الأدب العماني يعلو للعالمية : ثلاث نماذج عمانية (دلشاد ... سر الموريسكي ... فتنة العروش)
بقلم: ريم الهاشمية ... مكتبة جامعة نزوى
علو المشهد الثقافي، تحديدا الروائي، في الساحة العمانية واضح إلى الحد الذي لا يمكن نكرانه، وهو بذلك ينفي الاعتقاد السائد بأن الأدب العماني ضعيف حضوريا، فالروايات التي صدرت مؤخرا من طريق مجموعة من الروائيين العمانيين أشارت إلى مدى قدرة الروايات العمانية لمنافسة روايات العالمية؛ عبر طرح ثلاث روايات عمانية نموذجا، هي: (دلشاد لبشرى خلفان - سر الموريسكي لمحمد العجمي - فتنة العروش لزوينة الكلبانية).
وقد استطاعت رواية دلشاد للروائية العمانية بشرى خلفان الوصول إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر العالمية للرواية العربية لعام 2022، إذ تناولت الحديث عن الطفل دلشاد ذي النسب المبثور الذي يكبر في دروب الحياة الصعبة، وهو فاتحة لرواية عميقة خلاقة، إذ إن الأسلوب السردي الذي اتبعته الروائية بشرى خلفان تمثّل في منح كل شخصية صوتها الخاص في سرد الأحداث من منظورها الشخصي، وتمرير السرد من شخصية إلى أخرى بأسلوب جعلنا في النهاية ندرك أن لا بطل للرواية، وأن كل ذلك السرد يتجه نحو سيرة الجوع والشبع، هذا الأسلوب السردي الأدبي ظهر سابقا في رواية عالمية مشهورة حصلت على جائزة نوبل للآداب لعام 2006، وهي رواية "اسـمي أحمر" للكاتب التركي أورهان باموق، إذ تميزت الرواية بجعل لكل شخصية صوتها الخاص في تحليل الأحداث التي تناولتها روايته المشهور.
إن الاختلاف في موضوع كلتا الروايتين واضح، فرواية دلشاد تعرض مسقط وحاراتها في حقبة كان أناسها ذو الأنساب المختلفة يتقلبون بين الجوع والشبع، بينما كان أورهان في روايته يعرض الصراع بين الأصالة والمعاصرة وبين المدارس الفنية المتناثرة في الشرق والغرب، فالرواية عبقرية بقوة من الصفحة الأولى التي ابتدأت بحديث صادر من جثة لا يعرف قاتلها، بل جعل الكاتب مهمة الكشف عن جريمة القتل لبطل الرواية السيد قرة من طريق الأحداث التي تقع في مدينة اسطنبول في زمن يعد منعطفا مهما لتاريخ التشكيل الإسلامي، وبذلك احتوت الرواية على وصف دقيق وبديع على النقوش والخطوط والمخطوطات، وهذا ما يتجلى بشكل واضح في عديد من المواضع في رواية سر الموريسكي للكاتب محمد العجمي، الذي أبدع في وصف الخطوط والمخطوطات بين صفحات روايته.
تدور رواية سر الموريسكي بشكل رئيس في التنوير في أوروبا، وبموضوعه هذا استطاع محمد العجمي أن ينافس مجموعة روائية شهيرة كانت تدور في ذات الموضوع التنوير والصراع القائم بين الدين والعلم، وهي مجموعة دان براون الشهيرة التي تضمنت على روايات: ملائكة وشياطين، شيفرة دافنشي، الرمز المفقود، الجحيم والأصل، ومع ذلك يجب أن نصف هذه المنافسة التي خلقتها رواية سر الموريسكي تجاه مجموعة دان براون بالمنافسة الخجولة، إذ نجد أن روايات دان براون صنعت خيالا أدبيا امتزج بالطابع العلمي والفلسفي الحديث لتناولها مواضيع متعلقة بالعقائد المقارنة وتاريخ الحضارة والآثار.
ليس الموضوع وحده وجه الشبه بين الروايتين، بل حتى الأسلوب السردي، ففي رواية سر الموريسكي كان روبرت فيبن يتتبع مكتبة من المخطوطات النادرة فتتوالى الأحداث ليكتشف أشياء كثيرة في مغامرته في العلاقة بين العلم والدين في أوروبا حتى يصل إلى مبتغاه وهو الكشف عن سر مهم، أما في مجموعة دان براون فإن روبرت لانغندون أخذ يتتبع الخيوط والأدلة ليحظى بمغامرة بوليسية حتى يكشف في نهاية مغامرته عن شفرات وأحجية تدور في التنوير في أوروبا.
أما الرواية الثالثة التي أخذت حضورا قويا في ساحة الأدب العماني فهي رواية فتنة العروش للكاتبة زوينة الكلبانية، تناولت الرواية سيرة الملك الشاعر سليمان بن سليمان النبهاني الذي كان محط جدل المؤرخين كونه شخصية غامضة لم تعطَ حقها في كتب التاريخ العماني، وهي تشبه إلى حد كبير رواية قيامة الحشاشين للكاتب التونسي الهادي التيمومي، التي حصلت على جائزة أفضل كتاب عربي في معرض الشارقة الدولي 2021، ويمكن عرض أوجه التشابه بين الروايتين.
بالنسبة للموضوع كانت رواية فتنه العروش تسرد حياة الملك النبهاني في حين كانت رواية قيامة الحشاشين التي تحدثت عن سيرة الشيخ الجبل حسن الصباح مؤسس حركة الحشاشين، وكلتا الشخصيتين كان لهما الحضور القوي في العصر الذي وجدت فيه، كما أن كلا الكاتبين استخدما الحبكة الروائية نفسها باكتشاف مخطوطات جعلت بطل الرواية يغوص في عالم تلك الشخصية، إذ إن التيمومي خلق مجموعة من المزامير التي كتبها حسن الصباح واكتشفها بطل الرواية مصادفة في قبر قديم، وكذلك فعلت الكلبانية بخلق مجموعة من الطروس كتبها سليمان النبهاني ونسخها حفيده واكتشفتها عالمة التاريخ زوجة الراوي.
هناك تشابه في بعض الأحداث بين الروايتين، فقد أشارت رواية فتنة العروش إلى موت حسام على يد أخيه سليمان النبهاني إثر صراع بينهما، كذلك قتلت مريم على يد أبيها حسن الصباح لخلاف بينهما، وأخذت الروايتان نفس المسار من الأحداث البوليسية، مثل: السرقة والمطاردة والأساطير والجن والسحر. إلا أن الكلبانية تفوقت في إظهار الجوانب الإنسانية لهذا الملك عبر فضاءات سردية متنوعة، فيظهر الملك شاعرا وأبا وعاشقا مرهف الحس، وقائدا حاول انتشال أرضه من حافة المخاطر والخيانات التي كانت سببًا في نهايته المأساوية.