السنة 17 العدد 157
2022/07/01

 

فضاء روحي يجمع الذكريات المشرقة والطموحات الدارجة


 

إشراقة: ذكريات خريج

 

الحسين بن حمود بن سعيد الصارخي، نشأ في محافظة الظاهرة في ولاية عبري؛ مدينة فيها من عبق الماضي وروح الحاضر، يقول فيها: "وإذ يتسارع بنا الزمن والتقدم، إلا أننا لا نجد سعادتنا، ونقاء أيامنا إلا في أكتافها، حيث اعتدت منذ الصغر على حفظ الأشعار النبطية والأدبية وقراءة القرآن الكريم وحفظه، ولا شك أنه هو الداعم والسبب الأول في إكمال مسيرتي العلمية بعد المدرسة والتحاقي بالجامعة، إذ لا يخفى عليكم إن فرض علينا الوقت وجدّ بنا الأمر أن نترك أيامنا ومكاننا في تحقيق غاية تسمو بنا وتشرق بها أيامنا". الصارخي خريج في جامعة نزوى من قسم اللغة العربية لكلية العلوم والآداب، يحل على إشراقة ضيفاً نسترجع معه ذكريات خريج درس وتعلّم وعاش في كنف الجامعة.

 

مع العسر يسران

 

يصف الحسين بداياته في جامعة نزوى قائلاً: "بعد تسارع وتيرة الأيام، التحقت بجامعة نزوى وهنا كانت البدايات المكللة بالعزيمة، والقوة والمثابرة، إذ فيها من الخوف تجاه المستقبل المجهول، وفيها من شعور الحلم الذي يترنم بداخلنا، وننهل من قوة الأيام صبراً وروحاً تعانق السحاب لنصل إلى ما نرجو إليه بمشيئة الله". ويضيف: "لكل بداية فيها من العثرات التي تعكر صفو الأيام، وتمنحك من عزم الأمور قوة وحلماً، ولكن سرعان ما تبددت وتلاشت بكل ثقة ويقين تام بأن نصل إلى ما نصبو إليه من نجاح وطموح. وقد أمضيت رحلتي الجامعية في الاطلاع والبحث، وقراءة الكتب تارة، وكتابة المقالات تارة أخرى، حتى ارتسم الحلم وشعاع الأمل فتخرجت بامتياز في تخصص اللغة العربية؛ متحدياً تلك الصعوبات بتوفيق من الله، ولم يكن هذا الحلم فقط الذي وددت تحقيقه، بل ما هو أفضل وأجمل بأن أكمل الدراسات العليا، فبذلت قواي. الآن أنا على مقاعد الدراسة بجامعة نزوى أدرس تخصص ماجستير نقد حديث في قسم اللغة العربية بكلية العلوم والآداب … نسأل الله التوفيق والسداد". 

 

سعي مشروع

 

