20 عاماً ترجم فيها ما يزيد على 25 كتابا من اللغة الألمانية …
أكاديمي وضع نصب عينيه نقل المعرفة في ميدان علم النفس الإكلينيكي
حوار: إشراقة
سامر جميل رضوان من مواليد السويداء في سوريا عام 1961، يحمل بكالوريوس علم النفس من جامعة دمشق عام 1983م. عُيّن معيداً في الكلية -تخصص الشذوذ النفسي (علم النفس الإكلينيكي)- في بداية عام 1984، ثم أوفد إلى ألمانيا للحصول على الدكتوراة في العام نفسه.
أعوام … وإحصاءات
يقول الدكتور سامر: "التحقت بعد دراسة اللغة بقسم علم النفس شعبة علم النفس الإكلينيكي وحصلت على الدكتوراة في شهر ديسمبر من عام 1989. في أثناء فترة الإقامة في ألمانيا تلقيت -بالإضافة إلى التعليم- تدريبات مختلفة في العلاج النفسي المتمركز في المتعالج والعلاج السلوكي وعلم النفس الطبي، وقضيت فترة تدريب في أحد المستشفيات النفسية وأجريت في الوقت نفسه الجانب التطبيقي من أطروحتي المتعلقة بمرضى اضطرابات نفسية ومرضى اضطرابات قلبية وظيفية".
ويضيف: "عملت بين عامي 1990 - 2000 في قسم الصحة النفسية في كلية التربية بجامعة دمشق، وترقيت عام 1998م أستاذا مشاركا، فيما حصلت على منحة هيئة التبادل الأكاديمي الألماني في العام 1996، كما شاركت في عدد من المؤتمرات المحلية والعربية والأجنبية. وبين عامي 2000-2008 التحقت للعمل في سلطنة عمان في كلية التربية بعبري (كلية العلوم التطبيقية فيما بعد). وعملت فيها رئيساً لشعبة علم النفس، ثم رئيساً لقسم الدراسات التربوية، بالإضافة إلى التدريس، وأسهمت في تلك الفترة بتنظيم عدد من الندوات وشاركت في ورشة توصيف مقررات كليات التربية وغيرها من الأنشطة".
بين التعليم والبحث
عام 2003م ترقّى الدكتور سامر إلى رتبة أستاذ في جامعة دمشق، وبين عامي 2008-2013 عمل أستاذاً في جامعة دمشق في قسم الإرشاد النفسي بكلية التربية، بالإضافة إلى تعيينه عضوا في المجلس الاستشاري السوري لبناء قدرات الدعم النفسي الاجتماعي والصحة النفسية في سوريا بإشراف المفوضية العليا للاجئين (الأمم المتحدة) والاتحاد الأوروبي والوكالة الألمانية للتعاون الفني والهلال الأحمر العربي السوري والهيئة الطبية الدولية ومنظمة الصحة العالمية وصندوق الأمم المتحدة للسكان، ووزارة الصحة والتربية ومجلس الصحة النفسية: يضيف على ذلك: "أسهمت في الإشراف النفسي على عمل المعالجين والمرشدين النفسيين العاملين في منظمات دولية متعددة، بالإضافة إلى التدريب والاستشارات النفسية لأمهات قرى الأطفال SOS بالتعاون مع المنظمة الدولية للهجرة. وفي عام 2013 التحقت بقسم التربية والدراسات الإنسانية بجامعة نزوى حتى الآن".
شغل الدكتور سامر رضوان منصب رئيس قسم التربية والدراسات الإنسانية مدة أربعة أعوام من 2013 إلى 2016م، ففي تلك الفترة نقرأ في سيرته الذاتية دوره الكبير في تنظيم المؤتمرين الثالث والرابع للقسم، اللذين كانا من المؤتمرات الناجحة على مستوى السلطنة والبلاد العربية بشهادة المشاركين إعداداً وتنفيذا ومضموناً.
يقول عن مشواره المهني: "أشرفت على عدد من رسائل الدكتوراة والماجستير في جامعة دمشق وجامعة نزوى، وأنا عضو استشاري وعضو هيئة تحرير في عدد من المجلات العربية والأجنبية المحكمة، ونشرت ما يزيد على 36 منشورا في مجلات عربية وأجنبية، بالإضافة إلى عشرات الدراسات النظرية والمقالات العلمية في مجلات عربية ومواقع إلكترونية".
