السنة 17 العدد 160
2022/10/01

التدوير الوظيفي

 


 

د. رضية بنت سليمان بن ناصر الحبسية

أستاذ الإدارة التربوية المساعد بقسم التربية والدراسات الإنسانية

 

يُعدّ التدوير الوظيفي أحد التقنيات الإدارية الحديثة التي تلجأ المؤسسات إلى تطبيقه؛ في إطار إحداث نوع من التغيير والتطوير المنظومي؛ لما له من مزايا وفوائد تعود على الفرد والمؤسسة بأكملها. ويتم التدوير الوظيفي بنقل الموظف بين مستويين وظيفيين أفقيا أو رأسيا سواء على مستوى الوحدة الواحدة، أم بين المستويات الوظيفية المختلفة داخل المنظمة، كما يمكن تفعيله في المجالات الإدارية، الإشرفية، والفنية أيضا. 

إنّ تجربة جامعة نزوى في تطبيق التدوير الوظيفي، أنموذجا يُحتذى به للتطوير التنظيمي، إذ اعتمدت الجامعة آليات العمل به، وفق معايير محددة لكل مستوى وظيفي؛ حرصا منها على تنظيم وتأطير ممارساتها؛ ولتحقيق التميز والجودة في العمل المؤسسي. في المقالة الحالية، سنتطرق إلى أهم المزايا التي يحققها التدوير الوظيفي داخل المؤسسات بصفة عامة، وفقا للآتي:

  • التطوير والتجديد المؤسسي: تسعى المؤسسات إلى إحداث التطوير والتجديد في ممارساتها وتحديث أنظمتها؛ استجابة للمستجدات العالمية في أبعاد ومجالات العمل المؤسسي كافة، بما ينعكس إيجابا على أداء أفرادها، ورفع إنتاجيتها. ويعتمد ذلك بدرجة كبيرة على فسح المجال للعاملين على التنافس في تقديم مبادراتهم التطويرية من طريق مواقعهم الوظيفية الجديدة؛ للارتقاء بعمل المؤسسة. لذا فإن التدوير الوظيفي يُعدّ عاملًا مساعدًا لتحقيق ذلك التوجه، ووسيلة ناجعة لتحفيز الموظفين على الإبداع في أدائهم لأعمالهم، وتنظيمًا جيدًا للحراك الوظيفي في بيئة العمل التنظيمية.

  • تحقيق التنمية المستدامة: يشير التوجه العالمي إلى فاعلية النظرة الشمولية والتكاملية لأداء المؤسسات على اختلاف أنشطتها، ومراجعة أدوارها في تحقيق التنمية الشاملة: السياسة، الاقتصادية، والاجتماعية، الأمر الذي يتطلب معه استثمار الموارد البشرية وتوظيفها، التي يُعتمد عليها في تحقيق الأهداف التنموية، بما يلبي غايات الأفراد والمجتمع معًا وتطلعاتهم. ويأتي التدوير الوظيفي استراتيجيةً ملائمة؛ لتوفير احتياجات المجتمع من الكوادر الوطنية المؤهلة والمدربة في التخصصات المختلفة، والمهارات المطلوبة كمًا وكيفًا، على أن يكون وفق خطط مدروسة ومتوازنة. 

  • التدريب والتنمية المهنية في أثناء الخدمة: في ظل التحديات العالمية التي يفرضها التقدم العلمي والتكنولوجي، تأتي أهمية الاهتمام بالمورد البشري، ورفع كفاءته، بما يمكنه من الإسهام الفاعل في البحث عن الحلول للقضايا والمشكلات المعاصرة، إذ يوفر التدوير الوظيفي تجربة حقيقية وواقعية لصقل مهارات وتنمية قدرات العاملين في المؤسسة؛ للإلمام بالخبرات والمعارف المرتبطة بأكثر من مجال أو موقع وظيفي داخل المنظمة، كما يتيح لهم فرصة اختبار قدراتهم في التعامل مع التحديات التي تعترض تحقيق الأهداف الوظيفية.

  • إبراز المواهب والقدرات الكامنة لدى الموظف: يتيح التدوير الوظيفي مجالًا لأصحاب المواهب، الذين يملكون طاقات خلاقة، وقدرات إبداعية فريدة، فرصة جيدة لإبراز مهاراتهم في أكثر من موقع أو مستوى وظيفي. كما يُعد ذلك وسيلة لاكتشاف تلك الإمكانات، وأداة لشحذ الهمم؛ لتقديم أقصى ما لدى الموظف من قدرات، تمثل قيمة مضافة تمتلكها المؤسسة، وتستفيد منها في تبادل المهارات والخبرات بين الموظفين على اختلاف مواقعهم.

  • التخطيط التعاقبي: من طريق هذه الميزة التي يحققها التدوير الوظيفي، تضمن المؤسسة وجود الصف الثاني من القادة، ومن الأفراد المتمكنين في مجالات العمل المختلفة، وامتلاكها من الخبرات الكافية، بما يساعدها على مواجهة أي تغيرات غير متوقعة بين صفوف منسوبيها. إذ تصبح المؤسسة في جاهزية وتأهب دائمين، في حال انتقال بعض الموظفين -ذوي الخبرات منهم خاصة- إلى مؤسسات أخرى، أو نتيجة خروج بعضهم للتقاعد، أو لأسباب أخرى بفعل الإصابات والحالات الطارئة المفاجئة.

