السنة 17 العدد 155
2022/05/01

بين التحديات المادية وإجراءات دور النشر الحكومية 

 

الترجمة ...  البوابة الموسعة للولوج لثقافات الشعوب 


 

 

عمر عثمان جبق:

العرب مطالبون بترجمة الأعمال الأدبية والعلمية العربية إلى اللغات الحيّة

هناك قصور لدى دور النشر الخاصّة في تنويع مشاريع الترجمة

الجانب المادي هو أكبر عائق يواجه مشاريع الترجمة 

 

حوار: إشراقة

 

عمر عثمان جبق، سوري الجنسية، يحمل شهادة الدكتوراة في الترجمة التحريرية والترجمة الشفوية. يعمل في جامعة نزوى، كلية العلوم والآداب، قسم اللغات الأجنبية منذ مطلع العام 2021 برتبة أستاذ مساعد، كما يعمل مترجما حُرّاً من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية والعكس منذ أكثر من خمس وعشرين سنة، بالإضافة إلى كتابة الشعر باللغة الإنجليزية، ولديه ديوان منشور عنوانه: Blessings in Disguise يضم حوالي سبعين قصيدة إنجليزية.

 

 

يعمل على شاكلته …

 

يصف الدكتور عمر جبق طقوسه التي ينطلق منها عندما يشتغل على أي عمل مترجم، قائلا: "أقوم بالاطلاع على العمل المطروح للترجمة اطلاعاً دقيقاً قبل الشروع في الترجمة. وكما هو معروف هناك نوعان من مشاريع الترجمة: مشاريع يختارها المترجم بنفسه، حسب ميوله واهتماماته وأهمية موضوعاتها، ومشاريع يُطلب من المترجم ترجمتها، وفي هذه الحالة يكون المترجم أمام خيارين، هما: قبول تلك المشاريع أو رفضها. إذا كان المشروع ترجمة كتاب أقوم بقراءة الكتاب الأصل قراءة متأنية أتمكن منها فهم موضوع الكتاب والاطلاع على أسلوب المؤلف وتراكيب النص ومفرداته. ثم أبدأ -على بركة الله- بإنتاج المسوّدة الأولى للترجمة بمعدل يومي يتراوح بين 10 إلى 15 صفحة مترجمة، وأحاول أن أجد لنفسي مكاناً هادئاً بعيداً عن المشتتات والضجيج، وأعكف على الترجمة في هذا المكان في أوقات مختلفة من اليوم بحيث لا تزيد الجلسة الواحدة على ساعتين وبمعدل ثلاث إلى أربع جلسات يومية. بعد الانتهاء من المسوّدة الأولى للترجمة أقرؤها وأقارنها بالنصّ الأصل مرّتين أو ثلاث مرّات وأكثر، وفي كل مرة أقرؤها أجدّ أخطاء وسقطات وهفوات هنا وهناك على مستوى المفردات، وأحياناً أعيد صياغة بعض الجمل والتراكيب في أثناء المراجعة بغية تجويدها وتبسيطها للقارئ. وفي بعض الأحيان عند ترجمة مشاريع لأشخاص أضطر للتواصل معهم للاستفسار عن بعض المفردات والعبارات، وأحياناً يكون التواصل معهم بغية تنبيههم إلى بعض الأخطاء اللغوية في النص الأصل من باب الأمانة العلمية". 

 

مفاضلة واقعية

 

للدكتور جبق ترجمات أدبية كثيرة … رفعت حصيلته ليكون حاضرا بين أدب الشرق وأدب الغرب؛ فماذا لو قارننا بين مكانة الأدبين في ميزان واحد؟ يقول الدكتور عمر في ذلك: "ما يميّز الأدب العربي وغيره من الآداب الأجنبية اشتراكها بسمات عامّة توحّدها على اختلاف لغاتها وألسنة مؤلفيها؛ تتمثّل في الموضوعات الإنسانية التي تطرحها واللغة الأدبية المليئة بالصور البيانية والمحسّنات اللفظية والبلاغية وغيرها من الجوانب الجمالية للأدب. وقد قمت بترجمة بعض المسرحيات والروايات العالمية من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية، ولمست هذه الجوانب فيها، واطلعت على بعض الترجمات الإنجليزية لبعض الأعمال الأدبية العربية ولاحظت ذلك أيضاً. ويلاحظ أن ترجمة الأعمال الأدبية العربية إلى اللغات الحيّة الأخرى أقل بكثير من ترجمة الأعمال الأدبية الأخرى، لاسيما الأدب الإنجليزي، إلى اللغة العربية، ربّما لأنّ اللغة الإنجليزية قد أصبحت لغة العلم والتكنولوجيا والأبحاث العلمية في العالم".

