نبوءة مبكرة مهدت الطريق ....
في حياة الإنسان إشارات تخبر عن تميزه وتفوقه
إشراقة: حوار العدد
سليّم بن محمد الهنائي، من مواليد بلدة الجيلة التابعة لولاية بهلا، وُلد في عام 1977م، تبعد بلدة الجيلة عن ولاية بهلا حوالي عشرين دقيقة بالسيارة، في ذلك الوقت كان عدد السيارات قليل والمواصلات في حالة حرجة، والخدمات قليلة.
لقد نشأ الهنائي في أسرة متلاحمة متقاربة، كما هو حال باقي الأسر في هذه البلدة، هذه البلدة صغيرة المساحة قليلة السكان، ولكن بسبب أواصر القربى والأخوة التي تجمع بين أهلها أضحت الحياة جميلة، والمحن سهلة، والضعيف يصبح قوي والمكسور يجبر. كانت أسرته تقدر العلم؛ لذا كان حرص والده – رحمة الله عليه – ووصيته الدائمة أن اهتموا بالعلم فإنه منجاة للإنسان وعون وسند له في حياته. ومع وصاياه كان مهتما بتوفير كل ما من شأنه تسهيل تعليمهم المدرسي، من توفير احتياجات وأدوات الدراسة والملابس وباقي ما يحتاجون إليه. يُشير الدكتور سليّم إلى والده وإخوته أنهم الداعم الرئيس له في مسيرته العلمية، فقد وجد منهم النصح والإرشاد بأهمية التعلم، وأن رفعة الإنسان تأتي من طريقه.
س1/ ماذا عن مساركم التعليمي ... كيف كان طريقه من المدرسة إلى الجامعة وصولا إلى الدراسات العليا؟
إن في حياة الإنسان منذ المراحل التعليمية الدنيا إشارات تخبر عن تميزه وتفوقه المستقبلي، ولكن ربما الغالبية العظمى، وأنا منهم، لا ينتبه إليها. لقد كان التفوق -ولله الحمد- منذ أعوام الدراسة الأولى، ولا أنسَ أستاذي الحاج حمدون، معلم اللغة العربية في الصف السادس الابتدائي، وهو يقول لي إنني سأكمل دراستي في الجامعة، وكان على ثقة من ذلك بطريقة يصعب فهمها، وهو فعلا ما تحقق، ومع هذا ربما لم يكن حلم دخول الجامعة هو المسيطر علينا؛ نظراً للثقافة السائدة بين الشباب في تلك الفترة بإنهاء مشوار التعليم في الثانوية العامة والانخراط في وظيفة في إحدى الجهات العسكرية بعيداً عن مشقة الدراسة والتعلم، ولكن المنعطف الكبير الذي حدث في المرحلة الثانوية والحصول على درجات عالية والتفوق في الصف الأول الثانوي ثم الصف الذي تبعه بدأ وكأنه حلم ينشر عبيره، عندها تمكنت من الحصول على المرتبة الأولى على مستوى المدرسة ودخول الجامعة في كلية التربية لدراسة تخصص البكالوريوس.
وبعد الانتهاء من الدراسة الجامعية الأولى، تحديدا أول سنة لي في التدريس في إحدى مدارس ولاية مسقط؛ لم يخفت ذلك البريق المتمثل في إكمال التعليم، وفعلا في السنة الآتية قدمت أوراقي في كلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة السلطان قابوس لإكمال دراسة الماجستير وحصلت على القبول رغم تنافس تلك الأعداد الكبيرة المتقدمة، وبدأت مرحلة الماجستير التي استمرت أيضاً أربعة أعوام؛ وذلك بسبب العمل والدراسة في نفس الوقت، لقد كان جهداً كبيراً بذلته في مرحلة الماجستير، إذ أنتهي من العمل في المدرسة الساعة الثانية ظهرا ثم مباشرة أتوجه إلى الجامعة لتبدأ المحاضرات في الساعة الثالثة وحتى الساعة السادسة مساء بشكل يومي. ولكن الرغبة والصبر والعزيمة والإصرار أقوى من أن توقفهم إرهاصات الوقت، ولا أنسَ فضل مشرفي الدكتور فاروق عمر فوزي الذي بذل الكثير من جهده ووقته في هذا الجانب.
وبعد الانتهاء من مرحلة الماجستير انتظرت حتى فتح برنامج الدكتوراة في جامعة السلطان قابوس، وبالفعل قدمت في البرنامج وكنت ضمن ثلاثة طلبة مقبولين في أول دفعة لدراسة البرنامج، ولله الحمد ومع مشقة ما عانيت في مرحلة الدكتوراة، من ضمنها تغيير المشرف، إلا أن من رحم المعاناة يولد الفرج، ولا أنسَ كذلك دور أستاذي الدكتور محمد القدحات الذي بذل من جهده ووقته في دراستي حتى أنهيت مشروع الدكتوراة، وكل ذلك بفضل رب العالمين.
