فن إعادة تدوير الورق … صُنع شيء من لا شيء
د. كريم مصطفى - كلية العلوم والآداب
إن قضية التغيّرات المناخية والسعي نحو الحفاظ على الموارد واستعمالها بشكل مستدام مع ضرورة الحفاظ على البيئة من التلوث، يعد من الأهداف الرئيسة التي فرضت وجودها على الساحة العالمية، إذ بدأت الحكومات والمنظمات تسعى إلى توطين مبادىء ضرورة الحفاظ على البيئة؛ من طريق إطلاق المبادرات الاجتماعية لتحفيز المواطنين، ليلعبوا دورا فعّالا نحو تحقيق تلك الأهداف.
وقد ظهرت -نتيجة لهذا التوجه- العديد من المصطلحات التي تعرض كيفية تحقيق تلك الأهداف؛ عبر طرق أو سياسات مختلفة، منها مصطلح (الاستدامة وإعادة التدوير)، وغيره من المصطلحات المختلفة التي تتبنى سياسات ومنهجيات تهدف إلى الحفاظ على البيئة؛ سواء من طريق الاستخدام العادل للموارد، أو إعادة تدوير المواد المستخدمة أكثر من مرة لتقليل حجم التلوث الناتج من عملية التخلص لتلك المواد داخل البيئة.
وقد كان لمصطلح إعادة التدوير دور فعّال نحو تحريك المؤسسات والشركات للحفاظ على البيئة؛ بإعادة تصميم المنتجات وكيفية استبدال المواد والخامات المستخدمة بمواد أكثر فاعلية في الحفاظ على البيئة؛ من طريق إعادة تدويرها أو إعادة استخدامها بسهولة، ولكن على صعيد الأفراد لم يكن هذا المصطلح محفّزا بشكل كبير؛ كي يسلكوا نفس مسار الشركات والمنظمات؛ مما دعا إلى الحاجة لظهور مصطلح أكثر تطوراً، قادراً على جذب الأفراد وتحفيزهم لإعادة استعمال المواد بشكل فعال، لذا ظهر مصطلح: "Upcycling"، إذ يُعد مصطلحا حديثا مشتقا من مصطلح إعادة التدوير "Recycling"؛ لكنه يهدف إلى إعطاء المادة/الخامة -التي يعاد استخدامها- قيمة أعلى من قيمتها الحقيقية؛ كي يحفز الأفراد للاتجاه إلى إعادة الاستخدام؛ لأن العائد والمردود الاقتصادي سيكون مجديا ومحفزا لهم، فعلى سبيل المثال، عندما يعاد استخدام خامة الورق ستتحول إلى خامة أقل جودة وقيمة، أما إذا وضعناها في إطار منتج ذي قيمة اقتصادية كبيرة، فسوف يعطي ذلك الأفراد حافزا للبحث عنها وإعادة استخدامها.
وإيمانا بأهمية دور المؤسسات التعليمية بأهمية غرس ثقافة الحفاظ على البيئة من طريق تعزيز المساقات التعليمية بأفكار جديدة تساعد الطلبة وتحفّزهم نحو إعادة استخدام المواد والخامات، اشتغل طلبة برنامجي تصميم الحلي والجواهر وتصميم الأزياء بقسم التربية والدراسات الإنسانية في جامعة نزوى في تحويل خامة الورق إلى مجموعة من المنتجات الفنية القابلة للاستخدام؛ وذلك بتوظيف الورق ورفع قيمته الاقتصادية؛ مما يعزز من ثقافة إعادة التدوير، واكتساب الطالب المعرفة والقدرات اللازمة لتحويل الأشياء ذات القيمة المنخفضة إلى منتجات ذات قيمة مرتفعة؛ وذلك بتسخير طاقاتهم الإبداعية والابتكارية في التصميم وكيفية توظيف خصائص هذه الثقافة والاستفادة منها. إلى جانب ذلك، فتح آفاق جديدة للطلبة لتشكيل بيئة حاضنة للأعمال داخل السلطنة.
وعند مراجعة التصاميم والمُخرجات النهائية التي اشتغل عليها الطلبة في مساق (مكملات الأزياء والموضة)، نلحظ روعة إبداعهم وابتكارهم اللافت في تحويل الورق إلى منتجات استهلاكية ذات قيمة فنية عالية؛ لتبعث رسالة للمجتمع مفادها أهمية الحفاظ على البيئة وغرس تلك القيم.
إنّ جهود طلبة تخصص الفنون في قسم التربية والدراسات الإنسانية تعد بداية لتأسيس مشروع يهدف إلى غرس ثقافة الحفاظ على البيئة في نفوس الطلبة، وكيفية الاستفادة من المواد والخامات وتحويلها إلى منتجات نفعية ذات قيمة اقتصادية كبيرة؛ تمهيداً لتوسيع الدائرة لتعمَّ طلبة العلم؛ تنفيذا لتوجهات جامعة نزوى ورؤيتها ودورها الفعال في الحفاظ على البيئة.