نقل المعرفة
منذ أن التحق الدكتور سامر رضوان بسلك التعليم الجامعي لاحظ جوانب النقص الكبيرة في المعرفة التخصصية في مجال علم النفس الإكلينيكي والتخصصات القريبة منه في اللغة العربية، ولاحظ كذلك القصور في التمكن من المفاهيم الأساسية وغلبة التصورات الشعبية عليها –مع وجود استثناءات جيدة- يشير في سياق ذلك إلى الضعف الحاصل لدينا قائلا: "أكثر هذه كانت للأسف في المجال الجامعي عبر مقررات يتم تدريسها للطلبة لا تغني ولا تسمن ولا تزيد من الرصيد المعرفي والإنساني كثيراً، ومؤلفوها على صلة معرفية غير وافية بما يكتبونه، وقد وضعت نصب عيني أهدافاً تتمثل في نقل جزء من المعرفة المنظمة والمتوفرة في ميدان علم النفس الإكلينيكي. وقد أثمرت هذه الجهود في العقدين الأخيرين ترجمة ما يزيد على 25 كتابا من اللغة الألمانية، غطت ميادين علم النفس الإكلينيكي (العلاج النفسي وعلم النفس الإكلينيكي، والتشخيص وغيرها)، بالإضافة إلى تأليف ثلاثة كتب في الصحة النفسية والصحة النفسية في سن الطفولة والمراهقة والتشخيص النفسي، وهو الكتاب الأول من نوعه في اللغة العربية الذي يتناول موضوع التشخيص النفسي من منظور نفسي وليس من زاوية طبية نفسية كما هو شائع".
أتعلم من جديد!
يشتغل الدكتور سامر حالياً على إعداد كتاب في علم النفس المرضي Psychopathology، إذ لديه عددا من الكتب المترجمة والمؤلفة غير المنشورة بعد، بالإضافة إلى ذلك عمل -وما يزال- على عشرات المواضيع الإكلينيكية والعلاجية النفسية والصحية وغيرها في التخصص، التي تشكل اتجاها متكاملاً من المعارف ذات النوعية الممتازة. ويؤكد على ذلك: "كل ذلك أتاح لي معرفة واسعة في التشخيص النفسي نظريا وعمليا، ساعدت على ربط المعرفة بشكل تكاملي ونقلها إلى الطلبة والمتدربين بمهنية وحرفية وعزز من الجوانب التطبيقية. إلا أن الفائدة الأكبر كانت في أن كل ذلك قد أسهم في أن يجعلني أطفو بحرية في بحر الاتجاهات والرؤى المختلفة، وأن أنظر بإنسانية كبيرة للمعارف المتوفرة، وأضع نصب عيني الإنسان الذي أتعامل معه ولا أحاول حشره ضمن قالب نظرية أو اتجاه. والمعرفة التي أمتلكها لا تساوي شيئاً أمام كل حالة جديدة تواجهني بفيض من التساؤلات … فأجد نفسي أتعلم من جديد".
نواة الفكر
إن التعليم والتدريب في مجال التخصص جزء من الرسالة التي تقع على عاتق المدرس، التي تتمثل في تحمل المسؤولية تجاه المجتمع؛ وهذا ضمان إعداد متخصصين مؤهلين يمارسون تخصصهم بمهارة واقتدار ومسؤولية، ويقدمون خدماتهم بمهنية، ملتزمين بأخلاقيات المهنة وحدودهم الشخصية والمهنية. يقول الدكتور سامر: "بالإضافة إلى ذلك، إن توسيع مساحة الرؤية والانفتاح الفكري والتخصصي يتيح للمتعلم المرونة الكافية لممارسة تخصصه، واضعاً نصب عينيه احترام المتعلمين والمستفيدين وحريتهم الشخصية في اتخاذ قراراتهم. كما أن التعليم بالخبرة والملاحظة، واكتساب المهارة من طريق الممارسة والتبسيط في الأسلوب والتلقائية والعلاقة الإنسانية، تكسب الطلبة اتجاهات وقيم تغيّر من نظرتهم للعلم الذي يتعاملون معه، وتجعله جزءاً من ذاتهم، بدل أن يظل موضوعاً خارج سياق حياتهم، وتغني معرفتهم وخبراتهم وتجعلهم متحمسين أكثر للتعلم الذاتي. وهذا لا ينجح إلا من طريق التقدير والاحترام ما يمتلكونه، وتحفيزهم للإدراك التلقائي لجوانب القصور التي مازالت بحاجة إلى تطوير. وعندما يدرك المتعلمون ذلك، فإن الطريق ستكون مفتوحة أمامهم للتعلم الذاتي دون الحاجة إلى معلم يوجه التعلم بطريقة مباشرة".
