السنة 17 العدد 157
2022/07/01

 

الموارد الوراثية النباتية والقيمة المضافة والتتجير


 

د. علي بن حسين اللواتي، أستاذ مساعد

 

مركز أبحاث العلوم الطبيعية والطبية، جامعة نزوى

 

 

التنوع الأحيائي!

 

يضفي التنوع الأحيائي والموارد الجينية/الوراثية قيمة مالية واجتماعية واقتصادية وجمالية كبيرة لأي دولة. ومع ذلك، فإن هذه القيم ليست معطاة؛ ولكنها تعتمد على المدى الذي تمنحه العوامل التقنية والمؤسسية والبشرية، والقدرة على البحث العلمي وتعزيز محتوى هذه الموارد، وكذلك تحويل نتائج البحث العلمي إلى استخدام تجاري ومجتمعي. ومن ناحية أخرى، هناك أيضًا الاستنزاف المستمر للتنوع الأحيائي الذي يتضاءل ويلغي الفرص المحتملة لهذه الموارد.

 

تمتلك سلطنة عُمان ثروة نباتية هائلة ذات أهمية اقتصادية واجتماعية، منها للغذاء والزراعة، ومنها للمجالات الطبية وغيرها من الاستخدامات التي تصل إلى 1000 نوع من مجمل 1400 نوع. بالنسبة للنباتات الطبية هناك أكثر من 400 نوع منتشرة من شمال عُمان إلى جنوبه. وعملت الجامعات في السلطنة على إجراء بحوث علمية لمعرفة الخصائص الطبية لهذه الأنواع الطبية، وقد تكون وصلت إلى مئة بحث وأكثر، منها جامعة سلطان قابوس وجامعة نزوى وجامعة ظفار. وقد أضافت قيمة كبيرة من المعلومات والمعارف في هذه النباتات، إلا أن نتائج هذه البحوث لم تخرج إلى السوق أو لم يكن لها تحويل من المعرفة إلى اقتصاد أو تجارة يعود بالنفع للبلاد والعباد. بالإضافة إلى ذلك فما زالت هناك فجوات في دراسات الأنواع النباتية الطبية ذات الإمكانات القيمة، وطرحها على البحوث المستقبلية. ويتم الآن استخدام التطورات الحديثة في التكنولوجيا الأحيائية، مثل: علم الجينوم والمعلوماتية الأحيائية، للتغلب على المشاكل المرتبطة بالتطوير التجاري للمنتجات النباتية الطبية الجديدة.

 

 

رؤية عمان 2040

 

حان الوقت الذي ينتقل فيه الاقتصاد والمجتمع من مرحلة الاعتماد على الموارد (الناضبة) إلى مرحلة الابتكار والمعرفة، (رؤية عمان 2040)؛ لذا كان من أهداف التوجه الاستراتيجي للبحث العلمي في الرؤية، تطوير منظومة وطنية فاعلة للبحث العلمي والإبداع والابتكار تسهم في بناء اقتصاد المعرفة. ومن أولويات السلطنة في العقدين القادمين أن يكون هناك اقتصاد متنوع ومستدام قائم على التقنية والمعرفة والابتكار، أطره متكاملة وتنافسيته متحققة، مستوعب للثورات الصناعية، ويحقق الاستدامة المالية. 

 

ويعد التنوع الأحيائي والموارد الوراثية من الموارد الطبيعية التي قد تستغل بكفاءة وتستخدم بطرق مستدامة في تنويع الاقتصاد الوطني ودعمه. في هذا المقال سأتحدث عن كيفية تحويل المعرفة القائمة على النباتات الطبية في عمان موردا طبيعيا إلى قيمة اقتصادية للسلطنة. وبالذات سأركز على مخرجات البحث العلمي من مراكز البحوث والمؤسسات الأكاديمية.