  • سد النقص في بعض المهارات المطلوبة: قد يحدث في حالات ما، توفر كوادر تملك مهارات متعددة في قطاع ما، بما يفوق احتياج ذلك القطاع، يقابله نقص في قطاع آخر؛ لذا تلجأ المؤسسات إلى سد ذلك النقص، بالتدوير الداخلي بين موظفيها؛ لتحقيق التكامل، وسد العجز في بعض الجوانب المهارية أو التخصصية، دون الحاجة إلى التوظيف الجديد، أو الاستعانة بعقود العمل الجزئي، أو غيره من الأساليب التي تلقي بأعباء مالية إضافية على المؤسسة، عملًا بمبدأ الإدارة الحكيمة، والاستغلال الأمثل لموارد المؤسسة المالية. 

  • القضاء على الرتابة والروتين والملل: إن بقاء الفرد في موقع وظيفي واحد مدة طويلة، موت بطيء له، ودحض للإبداع الفردي، وقتل للدافعية مع مرور السنين؛ نتيجة فقدان عنصري التجديد والتنويع. فالتدوير الوظيفي يقضي على الملل والحياة الرتيبة في بيئة العمل، كما أنه أسلوب لضخ دماء جديدة في أماكن مختلفة من المؤسسة، ومحرك للدوافع الداخلية للفرد للاستمرار في التميز، بل ومضاعفته في مواقع وظيفية أخرى. وفي هذا المجال، ووفقا لخبرات بعض الدول التي تميزت في ذلك، فإن (4-5) سنوات كافية لبقاء الموظف في منصب وظيفي معين، خاصة في بعض المناصب الإدارية والقيادية.

  • تحقيق الرضا الوظيفي: إنّ من العوامل التي تؤثر على استقرار الموظفين واستغراقهم في أعمالهم: الرضا الوظيفي. وبحسب ما أشارت إليه نتائج العديد من الدراسات بوجود علاقة موجبة طردية بين الرضا الوظيفي والاستغراق الوظيفي، فإن المؤسسات تولي هذا الموضوع اهتمامًا، من طريق مراجعة كافة الأبعاد التي من شأنها رفع درجة الصحة التنظيمية داخل المؤسسة، وبما يشعر معه الموظفون بالأمان، فيمارسون مهامهم براحة نفسية عالية؛ لذا يتولد لديهم الولاء تجاه المؤسسة التي يعملون بها، والرغبة للبقاء فيها فترة طويلة، دون الحاجة للتفكير في البحث عن فرص وظيفية أخرى. من هنا يأتي التدوير الوظيفي ليحقق تطلعات الموظفين في التقدم والترقي الوظيفي، ويعد مجالًا خصبًا لإشباع رغبات بعض منهم، في تقلد مناصب إدارية وإشرافية معينة، فيتولد لديهم مستوى عالٍ من الرضا الوظيفي تجاه المؤسسة التي ينتمون إليها.

  • القضاء على البيروقراطية: إنّ بقاء بعض الأفراد في مناصبهم الإدارية أو القيادية فترة طويلة، يولد لديهم إحساسًا بتملك تلك المناصب، فيسلكون سلوكًا إداريًّا يتسم بالتسلطية والعنجهية، كالتفرد بالرأي، وإصدار الأوامر، والنظرة الفوقية على الموظفين. أو يأتون بأفعالٍ مستميتة لاستقصاء الكوادر المخلصة والمجيدة، التي يظنون أنها تهدد بقاءهم، فيختلقون حروبًا؛ للحفاظ على الكرسي الوظيفي الذي يستمدون منه سلطتهم على الآخرين. لذا فإن المنظمات من طريق تطبيق التدوير الوظيفي، تبث رسالة مفادها: إن المناصب ليست ملكًا ولا حكرًا لأحد، وليست دائمة ما دام الفرد باقٍ في المؤسسة، وليست شرطا للترقي في السلم الوظيفي، بل تكليف وقتي مُتاح لكل من تنطبق عليه الشروط والمعايير، كما أنها فرصة لإنهاء فترة تقلد أحدهم لتلك المناصب، متى ما أخل بمتطلبات الوظيفة، أو التقصير في واجباته التي ترتجيها منه المؤسسة.

وفي ضوء ما تقدم، فإنه لا يمكن تجاهل إحتمالية حدوث مقاومة لأي تغيير تحدثه المنظمة في هيكلتها، أو عدم الرضا تجاه أي قرارات قد تصدرها، فقد تٌقابل تلك الجهود بالرفض أو الاستهجان من قبل بعض الموظفين، إما نتيجة قلة الوعي بفلسفة المنظمة في مجال التغيير والتطوير، أو النقص المعرفي بمبدأ التغيير وغاياته وفوائده، أو القصور في تهيئة ذوي العلاقة والمستفيدين بالتغيير ذاته.

ختامًا:في إطار سعي المؤسسات الحديثة لتطبيق أسلوب التدوير الوظيفي، يعد أحد الأساليب التي تهدف إلى تطوير الأداء، وزيادة الإنتاجية، فإنها تُشَرّع استراتيجيات تطبيقه، بالدرجة التي تجعله ناجحًا بدرجة كبيرة، وبما يحقق ديمومتها، ويجدد نشاطها؛ لذا فهي تحرص على تهيئة موظفيها بالفلسفة التي تسير عليها؛ لضمان دعمهم في تطبيق نهجها الحديث، وتوضيح مبررات تلك المنهجية في قيادتها الإدارية، مع تضمين تلك السياسة في وثائقها، وتحديد آلية تنفيذها، والحرص على نشرها، مع تطبيق مبادئ الحوكمة الرشيدة؛ للوصول بكفاءة وجدارة إلى رؤيتها الاستراتيجية.

 

إرسال تعليق عن هذه المقالة