السنة 17 العدد 156
2022/06/01

أخطاء البناء ... الأسباب والحلول


 

 

بقلم: الدكتور سعيد بن سيف المعولي

 

كلية الهندسة والعمارة

 

أخطاء البناء وتزايدها مشكلة عالمية ومحلية، ربما من المستحيل أو الصعب جدا إلغاؤها تماما؛ لكن يمكن تقليلها إلى أدنى مستوى ممكن بتطبيق المعايير الهندسية والمواصفات الفنية العالمية. ولا نبالغ إن قلنا إن أخطاء البناء في مجتمعنا العماني تتزايد بشكل ملحوظ وينعكس ذلك على كم القضايا المعروضة ونوعها  في المحاكم المتعلقة بمجال البناء، ويرجع ذلك إلى كثير من الأسباب نوجزها فيما يأتي: 

 

  1. عدم وجود كود عماني موحد تتبناه الجهات التنفيذية والرقابية في الدولة يجعل عملية البناء والإشراف عليها يخضع لاجتهادات المهندسين والمقاولين المختلفين في إمكانياتهم العلمية والثقافات التي جاؤوا منها.

 

  1. تداخل الصلاحيات وعدم وضوحها بين أطراف البناء الثلاثة: المالك والاستشاري والمقاول؛ بحيث يتدخل كل طرف في صلاحيات الآخر؛ فمثلا المالك عادة هو الذي يفرض نفسه وقد يكون غير متخصص أو لا يملك الكفاءات التخصصية التي تساعده في اتخاذ القرار الفني الصحيح، فقد يظن أحيانا أن قرار الاستشاري مبالغ فيه ويكلفه مبالغ إضافية هو في غنى عنها؛ فيتجاوز تعليمات الاستشاري ويوجه للمقاول تعليمات مغايرة لا يقدر عواقبها. وقد يكون التقصير من الاستشاري فيقصر في متابعة المشروع ولا يقف على جميع مراحله بدقة؛ نتيجة لقلة الأجور التي يحصل عليها بسبب التنافس في السوق وعدم تفهم الكثير من الملاك لأهمية دور الاستشاري. وقد يكون التقصير من المقاول لعدم اتباعه تعليمات الاستشاري والمالك. وللأسف العلاقة السائدة بين هذه الأطراف غالبا ما تكون علاقة تضاد وتناكف بدلا من علاقة التسامح والتعاون غير المخل التي أوصى بها ديننا الحنيف في الحديث الشريف (رحم الله رجلا سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى) أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

 

  1. عدم وجود عقود معيارية لكثير من الأعمال الإنشائية الخاصة، ففي حين تتبع المشاريع الحكومية نموذج العقد الموحد العماني، وتتبع بعض المشاريع النوعية الضخمة عقود الفيديك أو الجي سي تي، نجد أن معظم المشاريع الخاصة لا توقع أي عقد أو توقع عقدا بسيطا لم يصغه مهندس متخصص في العقود.

 

  1. غياب التخصصية في كثير من الأعمال الهندسية، فنجد المعماري يقوم بدور المهندس الإنشائي، ونجد المقاول الذي ينفذ جميع الأعمال ولا يعترف بقصوره في بعض الجوانب. مع العلم أن الحياة المدنية تتوسع بطريقة متسارعة، ويواكب ذلك تشعب التخصصات واستحداث تخصصات دقيقة، فلم يعد المهندس المدني (السوبرمان) الذي يقوم بكل شيء قادر على مواكبة هذا التشعب، فنحتاج إلى مهندس تخطيط ومساحة، ومهندس إنشائي متخصص في دقة الحسابات الإنشائية، ومهندس له خبرة وباع في التنفيذ، ومهندس معماري يبدع في التصميم المعماري، وغير ذلك من التخصصات الدقيقة. 

  2. خفض الأجور المخصصة للمهندسين الاستشاريين في السوق العمانية نتيجة إغراق السوق بالوافدين من دول معينة تنخفض فيها الأجور، وينعكس ذلك عادة على مستوى وجودة الخدمة الهندسية المقدمة.

 

وعموما الأسباب كثيرة ومتشعبة، ولا ندعي في هذا المقال المختصر حصرها، لكن حسبنا أننا نلفت إليها نظر المتخصصين وصناع القرار في الجانب الإنشائي.

 

أما الحلول المقترحة لتقليل ظاهرة تزايد أخطاء البناء نوجزها فيما يأتي:

 

  1. الإسراع في استحداث الكود العماني الذي طال انتظاره، وتسخير الإمكانات المالية والبشرية لذلك في مدة زمنية وجيزة، إذا أردنا أن نكون في مصاف الدول المتقدمة علميا وتقنيا، وحتى يتم ذلك ينبغي على الجهات المسؤولة مثل قطاع البلديات بوزارة الداخلية وضع معايير فنية للاسترشاد بها، وإلزام جميع المهندسين والمقاولين للالتزام بها، وفرض عقوبات على المخالفين مع ما يواكب ذلك من توسيع وتطوير الكفاءات الهندسية العاملة في البلديات؛ لتتمكن من التطبيق الدقيق لهذه المعايير.

  1. وضع توصيف دقيق لجميع المهن الهندسية التي تقوم به الجهات المعنية؛ بحيث ينتفي الغبش في تصور الفرق بين المهندس المعماري ومهندس التخطيط والمساحة ومهندس الطرق ومهندس المياه والمهندس الإنشائي، وتوزيع هذا التوصيف على الجهات الحكومية والمحاكم والمكاتب الاستشارية وشركات المقاولات وغيرها، وتكليف وزارة العمل بمتابعة تنفيذ هذا التوصيف والتقيد به.

  2. تعمين المهن الهندسية في جميع الجهات الحكومية والمكاتب الاستشارية وفق خطة زمنية قصيرة المدى.

  3. وضع عقد موحد للأعمال الصغيرة، وإلزام جميع الملاك والشركات للعمل به. 

  4. توجه وزارة العمل مع غرفة تجارة وصناعة عمان لإضافة شرط التفرغ إلى من يريد فتح نشاط مقاولات بناء، وأن يكون حاصلا على دبلوم هندسة حدا أدنى تفاديا للعشوائية الحاصلة عن عدم تخصص المقاولين.

  5. وضع معايير دقيقة للحد الأدنى لأجور المهندسين حسب مؤهلاتهم وخبراتهم؛ كي تسهم في رفع جودة الإشراف الهندسي الفعال. 
  6. ينبغي قدر الإمكان أن تكون العلاقة التعاقدية بين الأطراف الثلاثة مبنية على قاعدة (فوز وفوز) وليس (فوز وخسارة)، وأن يكون التسامح غير المخل هو السائد بينهم، والابتعاد عن الشكاوى الكيدية التي تنغص على الجميع وتسبب تأخير المشروع وربما وقفه مع ما يواكب ذلك من خسارة الوقت والجهد والمال.

 

وهناك حلول كثيرة لا يتسع المقام لبسطها … عسى أن يتبعه مقال آخر لمناقشة بعض الأخطاء الفنية التفصيلية مع حلولها المقترحة .





إرسال تعليق عن هذه المقالة