بين عزلة وتميّز …
إشراقة تنبش ذاكرة المحفزّ الأول وتصل الموصول
إشراقة: ذكريات خريج
تبقى الجامعة في ذكريات الخريج، تترجمها مواقف وأحاسيس ولحظات تعيش مع الطالب طوال فترة دراسته، قد يزول بعضها بالنسي أو التناسي، ولكن محطات منها تبقى محفورة للأبد مهما حدث. إشراقة أتاحت هنا لنهاد بنت سباع العامرية، الفرصة لبث رائحة أزهارها التي نمت في تلك السنوات الذهبية؛ حتى غدت حقلا أخضر يانعاً.
نهاد العامرية من سكّان ولاية إزكي، التحقت بجامعة نزوى عام 2014م، وتخرجت فيها بدرجة البكالوريوس تخصص ترجمة لغة إنجليزية في كلية العلوم والآداب في العام الأكاديمي 2021/2022م. كانت بداياتها الأولى محفوفة بالصعوبات في الانخراط بالمجتمع الجامعي وتكوين معارف وصداقات؛ وذلك بحكم شخصيتها الانطوائية على حدِّ وصفها. استمر هذا الحال مدة 3 سنوات حتى أتى الفرج عام 2018م حينما انضمت إلى نادي فحوى للقراءة، الذي كان حديث العهد آنذاك؛ فقد شكّل ذلك لها نقطة تحوّل فارقة صنعت لها شخصية للأفضل؛ بعد أن استطاعت الاندماج في المجتمع الجامعي.
لحظة فارقة
في حقيقة الأمر لم تأفل شمس الصعوبات عن مختلف محطات العامرية في أثناء فترة الدراسة، سواء أكانت صغيرة أم كبيرة، متعلقة بالأنشطة والفعاليات أم بالجانب الأكاديمي أم حتى في مجال تواصلها مع المحيط البشري بالجامعة. بيد أنّ اختيارها لتخصص لا ترغب فيه كان أكبرها؛ ولكن بعد جهد جهيد ومثابرة وإصرار نجحت في تغيير تخصصها لتأخذ المجال الذي تريده.
وضع نادي فحوى نهاد العامرية على خارطة الطريق الصحيح؛ إذ أخذ بيدها للدخول في مجال أنشطة الجماعات الثقافية والتعليمية، فقد كانت البداية بمشاركتها في مسابقة اللجنة الوطنية للشباب، ثم انطلقت ممثلة للنادي -كونها مسؤولة عن اللجنة الإعلامية- للمشاركة في أنشطة النادي داخل جامعة نزوى وخارجها، بالإضافة إلى مشاركتها في عدد من الفعاليات والمسابقات القرائية والثقافية المتنوعة. وتعد العامرية من المؤسسين الأوائل للنادي، الذي استطاع الإبداع في مجاله في تلك الفترة وما يزال على سابق عهد.
تصف نهاد الحياة الجامعية بأنها المرحلة التي تتعرف فيها على نفسك وذاتك، المرحلة الفاصلة بين حياة المدرسة والحياة ما بعد الجامعة؛ أي أنها نقطة التحول التي ستنقلك من شخص مراهق إلى شخص مسؤول وواعٍ. وعلى حد تعبيرها، تشير إلى أن المشهد الجامعي قادر على إفهام الإنسان بكينونة حياته وشخصيته ومعارفه؛ عبر تبصير الواقع واستشراف المستقبل؛ لذا تصنع سنوات الدراسة مفهوما وتغرس وعيا وتبعث رسالة لن يجدها المرء في أي مكان آخر … نعم ذلك الذي أضافته جامعة نزوى لنهاد إلى جانب التعليم الأكاديمي؛ لذا تحنّ إلى الحرم الجامعي كثيرا وخطتها المقبلة إكمال دراسة درجة الماجستير بمشيئة الله تعالى وتوفيقه.
بين البينين …
هناك شخصيات أو مواقف عالقة في ذهن أي طالب علم مهما بعدت الأيام أو قصرت، ربما يحن إلى سردها بين الفينة والأخرى استردادا للعبرة منها أو التسلية. ولنهاد العامرية موقف جميل لا ينسى خلق في نفسها وعياً محفزا؛ وذلك أنه في يومٍ من الأيام دار بينها وبين أحد أساتذتها حوار عبّرت فيه عن مشاعرها السابقة تجاهه، إذ كانت لا تطيق حضور دروسه بسببه شخصياً؛ ولكنّ عددا من النقاشات الفردية بينهما واستمرارا في تلقي المحاضرات والتفاعل مع متطلبات المقرر، دفعها لتغيّر نظرتها تماماً.
تضيف: "رد عليّ الأستاذ وقتها بقوله: الإنسان غالبا ما يكون بين خيارين اثنين، أحدهما صعب والآخر سهل؛ يكمن الصعب في تحليهم بالصبر وسعة الصدر حتى يتعرفوا حقاً على حقيقة الشخص الذي يتعاملون معه، بينما النقيض نجده في استسهال إصدار الأحكام والظنون على الآخرين. وقد نصحني بألا أكون من الصنف الأخير الذين بذلك يفوتون على أنفسهم أشياء عديدة قد تعينهم وتلغي حواجز وهمية وعقبات معنوية ومادية … وقد شكرته كثيرا على ذلك".
نقطة خالدة
إن علاقة العامرية بجامعة نزوى وطيدة تدفعها لزيارتها من وقت لآخر، تسترجع في تلك الزيارات تعاملاتها مع الأساتذة، وصلتها المتينة بنادي فحوى الذي ما تزال عضوة فيه حتى بعد تخرجها. هذه الحيوية أتاحت لها نشر أول كتاب من ترجمتها بحلول العام الجاري 2022م، والآن تشتغل على ترجمة كتاب آخر سينشر مطلع العام القادم بمشيئة الله؛ كي تتوالى النجاحات أكثر فأكثر مستقبلا.
إن الحياة الجامعية مرحلة الإبداع واستخراج الطاقات الكامنة لدى ناهد، مرحلة استطاعت أن تعيشها بحلوها ومرها؛ لأن الطالب لابد له من أن ينخرط في هذه البيئة بمختلف صعوباتها؛ كي يخلق له تجارب ومعارف ومواقف تصقل شخصيته وتصنع نجم اسمه في سماء المستقبل المشرق.