السنة 17 العدد 158
2022/08/01

البعد الرابع في المنظور الزمكاني

 

 


 

 

د. محمود خالد جاسم الشمري

قسم الرياضيات والعلوم الفيزيائية، كلية العلوم والآداب

 

بدأت فكرة إضافة بُعد رابع مع كتاب "الأبعاد" لجين لو روند دالمبرت الذي نُشر عام 1754م، وتبعه جوزيف لويس لاغرانج في منتصف القرن الثامن عشر في 1854م، وبلغت ذروتها في إضفاء الطابع الدقيق على المفهوم بواسطة برنارد ريمان في عام  1880م. بعد ذلك، أصبحت دراسة الأبعاد ذات الرتب العالية (أي أكبر من ثلاثة) أحد الأسس للتعبير عن الرياضيات والفيزياء الحديثة، إذ جاء مفهوم أينشتاين للزمكان -وهو الفضاء رباعي الأبعاد- على الرغم من أنه يحتوي على بنية منكوسكي ( Minkowski )؛ لكنه أكثر تعقيدًا من الفضاء الإقليدي رباعي الأبعاد. ومن هنا ولدت فكرة البعد الرابع لتمثيل الكثير من النماذج الفيزيائية ودراستها عبر منظور زمكاني رباعي الأبعاد.

 

الزمكان هو نموذج رياضي يجمع بين الأبعاد الثلاثة للفضاء وبُعد رابع من الزمن في شكل واحد رباعي الأبعاد وسميت (4D)،إذ بالامكان استعمال مخططات الزمكان لتصور التأثيرات النسبية. وعليه  فالبعد الرابع (4D) ثلاثة أبعاد مكانية، بالإضافة إلى الوقت يساوي الزمكان، إذ إن الأبعاد الثلاثة المعروفة، وهي: الطول والعرض والارتفاع إضافة إلى الزمن.  

 

 حتى القرن العشرين، كان يُفترض أن الهندسة ثلاثية الأبعاد للكون (تعبيرها المكاني من حيث الإحداثيات والمسافات والاتجاهات) مستقلة عن الزمن أحادي البعد، إلى أن جاء ألبرت أينشتاين بفكرة الزمكان جزءا من نظريته النسبية، الذي اعتمد البعد الرابع ليمثل اللبنة الأساسية في النظرية النسبية لآينشتاين، التي شجعت الكثير من الباحثين والعلماء لدراسة وتطوير الظواهر الكونية الفيزيائية التي يمثل الزمن فيها محورا خطيا من وجهة نظر رياضية. بمعنى آخر، فإن البعد الرابع صار ممثلاً على الإحداثي الرابع لفضاء رباعي الأحداث فضاء زمكاني. قبل ذلك، كان للعلماء نظريتان منفصلتان لشرح الظواهر الفيزيائية: الأولى وصف إسحاق نيوتن لقوانين الفيزياء وحركة الأجسام الضخمة، بينما الثانية أوضحت النماذج الكهرومغناطيسية لجيمس كليرك ماكسويل خصائص الضوء. ومن أجل تحديد موقع ما في الفضاء، سنحتاج إلى الزمن، الذي يعد بعدا رابعا في المفهوم الرياضياتي، إضافة إلى الأبعاد الثلاثة المعروفة: الطول والعرض والارتفاع.

 

لذلك يمكن القول إن البعد الرابع الذي نتحدث عنه هو بعد مكاني؛ فالقطعة المستقيمة تمثل بعدا واحدا. والمثلث والمربع والدائرة تمثل أشكالا ذات البعد الثنائي، إذ يمثل البعد السيني والصادي أساسا لتصورها. أما المكعبات والأهرام والكرات فتمثل أشكالا ثلاثية الأبعاد كما هو معلوم في مادة الهندسة  في الرياضيات، فإنه من الضروري أن نتخيل الأشكال على أنها موجودة، ولنتخيل هذه الأجسام ذات الثلاثة أبعاد التي تعد أجساما ثنائية الأبعاد (مستويات) متراصة فوق بعضها لتشكل الأشكال المجسمة ذات الأبعاد الثلاثية. والشيء نفسه ينطبق علينا عندما نتمكن من تخيّل الأجسام ذات الأربعة أبعاد، إذ إن الأجسام الرباعية الأبعاد عبارة عن مجموعة أشكال (أجسام) ثلاثية الأبعاد فوق وجنب وخلف بعضها بعضاً. وهذه أشكال لأجسام وهياكل رباعية الأبعاد في عالم ثلاثي الأبعاد.

 

والجدير بالذكر أنه تبين لنا أن هنالك قصورا في فهم النظرية النسبية، حيث يرى بعضهم أن الزمكان هو النسيج الذي يتكون من ثلاثة أبعاد مكانية وبُعد زمني، لكن  في الحقيقة أن فهم وتصور آينشتاين هو وجوب التعامل مع  الأبعاد الأربعة على أنها جميعا من نفس النوع، وهنا تظهر مشكلة في النسبية، كيف يمكن لنا إذا اعتبرنا أن الزمن هو بُعد رابع بعد قياس كُلٍّ من الزمن والمسافات المكانية بنفس الطريقة؟

 

                                            

 

والمخرج من هذه المشكلة هو التماثل (Symmetry) بمعنى أنه رغم حدوث تغيرات في شيء ما؛ لكنها تتركه كما هو، يشبه الأمر أن ننظر إلى شكل محدد من أي موضع؛ أي من جميع الجهات فسنجده لا يتغير، إنه يبدو نفس الشكل في كل مرة، إذ لا يتغير شكله بالنسبة لك، هنا يمكن القول إن الشكل يمتلك تماثلاً من نوعٍ ما.

 

              altN=120-cell

 

وبناء على ما تقدم يمكن القول إن هندسة الفضاء الرباعي الأبعاد أكثر تعقيدًا من هندسة الفضاء الثلاثي الأبعاد؛ بسبب درجة الحرية الإضافية.



إرسال تعليق عن هذه المقالة