 

 

تتجير الابتكار والملكية الفكرية من مخرجات البحث العلمي في مجال النباتات الطبية

 

معروف لدى الجميع أن أغلب طبيعة مخرجات البحث العلمي غير تجارية؛ إذ إن Commercialization هي الوسيلة التي تحولها إلى تجارية. فمفهوم Commercialization وترجمتها باللغة العربية (تتجير، توجرة، أتجرة) الذي يأتي بمعنى تحويل الشيء غير التجاري إلى تجاري، هو أمر غير حاضر بوضوح ومنهجية واضحة في مؤسساتنا البحثية والأكاديمية. فمثلا أغلب المؤسسات الأكاديمية تقيّم بجودة مخرجاتها العلمية، سواء أكانت أعداد الخريجين أم منشورات علمية. ولكن هذه المؤسسات حاليا لا تأخذ من الملكية الفكرية والابتكار أحد عناصر تقييمها. فمثلا تحتاج أن يكون لديها ملف لبراءات الاختراع وتفعيل هذه البراءات وقدرتها على تحقيق عوائد من طريق تتجيرها.

 

إن الاستثمار في براءات الاختراع والابتكارات قرار استراتيجي لابد أن يندرج مع الاستراتيجيات العامة للمؤسسات والدولة، إذ إن عدم القدرة على تتجير براءات الاختراع ناتجة عن الانفصال ما بين الباحثين والصناعة والمجتمع؛ فلذلك يجب التركيز على إنشاء براءات اختراع متسقة مع نمط الإنتاج المطلوب من القطاع الصناعي سواء المحلي أم الدولي.

 

المؤسسات الأكاديمية والبحثية التي لها مخرجات من بحوث النباتات الطبية يجب أن يكون معها وحدة للتسويق والاستشارات، وهذه الوحدة بدورها ستحدد المشاريع المشتركة وفرص الاستثمار وتأمين الدعم لتطوير مخرجات البحث العلمي، وفي الوقت المناسب، تحقيق الدخل من منتجات أبحاث النباتات الطبية. وقد تكون مثل هذه الوحدات أو الأهداف ضمن مراكز نقل التكنولوجيا في بعض الجامعات الوطنية في السلطنة. وتتجير مخرجات البحث العلمي له مردود في استدامة المراكز البحثية والمؤسسات التي تحتضنها في الرفد بالموارد المالية المناسبة لديمومتهم. بالإضافة إلى إسهاماتها في الاقتصاد الوطني.

 

كما أن  على المراكز البحثية والأكاديمية لتنسيق أنشطتها التجارية التخطط لإنشاء شركات مرتبطة بها يتم منها إدارة الدخل التجاري. وسيتم استخدام الأرباح الناتجة عن مثل هذه الأنشطة لدعم أنشطة البحوث والتشغيل في تلك المراكز، وإجراء المناقشات مع الضامنين والشركاء لوضع آليات لاقتناء الملكية الفكرية وتسويقها لاحقًا؛ إذ تتعلق الملكية الفكرية بنتائج الأبحاث التي أنجزتها مخرجات البحث العلمي و / أو من طريق التمويل الخاص. وستضع المراكز البحثية والأكاديمية استراتيجية للتسويق والملكية الفكرية التي تفي بمتطلباتها والضامنين وشركاء البحث والجهات الراعية. ومن المهم جدا أن يدخل القطاع الخاص سواء المحلي أم الدولي في مجال البحوث على النباتات الطبية، بحيث يكون من المستقبلين لنتائج البحث ومكمل لمشوار التطوير التجاري. 

 

وفي الختام، إنني أشدد على أهمية البحوث العلمية على النباتات الطبية من أجل الاستخدام الأفضل للموارد الوراثية النباتية، لا سيما تلك التي توفر فرصًا واعدة للتنمية بسبب أهميتها المحلية والعالمية، وأيضًا إمكاناتها التجارية، التي لم يتم تناولها بشكل كافٍ من قبل المجتمع العلمي المحلي سواء من طريق البحث، أم من الدعم الحكومي أم الخاص. 

 

إرسال تعليق عن هذه المقالة