 

تنبيه مهم

 

كانت الترجمة، وما تزال، رافداً مهماً وقوياً للمكتبات في شتى أرجاء المعمورة وفي شتى ميادين العلم والمعرفة؛ لذا عرفنا تاريخ الأمم من طريق الترجمة. تشير قراءة الدكتور جبق في سياق أهمية الترجمة في تاريخ المكتبات ودور النشر بقوله: "أعتقد أنّ هناك قصوراً واضحاً لدى دور النشر، الخاصّة منها على وجه التحديد، في تنويع مشاريع الترجمة، إذ تكاد تكون شبه محصورة في ترجمة أعمال أدبية فقط دون المراجع والكتب العلمية والفلسفية والاجتماعية وغيرها من المجالات، وقد تكون في معظمها من اللغات الأجنبية، لاسيما اللغة الإنجليزية، إلى اللغة العربية. هناك بعض الإحصاءات الرسمية في بعض البلدان العربية تثبت هذه الحالة، ولابد لنا نحن العرب من تصدير بعض الأعمال الأدبية والعلمية العربية إلى اللغات الأخرى الحيّة من طريق الترجمة، بغض النظر عن العوائد المادية المتوقّع جنيها في القريب العاجل، وإلا فلن نجد لمستنا الخاصّة وهويتنا وأثرنا الثقافي في العالم بعد فترة وجيزة من الزمن".  

 

 

وظيفة النص

 

إلى أي مدى يمكن أن يعيد المترجم اختراع النص وابتكار ما يثريه دون خروج عن السياق؟ طرحت إشراقة في حديثها مع ضيفها هذا السؤال، الذي أكد بدوره على أن المترجم وسيط لغوي وثقافي بين لغتين وثقافتين مختلفتين، وعندما يترجم يحاول نقل المعنى المقصود في النص الأصل بطريقته وأسلوبه الخاص مع الإبقاء على خواص النصّ الأصل اللغوية والثقافية قدر المستطاع. فمثلاً عند ترجمة إعلان تجاري من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية لابد للمترجم أن يحافظ على وظيفة النصّ الأصل في الترويج لسلعة ما أو خدمة ما من طريق لغة تحاول إقناع القارئ والزبون باقتناء السلعة أو طلب الخدمة. وهكذا الحال مع أنواع النصوص الأخرى؛ فلكل نوع من النصوص وظيفة ما ولغة ما تخدم تلك الوظيفة، وعلى المترجم المحافظة على هذين الأمرين في أثناء نقل المعنى إلى اللغة المنقول إليها.

 

هواجس الترجمة 

 

أكبر عائق أمام الترجمة هو العائق المادّي والمردود المادّي؛ فالمترجم والعميل ودور النشر همّهم الأوّل المردود المادّي المالي من الترجمة وليس نشر المعرفة والعلوم بلغات حيّة أخرى. وهناك عائق آخر يتمثّل في المراحل الإجرائية الرسمية لدى دور النشر الحكومية المتّبعة في التقدّم لمشاريع ترجمة كتب وتحكيم الترجمات، وأخيراً دفع مستحقات الترجمة للمترجّم، وأنا هنا أتكلّم من واقع تجربة شخصية مع بعض دور النشر الحكومية، إذ تستغرق مدّة ترجمة كتاب متوسّط الحجم أقل من سنّة ثم تخضع الترجمة إلى تحكيم وعرض على لجان الجودة وهذا يستغرق حوالي سنة أخرى، وبعد قبول الترجمة والأخذ بملاحظات المحكّمين (وبعض الملاحظات ليست في محلّها وخاطئة) والعرض على المجالس العلمية وإقرار مكافأة الترجمة أو المبلغ المحسوب، تستغرق عملية دفع أتعاب المترجم حوالي سنتين!! هذا الأمر يدفع الكثيرين، وأنا منهم، للتفكير مليّاً قبل التقدّم بمشروع ترجمة كتاب أو عمل أدبي أو مرجع علمي إلى دار نشر حكومية، وغالباً ما نصرف النظر عن التعاون مع دور النشر الحكومية لهذا السبب. ومع دور النشر الخاصّة أعتقد الأمر أكثر تعقيداً وإجهاداً وأقلّ أجراً للمترجم. وإن ترجم المترجّم عملاً ما وراح يعرضه على دور الترجمة أو دور النشر فسيتعرّض لابتزاز مادي وغير مادي حتى تُنشر ترجمته! ومع ذلك ظهرت دور نشر عالمية وعربية رقمية تقوم بالنشر المجاني والتصريف حسب الطلب، ولكن بمردود مادّي قليل نوعاً ما للمترجم أو المؤلف، ولكنها تبقى خياراً مقبولاً وغير مكلّف للمترجم، وعلى المترجم الذي يترجم لحسابه الخاصّ في هذه الحالة أن يحصل على موافقة خطية من دار نشر الكتاب الذي ينوي ترجمته ويدفع تكاليف تلك الموافقة التي تصل إلى ألفي دولار أمريكي أحياناً أو أكثر حسب نوع الكتاب وحجمه ومعايير وشروط تلك الدار. وهناك عائق آخر مرتبط بالعائق الماديّ نوعاً ما وهو عدم تفرّغ المترجمين تفرغاً كاملاً للترجمة، مما لا يتيح لهم زيادة إنتاجهم من الترجمة في مختلف التخصصات والمجالات. فعلى سبيل المثال المترجمون الأكاديميون الذين يدرّسون في الجامعات، وهم الأغلبية تقريباً، لديهم وظائف بدوام كامل تأخذ جُلّ وقتهم وترهقهم جسدياً وفكرياً ونفسياً. فلو أنهم تفرّغوا للترجمة فقط لأسهموا في نقل الترجمة العربية نقلة كمية ونوعية لا مثيل لها، ولعادت أمجاد حركة الترجمة العربية في العصور الوسطى من جديد.

