعلي أذكر هنا أنني اطلعت سابقا على رسالة ماجستير لصاحبها الباحث خليل بن محمد الحوقاني، خريج في قسم اللغة العربية بكلية العلوم والآداب في جامعة نزوى عام 2017م، وقد طُبعت ونُشرت لاحقا في كتاب يحمل ذات العنوان: "البناء الفني في رسائل الشيخ أحمد بن حمد الخليلي".
عندما أطرق أسباب اختيار موضوع الرسالة: "البناء الفني في رسائل سماحة الشيخ"، أجد أن الباحث استوحى الفكرة -حسب قوله- من المساق الذي كان تعلَّمه عند الدكتور صلاح الدين بوجاه وهو مساق السير الذاتية، وقد طلب منهم أستاذ المقرر كتابة تقرير للمادة، فكتب الحوقاني عن رسائل الأديب التونسي أبي القاسم الشابي إلى صديقه محمد الحليوي التي اكتسبت أهمية ثقافية واجتماعية، فارتأى أن ينحو هذا المنحى، ومنها انبثقت فكرة كتابة رسائل سماحة الشيخ الخليلي واختيار هذا الموضوع.
ولا يخفى أنّ اشتغال الباحث في مجال البحث العلمي للدراسات العليا له رونقه الخاص، يبتدأ بوضع الخطة والموافقة عليها ثم العمل والتحرير، وصولا إلى مناقشتها. ولم تخلُ كواليس العمل على هذه الرسالة من صعوبات وتحديات دفعت الباحث إلى القراءة كثيرا في الموضوع، ومطالعة المصادر والمراجع التي يمكن أن تكون مشابهة للعمل الذي يريد القيام به. عرض حينها الخطة على الدكتور مشرف الرسالة بحضور أساتذة القسم، الذين كان منهم المتحمس للطرح والمعترض له، متسائلين عن الجديد الذي من الممكن أن يُقدَّم في رسائل سماحة الشيخ، حتى استقر به المطاف لوضع هذا العنوان من بين جملة من العنوانات الأخرى، فكانت الانطلاقة.
يشير الباحث إلى أبرز الأساتذة الذين استفاد منهم في الجامعة، وفي مقدمتهم الدكتور خميس بن ماجد الصباري مشرف الرسالة ورئيس القسم آنذاك، كما أنه استفاد كثيرا من الدكتور جمال عبد العزيز أحمد، دكتور سابق في كلية العلوم الشرعية وجامعة العلوم بالقاهرة. في الوقت نفسه تمكّن الحوقاني من الحصول على عناوين جيدة لمراجعَ خدمته كثيرا في الموضوع؛ وذلك وفق منهجية علمية اتبعها للعمل على مشروع البحث، إذ إنه استند على مصادر عديدة كُتبت سابقا في إطار تراث الرسائل العلمية التي يتناولها موضوع الدراسة، مثل: الرسائل الفنية في العصر المملوكي، والنثر الفني في العصر العثماني في مصر والشام، وملامح النثر الفني في الموروث الديني، وابن خلدون أديبا، وابن حزم أديبا، وأدب الرسائل في العهد النبوي، وملامح التجديد في الأثر الأندلسي، كذلك الرسائل الديوانية في مملكة غرناطة، والرسائل في العصر الإسلامي.
وإذ نشير إلى الصعوبات التي واجهتها الدراسة، نجد أهمها يكمن في جمع الرسائل؛ لأنها رسائل شخصية؛ إذ وصف الباحث معاناته الشديدة في الوصول إلى تلك الرسائل الشخصية لسماحة الشيخ الخليلي، وحاجته إلى قراءات كثيرة لسبر أغوارها وفهم معانيها ومقاصدها؛ إلّا أنّ الباحث المُجدِّ لا ريب أنه سيبحث في جميع المخارج التي توصله إلى الحصول على مقصده؛ ليستطيع الانطلاق في البحث والكتابة. وتذكر الدراسة أنها تضم ما يقرب من 160 رسالة أو يزيد. وصنّفها الباحث ووزعها بناء على تقسيمات منهجية متعددة، مثلا إلى: رسائل رسمية، رسائل إخوانية رسائل علمية ... وغير ذلك، فأدعوك -أيها القارئ- لمطالعة الدراسة والاستفادة منها؛ لما فيها من مجهود وافر ومعرفة مثرية.