(نافذة الأمل)، اختاره الصارخي ليكون عنوانا لرحلته طالبا للعلم في جامعة نزوى، يقول عنها: "كانت البدايات مشرقة وجميلة جداً، لاسيما أنها ارتبطت بحلم كنت أسعى لتحقيقه؛ فدراستي في هذه الجامعة كانت أحد الأهداف التي جعلتها نصب عيني ثم سعيت جاهداً للوصول إليها، وبفضل الله وصلت وانطلقت بحب وشغف وهمة تناطح القمة، إلا أن أحد الصعوبات التي واجهتني قد كدرت صفو تلك البدايات، ولكن كانت غيمة سوداء سرعان ما تلاشت وتبددت بفضل الله تعالى؛ لتكون بعدها نقطة تغيير جذري في مسيرتي الدراسية، لأبدأ مشواراً آخر مكللا بالنجاح والتوفيق والتيسير، ومن أهم الصعوبات التي واجهتني هي دراسة تخصص الترجمة؛ إذ كنت أعاني من ضعف كبير في لغة الترجمة، وربما يعود الأمر لشعوري بعدم الرغبة في هذا التخصص؛ لذا لم أستطع أن أحرز تقدماً واضحاً فيه؛ مما دفعني لتغيير خط سيري لألتحق بعدها بتخصص اللغة العربية الذي أعادني لتلك البدايات المشرقة، فازددت به إشراقاً وانطلاقاً وهمةً حتى لحظة وقوفي على عتبات التخرج، حين ارتسمت البسمة على وجهي وعانقت السعادة فضاء روحي وعدت إلى الوراء، لأتذكر كل السنين التي مضت بحلوها ومرها وصعوباتها وتحدياتها، التي زادتني قوة وصبرا وعزماً أنطلق بها لأحقق ما استطعت تحقيقه اليوم بفضل الله، وقد حققت الكثير من الإنجازات طوال رحلة دراستي، منها على سبيل المثال لا الحصر مشاركتي في معهد الضاد لتدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها، كما كنت إسنادا إداريا في مركز الخليل بن أحمد الفراهيدي للدراست العربية والإنسانية، ثم إسنادا إداريا في كلية العلوم بقسم الدراسات والتربية الإنسانية".

 

عماد العطاء والوقار

 

تحدث الحسين مجيباً عن سؤال عن الإضافة الحقيقية التي تلقاها من جامعة نزوى إلى جانب التعليم الأكاديمي، قائلا: "نحن نعلم أن جامعة نزوى لها مكانة علمية وثقافية مرموقة؛ لذا يحلم الكثير من طلبة العلم بالالتحاق بهذا الصرح العلمي البهيج، لاسيما أن الطاقم التدريسي به أساتذة رواد متضلعين في علومهم وفنونهم كل حسب تخصصه؛ لذا أضافت لي هذه الجامعة مكانة علمية وثقافية في مجتمعي، وتعرفت فيها على أشخاص كانوا لي خير معين في مسيرة دراستي، كما تلقيت التعليم على يد روادها، واكتسبت منهم القيم والأخلاق والتواضع رغم الوفرة العلمية التي يمتلكونها، وقد كانوا خير مثال في حسن التعامل مع طلبتهم، هذا بالإضافة لاكتساب الخبرة في الإدارة والتدريس من طريق الإنجازات والمشاركات والأنشطة التي قمت بها في صرحها".

 

لا ينقضي شيء وأنت كل شيء

 

"عشنا سنوات بين جنباتها ننهل من معين العلم، وقد احتضنتنا وأغدقت علينا من صنوف المعارف وصقلت قدراتنا وخبراتنا ومعارفنا، كما أننا عشنا على أرضها أجمل الذكريات وكونا الصداقات ونهلنا العلم من رواد اللغة الذين أغدقوا علينا من علمهم، وتعلمنا منهم الكثير من الدروس في الحياة وفي الأخلاق، ولاشك بأننا وبعد مرور سنوات عدة على تخرجنا منها، نشعر بحنين يجذبنا إليها، وإلى أن نعود لنستقي العلم منها، وإلى أن نجتمع على أرضها بمن عرفناهم بها وجمعتنا بهم وأناروا طريقنا بعلمهم، وهنا أختصر حديثي بقول شاعرنا البهلاني:

 

تلك المعاهد ما عهدي بها انتقلت        وهن وسط ضميري الآن سكان"

 

لا شك أن هذه الكلمات تصف حجم الحنين الذي يراود الصارخي، والذكريات الجميلة التي تحرك وجدانه وترفع أحاسيسه عناء السماء، استطاع فيها التعبير عن مشاعره تجاه جامعة نزوى التي قضى فيها أجمل أعوام حياته … يا ترى، هل جميع الطلبة يرتبطون هكذا بدور العلم التي تتلمذوا فيها؟

 

مَن لا يُنسى! 