 

التجديد أم الابتكار

 

ماذا يمكن أن يخسر النص إن ترجم إلى لغاتٍ أخرى؟ يقول الدكتور عمر مجيبا عن هذا التساؤل: "إذا كانت الترجمة معنية بنقل المعنى إلى لغة ثانية في المقام الأول، فإن النص الأصل لن يخسر أي جزء من المعنى في حال تمكن المترجم من نقل المعنى المقصود إلى اللغة المستهدفة بدقة. ولكن قد يقل الأثر الذي يتركه النص المترجم في القارئ المستهدف عن الأثر الذي يتركه النصّ الأصل في جمهوره أو قرّائه، أو قد يزيد حسب براعة المترجم وتمكّنه من جماليات اللغة المترجم إليها وفنونها وسحرها". ويضيف: "المترجم مُقيّد بنقل المعنى المقصود في النصّ الأصل إلى لغة ثانية، ولكن يستطيع أن يعبّر عن المعنى بأسلوب شائق يُظهر جماليات اللغة المترجم إليها وبلاغتها التي تلامس إحساس القارئ وذوقه اللغوي. ولعل هذا يدفع بعضهم إلى إطلاق مسمّى (مؤلف مُبدع أو مُبتكر) على المترجم إذا ما نجح في نقل المعنى إلى اللغة الثانية بأسلوب جميل يعكس جمال اللغة المترجم إليها وسلاستها وبلاغتها وسحرها، فقليل من يتقنون فنّ الكلام والتعبير بدقّة عما يدور في خلدهم، فكيف إذا كان الأمر يتعلّق بالتعبير عمّا يدور في خُلد غيرهم وبلغة مختلفة؟! أفلا يُعدّ ذلك إبداعاً وابتكاراً؟!

 

مشاريع قادمة

 

تعمل مجموعة من الطلبة في مقرر الترجمة الأدبية في هذا الفصل الدراسي على ترجمة مجموعة قصصية عُمانية إلى اللغة الإنجليزية تحت إشرافي، وسأقوم بمراجعة الترجمة مراجعة دقيقة بإذن الله، وسنعمل على نشرها في صيف هذا العام عملا جماعيا يحمل أسماء كل الطلبة المشاركين به، مع الإشارة إلى جامعة نزوى الصرح الأم الذي يحتضن هؤلاء الطلبة ويقدّم لهم كل أنواع التشجيع والتحفيز والدعم. وبخصوص أعمالي الشخصية ومنها الترجمة، هناك زاوية لي في مجلة فكر الثقافية، وهي مجلة سعودية فصلية أنشر فيها ترجمات عربية لمراجعات كتب علمية وثقافية إنجليزية متنوعة ومقالات فكرية منذ عام 2015. وهناك نشاطي البحثي المستمر الذي أحاول فيه نشر ما لا يقلّ عن بحثين علميين في مجلات عالمية محكّمة؛ بهدف نشر أبحاث تطبيقية ونظرية في مجال الترجمة والسعي نحو الترقية الوظيفية. 

 

إرسال تعليق عن هذه المقالة