ويشير ضيف حديثنا إلى متطلبات تحقيق المعرفة الحديثة؛ مؤكدا أن إنتاجها يتطلب رؤى جديدة وابتكارية في التعليم، وهي "إنسانية بالدرجة الأولى وليست تقنية، وهذا لا يتم إلا من طريق العلاقة أولاً وصياغة ما هو موجود بقوالب حياتية ملموسة، بسيطة وقريبة، وتحفيز المتعلمين على الاستقلالية وعلى التسامح مع الأخطاء" على حد قوله. ويضيف: "إن بنية التفكير المبرمجة على التقليد الأعمى تقود للجمود والخوف من الخطأ، ولا تنتج معرفة جديدة ولا تعيد صياغة القديم بقالب متطور، فإذا نجح التعليم في تحرير الفكر من التقليد والانتقال به إلى مرحلة تتعامل مع الأفكار بحد معين من الحيادية والاستقلالية، فإن الطريق سيكون مفتوحاً نحو تطوير هذه المعرفة ودمجها في سياق أوسع، مع الأخذ بعين الاعتبار السياقين الاجتماعي والثقافي اللذين يتم إنتاج المعرفة فيهما".
بعد 38 عاماً
ويسرد الدكتور سامر واقعاً جرّبه بنفسه، إذ قال: "بالإضافة إلى ذلك، فإن المهارة العملية التي اكتسبتها في أثناء التدريب العملي في ألمانيا -بفضل أناس مخلصين- وفيما بعد في أثناء الممارسة في مجال العلاج النفسي المتمركز في المتعالج، جعلت مني محترفاً في مجال التدريب على مهارات العلاج والإرشاد النفسي، وهو ما أعمل باستمرار على تنميته وإكسابه لطلبتي، سواء من طريق الدورات التدريبية والإشراف على أداء الممارسين في مؤسسات مختلفة عندما كنت في سوريا أم من طريق التدريس في المساقات العملية في سلطنة عمان".
وقد ناقشنا الدكتور سامر في مسألة اختلاف الاستراتيجيات التدريسية طبقاً للأهداف التعليمية، إذ أكد على أنه يؤمن أن المعرفة النظرية لابد وأن تتكامل مع الجوانب التطبيقية ومن الصعب الفصل أحياناً، ويضيف على ذلك: "ثم فإن جزءا من التدريس يقوم على المحاضرات التي تختلف طرق إلقائها باختلاف الموضوع وطبيعته ومستوى المتعلمين أنفسهم، وبعضها الآخر يقوم على المناقشات (أو كليهما). أما في المجال التطبيقي فإن العمل الحر والمفتوح (مناقشات، تدريبات عملية فردية وجماعية) هي الغالب. وعند العمل في الإطار الأكاديمي فإن المؤسسات الجامعية على الأغلب هي التي تحدد أساليب التقويم العامة. إلا أنه في الجوانب العملية والتطبيقية فإنه يأتي عبر تقويم المتدرب لأدائه بنفسه في الموقف التعليمي-التدريبي؛ وذلك بالتغذية الراجعة التي يقدمها له زملاؤه الذين يلاحظون هذا الأداء، وبالطبع بمقدار ما يكون ذلك متاحاً، إذ علينا عدم المبالغة في تقدير هذا الجانب أو ذاك".
تغذية راجعة
يجد الدكتور سامر قنوات متعددة تغذي حقل التدريس وعقل المدرس ومهاراته، هذه القنوات بحاجة إلى تعهد بالمداومة على التعلّم والتدريب والاحتكاك المهني، يقول فيه: "من الصعب دائماً قياس فعالية أساليب التدريس التي يتبعها المدرس بشكل مباشر ذلك أنها لابد وأن تبرهن نفسها على الواقع أولاً كي يتم الحكم عليها. إلا أنه يمكن الاعتماد على مؤشرات متنوعة منها التغذية الراجعة المباشرة من الطلبة، والتقييمات التي يتم الحصول عليها في المؤسسات التي تعتمد التقييم|، جميعها مؤشرات إيجابية تثبت فعالية أساليب التدريس (ومضامين التدريس بالدرجة الأولى). كما أن التغذية الراجعة بعيدة المدى التي يتم الحصول عليها بعد سنين طويلة بعد التخرج، ووجود طلبة خريجين يتمتعون بسيرة مهنية جيدة، أسهمت في جزء منها في إعطاء مؤشر قوي على الفاعلية. وقد أتاحت وسائل التواصل الاجتماعي المجال واسعاً للحصول على مؤشرات إيجابية متنوعة ومن بلدان مختلفة في مدى فاعلية أساليب التدريس والاتجاه العلمي والشخصي الذي أمثله. وبشكل عام، إن المراجعة الذاتية والتطوير المستمر والاستفادة من التغذية الراجعة تسهم باستمرار في ابتكار أساليب جديدة والتنويع فيها، سواء أكان تعليميا أم تدريبيا، فهو يمثل -بالنسبة لي- خبرة تعلم ذاتية ذات قيمة كبيرة".