السنة 17 العدد 160
2022/10/01

إذا أردتَ إنجاز عمل في وقته فأعطه لشخصٍ مشغول


 

 

شيخة مشعان البادية - كُليَّة الصيدلة والتمريض

 

لقَد ألِفت سماعَ جملة: "تدوري الشَّقى لعمرش" في كُل مرة أبدأ فيها بشيءٍ جديد إثر ما أمرُّ بهِ من ضغطٍ دراسي. رُغم ذلك ومن تجربتي في الحياة، أيقنتُ أن تنوّع الأعمال وتعددها في اليوم الواحد ما هو إلا أساس الإنجاز، كيف يُعقل هذا؟

 

دعني أُجيبُك بسؤال، هل جربت يومًـا ما الاستيقاظ قبل رنين المنبه الاستيقاظ المعتاد، فشعرت أنه لا يزال لديك متسع من الوقت بمقدورك فيه إنجاز بعض الأعمال، وما أن اشتغلت بكل هذا حتى فوجئت بمرور الوقت، فوجدت نفسك على حين غرَّة متأخرا عن عملِك.

لنعكس الحدث الآن، مثل الكثير من الأشخاص الموجودين حولنا، قمت بضبط المنبه على السَّـاعة السابعة صباحًـا، وعند استيقاظك تجدُ نفسك قد وضعته سهوًا على السابعة مساءً وقت تجاوزت الوقت المطلوب، فما العمل حينها؟ طبعًـا ستستيقظ فزِعًا خشية التأخر، فتقوم بتحضير نفسك على عجل ثم تتفاجأ بأنك قد وصلت في الوقت المناسب!

 

لِنركز هنا فيما جرى في كلتا الحالتين، ما هي إلا حالة ذهنية تفاوتت من شخص لآخر، وحينٍ لآخر أيضًا. فقد تأخرت في الحالة الأولى بسبب اعتِقادك أنك تملك الوقت الكافي لإنجاز بعض المهام، فضاع منك كل شيء، أما في الحالة الثانية فوصلت في الوقت المناسب؛ بسبب إدراكك ووعيك بوضعِكَ الحرِج فاقتصرتْ إنجازاتك على الأولويات حتى تداركت أمرًا وشيك الوقوع قبل وقوعه.

 

"إذا أردت إنجاز عمل في وقته فأعطه لشخص مشتغل" قالها تشرشل ووجدت الحصافة بها، إذ إن بداخل كل منا حالين، الأول حال "المتكاسل" الذي يستنفِد معظم وقته في حمل هم العمل البسيط المكلف به عِوضًا عن التشمير والمباشرة بفعله، فيستمر بالمماطلة والمُمَاحكة شاعرًا بأنه ما يزال لديه متسع من الوقت لإنجازه إلى أن مُلأ بحب الركود، فما هذه إلا لحظات فارِغة محسوسة أو إن صح القول إنه وقتٌ مفتوح يجلب التسويف! الذي يُذهِبُ الوقت هباءً حتى الوصول لموعد التسليم.

 

كما أنه عادةً من محبي "السهل المريح"؛ أي أنه لا يحب الخروج من فُسحة راحته، بل يبادرُ رافضًـا أيَّ عروضٍ غنيَّة الفائدة قد تعود له. التي ما كانت ستكلِفه إلا سويعة واحدة من بين ساعات يومه الممتدة؛ بذريعة أنه ربما قد تعطلهُ تلك المهام عن أعماله الهائلة، عِلمًـا أن لو كان لعمله عينان، لنظر إليهِ مبحلِقًـا؛ إذ اُخذ مآتٍ واهية، والحقيقة أنه كائن لا يحبِّذ عمل ما هو جديد وخارج طور فضاء الراحة التي اعتاد عليها.

 

في المقابل هناك حال "المخاطر"، الذي يقوم بعملِهِ ويسلمه في الوقت، على الرُّغم من أنه ربما يكون مرتبطًا بنشاطاتٍ ما في مجموعة ما، ناهيكَ عن أنه يُديرُ مشروعًـا صغيرًا له، كما لديه بعض الاختبارات، وعليه ترتيب مسكنه وطهو الطعام لنفسه، وغير هذا وذاك لديه مواعيده في النادي الرياضي، علاوة على ذلك منذ يومين انضم لدورة تعلم اللغة الإسبانية. يوجد مثل هذا أشخاص كُثر من هذه الكوكبة أأكِّدُ لك، لكن ما السر؟

 

إن لتعدد المهام وضيق الوقت هذا تصوير ملحوظ في رفع مستواهم وصقل مهاراتهم؛ فأصبحوا يستتمُّون المهام بنجاح مُبهر، وفي أقل وقت ممكن؛ ويعود كُل ذلك لإدراكهم العميق بما يعنيه الوقت، يقظين بأهمية كل ثانية تمر في أيامهم، إلى أن حالوا إلى ما هم عليه بالنسبة لهم، لا شيء قد يعطيهم شعورًا بالرضا النفسي التام والراحة الروحيَّة الرحبة كشعور يوم طويل صُرف بدقَّة متناهية في إنجاز العديد من المهام الشخصية والعملية بشكل مُبهر.

 

قد يخطر ببالك أن الشخص المُخاطر سيكون عجولاً في عمله، أي أنهُ ليس مجيدًا ومتقِنًا، عكس المتكاسل، قال تشيسترفيلد: "ذو العقول الحصيفة قد يسرعون ولكنهم لا يتعجلون"؛ أي أن الذين اكتسبوا مهارة إدارة الوقت قادرين تمامًا وبشكل حكيم على توظيف خبراتهم وجدولة أعمالهم وإعداد أنفسهم وتنظيم أوقاتهم ما إن أنيطت إليهم مهمة جديدة لإنجازها في أسرع وقت ممكن...

أما النوع الثانِ فحين يفاجئهم ضيق الوقت الذي لم يُغتنم بالشكل المُرضي، يغلبهم الارتباك ويعملون بعجلةٍ من أمرِهم، حاصلين على أسوأ النتائج وأردَاها غالبا.

 

أقدمت على كتابة هذا المقال بسبب أخي الأكبر؛ ففي يوم ما قررت الترشح للمجلس الاستشاري، وإذ به يرشدني بالتراجع خوفًـا من أن ألتهي به عن دراستي، على كلٍّ لقد ترشحت وجمعت أعلى الأصوات من بين 52 طالبا وطالبة كانوا قد ترِّشحوا حينها. في يوم آخر وضعت إعلانًا بسيطًا لاستقبال طلبات مشروعي الصغير، لقد كان تكرر خوفه ملحوظًا هذه المرة أيضًا، لم أُبالِ، بل عملت على الطلبات حتى حصلت على رخصة قيادتي من مكاسبها. ثم ذات يوم من إجازة الربيع اُخترت للمشاركة في حفل التخرُّج، وقد تلعثم واستحضر الأعمال الذي يمكن إنهائها عوضاً عن كوني مشاركة في الحفل، حينها أنِستُ أنه يجب عليَّ التوضيح له من طريق هذا المقال البسيط جرَّاء إلحاحَه الثابت معنى شخصية المخاطر التي تستملكني.

 

خِتامًا عزيزي القارئ، جميعُ القرارات بيدك فهل ستختار أن تكون المخاطر أم المتكاسل؟

 

 


 


 

 

إرسال تعليق عن هذه المقالة