السنة 17 العدد 158
2022/08/01

في اجتماع الأضداد سرٌّ آسر

 


 

مقال: أميمة العبرية

 

في هذا العالم المثير للدهشة الذي يبعث على الاستغراب، نجد أنفسنا مضطرين للتعامل مع شخصيات قد تتفق معنا وقد تختلف، لكننا نجمع أننا ذو شخصيات متباينة، والاختلاف ديدننا في عدم تقبل الآخر، ذلك أمر مثير للعداء، ومن شأنه تأجيج الصراعات وإشعال الحروب على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي، فأساس العداء رفض الآخر بعدم تقبله شخصياً أو عدم تقبل ثقافته؛ لأنها شيء غير مألوف لنا، والمرء عدو ما جهل.

 

إن جمال قوس قزح نابع من اختلاف كل لون فيه، كل لون لا يماثل الآخر؛ لكأنها لوحة فنية غاية في الإبداع؛ كذلك سر النجاح والتفوق الحقيقي يكمن في تقبل الآخر؛ لأنه يجعلنا أشخاصا متسامحين؛ ذلك شأن أعظم الحضارات البشرية على هذه البسيطة، التي قامت على أساس التنوع. نعم هذه المعادلة الكونية صدق فيها قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}.

 

من حكمة الخالق وإبداعه، أنه جعلنا شخصيات متباينة تتمتع بذكاءات مختلفة، إذ كلٌّ منا يصلح لعمل يبرع فيه دون سواه. هنا سأسلط الضوء على صنفين: الأول الشخصية المثالية ذات التفجر العاطفي والمشاعر الجياشة والعاطفة المتقدة الغاية في الحساسية ذات الذكاء العاطفي الفذ. بينما الثاني تلك الشخصية العملية المرتبطة بالواقع، لا تركن إلى العيش في عالم الخيال حيث الأحلام الوردية. نعم فالشخصية العملية قد تكون صارمة أو قاسية، معظم نجاحاتها المبهرة نتاج قدرتها على التكيف مع متاعب الحياة، إذ تجيد خوض غمار التحديات؛ لذا فسلمها الوظيفي يعلو يوما بعد يوم؛ كأنها ترتقي درجات المجد خطوة تتبعها خطوة. في حين، نجد الشخصية المثالية ذات الأوهام الحالمة تظن أنَّ خيالها خصب، إلّا أنّ نجاحاتها قد تكتسي بطابع الجمود.

 

دعونا نتطرق إلى نقاط التشابة والاختلاف بين الشخصية العملية والشخصية المثالية، كلاهما يتعاملان مع الحياة حسب مشاعرهما وأحاسيسهما، فالقلب مرآة العقل؛ بيد أنَّ المثالي يوغل في العاطفة أكثر، ويغيَّب عقل في التفكير وإنصاف الأمور. أما الشخصية العملية فنجدها تُحكِّم العقل، وتزينه بالعاطفة الصادقة. نجد كليهما قد يتفقان في الغاية من الحياة لإسعاد الآخرين وإدخال البهجة لقلوبهم والترفيه عن النفس، يتمتعان بالدفء، يلتزمان بواجباتهم تجاه غيرهم. أما نقاط الاختلاف: الشخصية العملية لها نظرة بعيدة المدى، تُفكر في عواقب الأمور دون أن تهيب الصعاب، تتميّز بالمنطقية في كثير من أمورها. إلا أن الشخصية المثالية نجدها عكس ذلك، تحب الهدوء وتتجنب الصراعات، بعيدة عن المنطق غالبا، تنزع إلى الكمال والقيم المثالية. في الجانب المقابل، تكره الشخصية العملية الرتابة؛ بل تصنع التجديد وتبرع في ممارسة المفيد بعيدا عن المحبطات.

 

وعوداً على بدء، لا ننكر أهمية الشخصيتين، المرء العملي له سماته وخصائصه ومواهبه التي تمكّنه من شغل أعمالٍ لا يستطيع إليها غيره، في المقابل قد يمتاز المثالي بمهارات الإبداع والابهار، وقد يبدع فيما لو وظفها في محلها المناسب. في سياق حديثنا ندعو إلى عدم رؤية هذين الشخصيتين على طرفي نقيض أحدهما أبيض والآخر أسود؛ بل كلاهما لونان مختلفين يصنعان لوحة فنية غاية في الروعة والجمال، آسرة إلى أبعد الحدود.

 

إرسال تعليق عن هذه المقالة