السنة 17 العدد 160
2022/10/01

التراث العماني ودوره في التنمية السياحية المحلية

 


 

بقلم: د. سليم بن محمد الهنائي

 

تضرب عُمان بجذورها في أعماق التأريخ إلى فترات تمتد أكثر من خمسة آلاف عام قبل الميلاد، إذ إن اللقى الأثرية التي عثر عليها في مراكز الاستيطان الحضاري القديم في عُمان أكدت أن بعض تلك المراكز الحضارية تعود إلى آلاف السنين قبل الميلاد، وقد تزامنت فترات تلك المراكز الحضارية مع حضارات أخرى مجاورة، مثل: حضارة بلاد الرافدين في العراق، وحضارات بلاد الشام، والحضارة الفرعونية في مصر، وحضارة بلاد السند، وكذلك مع ممالك اليمن القديمة مثل قتبان ومعين وحمير وسبأ.

إن ذلك القدم الذي تمتاز به عُمان أسهم في وجود تنوّع مادي، حيث الحياة وما تفرضه على الإنسان من عمليات البناء والتعمير، وهذا ما وجدته البعثات الأثرية في مراكز الاستيطان القديمة في عُمان، مثل: عرجا والأصيل وبات وغيرها، التي بها شواهد تدل على نمط حياة الإنسان قديماً، ثم مع تطور النمط العمراني في عُمان، فقد أصبح للعمران هويته الخاصة التي ظهرت في بعض جوانب القلاع التي بنيت قبل الإسلام كحال قلعة بهلا، ومع التطور الزمني تطور العمران كذلك، وفي الجانب الآخر، أسهمت الأحوال الاقتصادية في ذلك التطور، فأضحى العمران يأخذ طابعا مميزا له، وظهر في بعض القلاع والحصون، مثل: حصن جبرين وحصن الحزم، وقلعة الرستاق وقلعة نخل وقلعتي الجلالي والميراني. كذلك مع هذا النمط العمراني الذي يأخذ الشكل الدفاعي، ظهرت الحاجة إلى جوانب أخرى تتمثل في بناء الأسوار كما هو في سور بهلا، وأيضا بناء الأبراج للمراقبة وتحصين المنطقة، كما أن طريقة الدفاع في الحصون والقلاع تمر بعملية معقدة من المداخل والفتحات التي يتم من طريقها صب الزيت الحار والعسل على المهاجمين.

ومع ذلك التنوع في الجانب العمراني، وبالتوازي معه ظهور تنوع في الأسلحة المستخدمة، فعُمان تزخر بتنوع في الأسلحة التي استعملها الإنسان منذ القدم للدفاع عن نفسها، بين السيوف والرماح والتروس، وكذلك بعد معرفة البارود واستعماله في البنادق، أدى إلى ثراء في عملية الاستخدام والتصنيع حسب الحاجة والظروف.

إن هذا الثراء الذي تزخر به عُمان في التراث المادي يمثل ثروة وطنية حقيقة، إذ أضحت دول العالم في الوقت الحالي تعمل على تنويع مصادر الدخل؛ وذلك لتقليل الاعتماد على مصدر واحد تفادياً لحدوث أي مشكلة عالمية تؤثر على دخلها القومي؛ ولذلك لجأت أغلب الدول إلى تفعيل السياحة المحلية بأنواعها المتعددة، مثل: السياحة الطبيعية وسياحة المغامرات والسياحة الدينية والسياحة العلاجية والسياحة الأثرية وغيرها.

ومع أن تلك الدول لا تملك سوى مقومات بسيطة من التراث، إلا أنها استطاعت بالتخطيط الجيد تفعيل ذلك الدور واستثماره في أرقى صوره. أما عُمان فتملك ثروة وطنية هائلة، تظهر في كل شبر أرض فيها، إذ تزخر بتراث تاريخي متنوع يضم: القلاع والحصون والأبراج والشواهد الأثرية وغيرها، وقد يدفع استثمار هذا الإرث الحضاري إلى تفعيل السياحة المحلية واستقطاب السائح الخارجي.

إن اعتزاز الكثيرين بالوطن، ورغبتهم في أن تكون سياحتهم محلية، يجب أن يصب في خانة تهيئة هذا الجانب وتطويره، خاصة إذا ما علمنا أن الكثير من الأموال تخرج من عُمان في سياحة المواطنين والمقيمين خارج الوطن؛ لذا تظهر الحاجة إلى خطة وطنية شاملة، تراعى فيها كافة الجوانب المتمثلة في البنى التحتية وإصدار التراخيص لعمل شركات سياحية وتسهيل دخول المواقع وتسهيل وجود المرافق وغيرها؛ كي يجد السائح المحلي في عُمان جميع التسهيلات، ولا ضير أن يستعان بتجارب دول أخرى تقدمت في هذا المجال، والاستفادة من خبراتها لتطوير قطاع السياحة المحلية لتصبح موردا مهما للدولة.

وقد أدركت عدد من الدول أهمية السياحة المحلية منذ فترة مبكرة، فذهبت إلى توفير كافة الاحتياجات التي تلبي تطلعات السائح، وهي جوانب غاية في الأهمية، بل تسهم في تفضيله لوجهة معينة دون أخرى لقضاء إجازته. كما أن الحلول التي تستهدف القشور من المشكلة لن تأتِ بالفائدة المرجوة، فعُمان وما تزخر به من تراث يتوقع أن تقدم الكثير في مجال السياحة المحلية، وفي هذا البلد ليس هناك حاجة لإيجاد مواقع سياحية من العدم؛ بل هي موجودة تحتاج إلى عقول مخلصة تستهدف تنميتها كما يجب. الجدير بالذكر أن إجمالي عائدات السياحة الداخلية في الدول التي اشتغلت على تنمية سياحتها المحلية، حصدت أرقاماً أكبر من المتوقع، وهو ما نتطلع لرؤيته يوماً في سلطنة عمان.

 

إرسال تعليق عن هذه المقالة