 

من الشخصيات التي ما زالت عالقة في ذهن الحسين الدكتور محمد الرواحي - رحمة الله عليه - فقد وصفه بأنه كان إنسانا ذا ثقافة عالية متضلعا في اللغة العربية، أيضاً الدكتور عبد المجيد بنجلالي رائدا في اللغة العربية استفاد منه الكثير، كذلك الدكتور سعيد الزبيدي، والدكتور القدير عيسى الحوقاني، وغيرهم من الأساتذة الكرام الذي أعطوا علما وفهما وخلقا، فهؤلاء -على حد وصفه- لا يمكن نسيانهم لما قدموه لنا من بحر علمهم، وهؤلاء الذين ألهموا وحركوا الهمم، فلهم كل الشكر والتقدير والدعوات الصادقة في ظهر الغيب؛ لذلك يقول: "علاقتي بالجامعة حاليًا ما زالت قوية، فما زلت طالباً أكمل دراسة الماجستير فيها". 

 

إنَّه قدرك

 

لقد أصبح الصارخي اليوم -بفضل الله ومنته- معلم لغة عربية، يقول: "وفي الوقت ذاته أقرأ وأدرس بهمة عالية وأرتقي بنفسي في سلم العلم، كما أنني أدرس الآن ماجستير تخصص نقد حديث وأسأل الله تعالى التوفيق في هذه الدراسة". وكونه أستاذا قائدا تربويا ومعلما، طلبنا منه توجيه إرشاد لطلبة العلم، قال فيه: "أنصح زملائي في الجامعة سواء في جامعتي هذه أم أي طالب علم في مرحلته الجامعية أن يحرصوا على طلب العلم بجد واجتهاد منذ سنتهم الأولى؛ ذلك لأن هذه السنوات ستمر سريعاً وستصبح عما قريب جزءًا من الماضي، ثم إن الفائز فيها من اغتنمها وجد واجتهد، والخاسر فيها من ضيعها بين لهوٍ ولعب، كما أنني أحثهم على اغتنام الفرصة بملازمة معلميهم وأخذ العلم منهم، بل والاستزادة منهم قدر المستطاع، وعدم الاكتفاء بالقليل؛ لأنهم البحر الذي ربما لن يتكرر، فليغترفوا منه ما استطاعوا، وكما يقول الإمام الشافعي:

 

أخي لن تنال العلم إلا بستةٍ                  سأنبيك عن تفصيلها ببيانِ

ذكاءٌ وحرصٌ واجتهادٌ وبلغةٌ                     وصحبةُ أستاذٍ وطولُ زمانِ

 

كما أنني أدعوهم ليعيشوا أيام دراستهم بجمالها، وأن يقدموا فيها أجمل ما يمكن أن يقدمه المرء للرقي بنفسه، ويترك أثراً طيباً وذكرى لا يمكن نسيانها في نفوس من هم حوله".

 

كلمة أخيرة …

 

كلمات رد الجميل دواء يتدفق بلسما يدخل من القلب إلى القلب، هي لحظات وفاء وعرفان بعد عطاء متبادل بين الطالب وجامعته، لا ريب أن الصارخي أجاد التعبير عنها هنا بقوله: "إنني أشعر بالفخر والاعتزاز كوني أنتمي لهذه الجامعة المعطاء، التي استطعت أن أحقق من طريقها ما أطمح إليه، ومن هنا أقول الحمد لله الذي وفقني لما استطعت أن أحققه حتى اليوم، ثم أقول شكراً لكل من علمني حرفا، وشكرا لكل من ساندني في مسيرتي الدراسية كلها، وشكراَ لكل من قدم لي النصح والمساعدة، وأخص بالشكر كل من أغدق علي من بحر علمه، وفي الختام أكرر عبارات الحمد والثناء لله بعد مضي سنوات على تخرجي استطعت فيها -بفضل الله- أن أحقق الكثير من الإنجازات، وأن أخدم أبناء مجتمعي ليكونوا مشاعل نور يُهتدى بهم من بعدنا يحملون الرسالة ويؤدون الأمانة".




إرسال تعليق عن هذه المقالة