السنة 17 العدد 161
2022/11/01

الألوان الرقمية وتكنولوجيا العصر ... نظريا وتطبيقيا

 


 

 

أ. ماجدة بنت سالم الرحبية   

 

كثيرًا ما نحشر أعيننا على شاشات هواتفنا الذكية الضيقة لمشاهدة مناظر من الطبيعة أو مشاهد لتظَاهرة اجتماعية يصورها صديق لنا يبعد عنا أميالا كثيرة، أو نشاهد أفلاما على شاشات السينما الضخمة وكأننا نشهد الحدث في ذات اللحظة من هول سحر جودة الصورة ومُطابقتها للواقع، أصبحت الشاشات الرقمية اليوم تنقل لنا الواقع تمامًا كما لو نرهُ بالعين المجردة.

ولو عُدنا بالزمن إلى الوراء قليلًا لوجدنا أن هناك اختلافا بين الألوان في الصور التي نراها قبل 10 سنوات أو أكثر والصور التي نراها اليوم، ليس ذلك فحسب أيضًا اختلاف الأجهزة الذكية نفسها اليوم وما فيها من تقنيات وإعدادات أيضًا سببٌ لظهور تباين في ألوان الصور وجودة عرضها من جهاز إلى آخر، فتتبادر إلى أذهننا أسئلة عدة: ما السبب وراء هذه الاختلافات في عالم الوسائط الرقمية؟ وكيف نصل إلى فهم لقراءة الألوان في الصور الرقمية حتى نتمكن من إنتاج الوسائط الرقمية على اختلاف أشكالها من صور أو لوحات رقمية أو فيديو؟!

إن آلية عمل الأجهزة الرقمية وطرق تصنيعها ما هيه إلا محاكاةً لما أودعه الله فينا من قدرات في أعيننا وطريقة معالجة الدماغ لانعكاس الضوء لنرى الأشكال في تمامها، فالعين والعقل البشريان معًا يُترجمان الضوء إلى لون، وبوصفٍ مختصر للعملية السابقة: ينتقل الضوء في العين إلى شبكية العين الموجودة في الجزء الخلفي من العين، وتسمى الخلايا المستقبلة للضوء العصي - وتحتوي على صبغة ضوئية واحدة، والمخاريط – خلايا حساسة للأزرق والأخضر والأحمر- اللتان تعملان جنبًا إلى جنب وترسلان المعلومات للدماغ ليتمكن من تفسير اللون، وفقًا للاختلاف في الطول الموجي للضوء والكثافة المتفاوتة لمصدر الضوء، ومنها نستطيع رؤية مجموعة واسعة من الألوان.

 

 

 

لقد استفاد مُصنعو الشاشات الرقمية من فكرة عمل هذه الخلايا، فنجدهم صنعوا خلايا ضوئية تُسمى البيكسل (pixels) تعكس ذات الثلاث الألوان التي تستقبلها الخلايا في المخاريط البشرية، وعرفت بـ RGB وهي مختصر للألوان الثلاثة باللغة الإنجليزية Red , Green, Blue  وهذه الأضواء الثلاثة تنتج منها الألوان التي نراها على الشاشة، وعدد الألوان التي نراها يعود إلى عدد المعلومات المخزنة في الخلية الضوئية البيكسل (pixels) وهنا نجد الإجابة عن سؤال سبب اختلاف الصور من جهاز ذكي إلى آخر. (صورة1+2)

عندما نقارن بين ما نراه فالطبيعة بأعيننا وبين ما تسجله هذه الأجهزة الرقمية من مشاهد، إذ نجد أن أدمغتنا تعالج كل المعلومات التي تستقبلها العين مباشرةً - سيختلف هذا بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من مشكلة في النظر- بينما هذه الأجهزة لم تصل بعد إلى مرحلة متقدمة مثل عمل الدماغ البشري؛ فلذلك اجتهد العلماء والمُصنعون لإيجاد حلول رياضية، ومنها ظهرت فكرة أنظمة اللون، فقد جاء تصميم كل منها لحل مشكلة أو أكثر بما يسهل إنتاج الصورة النهائية وإخراجها الفني بنسبة قريبة جدًا من الواقع، أو تقليل الفجوة اللونية بين الصورة على الشاشة والصورة مطبوعة والصورة على الطبيعة، وهناك استخدامات مختلفة ومشاكل صناعية مختلفة تعمل هذه الأنظمة للتقليل منها كُلٍ حسب اختصاصه، ومن هذه الأنظمة المعروفة عالميًا في إدارة اللون: LAB ، RGB ، CMYK ، Index ، Greyscale ، Bitmap  .

كل لون له معرف يتكون من مجموعة من الأرقام الافتراضية تتوزع على شكل رقم سداسي عشري تتوزع على الأضواء الثلاثة RGB تحدد موقعه داخل نظام اللون يعرف بمصطلح Hexadecimal، كما أن هذه المعرفات الرقمية تعد عالمية ومعتمدة من قبل الهيئة الدولية المفوضة بمعايير الضوء والإضاءة والفضاء اللوني   International Commission on Illumination (CIE). (الصورة 3)

وهنا تكمن أهمية فهم الفنان الرقمي لإدراك اللون الرقمي والمعالجات التي تعينه على إدارة اللون، لتحسين جودة إنتاجه الفني، فلا يكتفي فقط بفهم نظريات اللون وإدراك العين للألوان من حوله، كما أن طريقة دمج الأحبار في الواقع تفترض من طريقة دمجها افتراضيًا، فناتج دمج الألوان الضوئية لا يتطابق مع ناتج دمج الألوان في الواقع، ومنها جاءت اهتماماتي البحثية وقراءاتي في فهم اللون الرقمي، كما قمت بالعديد من التجارب لأتمكن من التحقق من النتائج ومدى توافقها مع ما قرأته من دراسات سابقة، وكيف أستطيع تطوير إنتاجي الفني من طريق دراسة أسطح المواد المختلفة وإدارة اللون بالطريقة التي تناسب هذه الأسطح عند طباعة التصاميم واللوحات الرقمية عليها، مثل: الأقمشة ولوحات الكانڤس والزجاج وغيرها؛ لأصل في الأخير إلى أن فهم الأنظمة اللونية وطبيعة الأسطح وإعدادات الأجهزة الرقمية التي يتم إنتاج العمل فيها، والآلات التي يتم سحب العمل النهائي منها، يساعد على تحسين جودة الإخراج النهائي للمنتج الفني، ليس هذا فحسب بل مكنتني هذه الخبرة من إعداد أعمال يتم طابعاتها في دول أخرى دون الحاجة للسفر؛ لأن كل المعرفات التي نستخدمها عالمية. (صور أعمالي)

 

 

المراجع:

 

https://www.pantone.com/articles/color-fundamentals/how-do-we-see-color

https://www.ncbi.nlm.nih.gov/books/NBK11059/

https://www.johnlovett.com/color

https://www.verywellmind.com/what-is-the-trichromatic-theory-of-color-vision-2795831

إرسال تعليق عن هذه المقالة