س2/ أطلعنا على تكوينكم البحثي والأكاديمي واهتماماتكم بهذين المجالين ونشاطاتكم فيهما؟
شهادة الدكتوراة تعد محطة عبور تتيح لصاحبها إمكانيات البحث العلمي؛ لذلك يجب على من ينهي هذه المرحلة عدم التوقف عن الكتابة والقراءة حتى وإن لم يكن في موقع بحثي أو أكاديمي؛ لأن الكتابة وسيلة الباحث التي من طريقها يظل متصلا بتخصصه ومجال بحثه. في هذا الجانب، ومذ أنهيت دراسة الدكتوراة قدمت خمسة بحوث للنشر، كما نشرت أربعة كتب. أما العمل البحثي فمستمر بمشاركاتي على مستوى المؤتمرات التي تعقد داخل عُمان وخارجها، إذ بلغت أكثر من عشرين مؤتمراً شاركت فيها وكنت متحدثاً في مجالات متعددة ربما لم يتطرق إليها باحثون من قبل، مثال ذلك: التأثير الثقافي العماني في الصين، ودور القوافل البرية وقوافل الحج العمانية في ازدهار المدن على الطرق التي تمر بها. وفي الفترة القادمة هناك أربعة مؤتمرات تنتظر إسهامي مع جاهزية الأبحاث للمشاركة، عدا البحوث التي أعدها الآن للنشر العلمي، وكتاب أشتغل عليه ليُنشر في الفترة القادمة.
س3/ ماذا يحتاج المتخصص وطلبة الدراسات العليا في مجال تراث عُمان وتاريخها لإثراء هذا التخصص نظريا وتطبيقيا؟
التأريخ والتراث العماني ما زال بحاجة إلى الكثير حتى يرى النور، فهناك جوانب عديدة من هذا التأريخ لم تبحث ولم يتم تناولها حتى الآن، كما أن جانبا من تأريخ عُمان ما زال يكتنفه الغموض؛ مما يعني أن يعمل الباحث أدواته لإخراج هذه المادة إلى حيز الوجود، وفي هذا الجانب فإنني أكلف الطلبة للاشتغال على أبحاث وتقارير نوعية تعتمد على استخراج مادة بحثية جديدة بعيداً عن التقليد أو مجرد حشو لبحث، كما أن الجانب العملي يتمثل في زيارة المواقع الأثرية والكتابة عما تحويه من إرث حضاري يدل على حضارة عُمان وقدمها.
س4/ ما أبرز المرجعيات التي يعود إليها الدكتور سليم الهنائي لإثراء طلبته؟
هناك العديد من الكتب المتخصصة في تأريخ عمان، وقد عملت على تقديم مجموعة من الكتب المتخصصة في مجال التأريخ والجغرافيا والأدب إلى جامعة نزوى من أجل أن تضيف مادة للطلبة، ولعل كتاب عُمان في الـتأريخ من أبرز المرجعيات التي تتناول تأريخ عمان منذ القدم وحتى العصر الحديث في شتى المجالات المعرفية والحضارية، هذا مع وجود العديد من المرجعيات التأريخية العمانية في هذا الجانب والتي بدأها العوتبي النسابة في القرن الخامس الهجري.
س5/ أين يجد القارئ أبرز الإنجازات التي حققتها في حياتك العلمية والعملية؟
هي ليست إنجازات بمعنى الحقيقي وإنما مؤلفات؛ أي تلك التي عملت على توزيعها في المكتبات ودور النشر كي تستفيد منها أكبر شريحة من الباحثين والطلبة. كذلك فإن الأبحاث المنشورة لي متوفرة على الشبكة العنكبوتية، وفي هذا الشأن أنشأت قناة على اليوتيوب متخصصة في عرض تأريخ وتراث وجغرافيا وحضارة عُمان، إذ أصبحت وسيلة قوية للتعريف بهذا البلد في داخل عُمان وخارجها.
س6/ ما رسالتك التي تستعين بها في طريق العلم والعمل؟
بالصبر والعزيمة والإصرار يحقق الإنسان أمنياته، كما أن حب الآخرين والعمل على مساعدتهم والأخذ بأيديهم من أسباب التوفيق في الحياة. إن النجاح الحقيقي الذي يحققه الإنسان في حياته يتمثل عندما يساعد الآخرين في درب نجاحهم، وعلى الإنسان ألا ينتظر، سواء بشكل فردي أم من قبل المؤسسة الرسمية، أي شكر أو تقدير؛ إنما يجب عليه أن تكون رسالته سامية متمثلة في مرضاة الله تعالى والعمل بكل إخلاص وتفانٍ لرفعة شأن المؤسسة التي يعمل فيها ورفعة وطنه بشكل عام.
س7/ كيف تتعامل مع نقاط القوة ونقاط الضعف التي تواجهك؟
كل إنسان به العديد من نقاط القوة والضعف؛ لذلك فإن نقاط القوة يجب أن تساعد الإنسان على النجاح ليسخرها لخدمته؛ وذلك من طريق كسب التحدي في هذا المجال، ولله الحمد لا أجد في نفسي شيئا من نقاط الضعف، ولم أدخل تحدياً في حياتي إلا وواجهته وانتصرت عليه. وعلى الإنسان أن يتغلب على نقط ضعفه بمواجهتها والإصرار على أنه قادر على تجاوزها وعبورها.