إشراقة تحاور باحث الاتحاد الأوروبي المتميّز …
واضع أساس أول مختبر بحوث متخصص في الفطريات الطبية محليا وعربياً
حوار العدد: إشراقة
هناك العديد من الشخصيات الناجحة التي رسمت طرق النجاح بكل قوة وعزيمة؛ لتصبح إرثا مربحا للمجتمع، وهذا شأن الدكتور عبدالله بن محمد الحاتمي الذي تألق فأبدع في مجال دراسته وتخصصه العلمي وعمله؛ ليتربع على القمة بين صفوف المتفوقين.
نشأته وتعليمه
ولد الدكتور عبدالله الحاتمي في قرية وادي الهجر بولاية عبري في محافظة الظاهرة. وقد كان لوالده -رحمه الله- دور كبير في تنمية مهاراته، مثل: الثقة بالنفس، والعمل الدائم على النفس، والتركيز وحب الدراسة، ومصاحبة الناجحين والعزيمة.
درس الحاتمي المرحلة الابتدائية والإعدادية في مدرسة عبدالله بن عمر الإعدادية بقرية الهجر في ولاية عبري، وأكمل المرحلة الثانوية بمدرسة عملاء والعبلة بنفس الولاية. ثم بعد الانتهاء من مرحلة الثانوية العامة التحق بكلية العلوم بجامعة السلطان قابوس عام 1996، ولكن شغفه لما يطمح جعله ينتقل منها إلى معهد العلوم الصحية (كلية عمان الطبية)، وقد تخرّج منها بدرجة الدبلوم العالي والتحق بالعمل في وزارة الصحة عام 2001م.
يقول الدكتور عبدالله: "بعدها حصلت على فرصة لإكمال دراستي الجامعية في جامعة كارديف بالمملكة المتحدة؛ تخرجت منها بدرجة البكالوريوس في العلوم الطبية. ثم عدت إلى وطني لأواصل عملي في وزارة الصحة فني مختبرات طبية حتى عام 2008م، إذ التحقت بجامعة السلطان قابوس لدراسة الماجستير في كلية الطب والعلوم الصحية في تخصص الأحياء الدقيقة والمناعة، وتخرجت منها عام 2010م. وفي أثناء دراستي للماجستير، حصلت على منحة للعمل في جامعة سيدني بأستراليا، بالتحديد مستشفى ويستميد لدراسة تخصص الفطريات الطبية. وفي عام 2011م حصلت على منحة مقدمة من جامعة ماسترخت بمملكة هولندا، وحصلت على دبلوم عالي في البحوث العلمية والطبية. ثم حصلت عام 2012م على منحة أخرى من جامعة باريس ومعهد باستور بفرنسا؛ للحصول على دبلوم عال متخصص في الفطريات الطبية وطرق تشخيصها وعلاجها. وفي عام 2013م حصلت من جامعة أمستردام على منحة لإكمال درجة الدكتوراة، وتخرجت فيها بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف". وبعد ذلك حصل الحاتمي على منحة أخرى من جامعة أمستردام لعمل مرحلة الزمالة الطبية والبحثية مدة ثلاث سنوات؛ ليعود عام 2019م إلى أرض الوطن بعد مسيرة حافلة بالعطاء والإنجازات العلمية. ثم التحق في عام 2020م بجامعة نزوى باحثا وأستاذا مساعدا في مركز الأبحاث الطبيعية والطبية ومسؤول مختبر الأحياء الدقيقة بالمركز.
س1/ عرفنا أكثر عن تخصصك؟
في عام 1997م درست المختبرات الطبية العامة، ثم بعد ذلك درست علوما طبية حيوية، ثم تخصصا في علم الأحياء الدقيقة الطبية (مرحلة الماجستير)، وعلم الفطريات الطبية والسريرية في مرحلة الدكتوراة، ثم عملت مرحلة الزمالة البحثية بمملكة هولندا في تخصص الفطريات الطبية والسريرية.
يسترجع الدكتور الحاتمي بعضا من ذكريات مراحله التعليمية المختلفة، يقول: "في مجال التخصص كان للدكتور ياسين اللواتي -رحمه الله- الذي كان يعمل في جامعة السلطان قابوس بكلية الطب، الدور في توجيهي وتأسيسي في مرحلة الماجستير، إذ كان لديه مشروع بحثي في عام 2009م، وهذا المشروع البحثي يختص بدراسة الفطريات الطبية المسببة للعدوى في المرضى وكيفية تشخيصها وعلاجها، وهنا كانت البداية الحقيقية لي في دراسة التخصص الدقيق وهو الفطريات المرضية المسببة للأمراض. وفي مرحلة الماجستير عايشت رأي العين معاناة المرضى المصابين بالعدوى الفطرية والفطريات المقاومة للمضادات الفطرية، وهو ما حفزني وشجعني لحب التخصص والاكتشافات وإجراء أبحاث مفيدة للبشرية، ذلك الذي كان بالنسبة لي نوعا جديدا من البحوث والتخصصات، وقادني هذا الشغف إلى اكتشاف أنواع عديدة من الفطريات التي لم تكن معروفة للبشرية سابقا، وأسهم في تنمية المعرفة البشرية المتنامية بشكل لحظي".
يضيف الحاتمي على ذلك: "أما بالنسبة لتخصص الفطريات، فهي مجموعة كبيرة جدا من الكائنات الحية الدقيقة، ولها مميزات منفردة وخاصة تختلف عن جميع الكائنات الحية الأخرى؛ مما دعى أغلب العلماء إلى فصلها ووضعها في مملكة خاصة بها. أغلبها لا يرى بالعين المجردة، ويوجد حوالي مليون ونصف نوع من الفطريات في الكون. وقد تم تسجيل حوالي 800 نوع منها بأنها تهاجم الإنسان والحيوان وتعيش على أنسجته وتسبب له أمراضا مختلفة، منها ما يؤثر على كافة الأجهزة، وتسبب عدوى قاتلة في حالة الإصابة الشديدة". ويكمل حديثه: "بينما الفطريات المرضية يمكن أن تصيب الإنسان وتسبب له الأمراض، ويظهر تأثيرها واضحا في مرضى نقص المناعة والربو والحساسية والطفح الجلدي والتهابات الجلد والأظافر والتهابات الرئة التي تشبه أعراضها أعراض الانفلونزا والسل، ونشهد في الآونة الأخيرة تزايداً في عدد المصابين بالعدوى الفطرية؛ خاصة في موجات كوفد 19، إذ ظهر الفطر الأسود. ومن بين الفطريات الخطيرة، تعد فطريات عائلة كانديدا (Candida) وأسبيريجيلس (Aspergillus) هما المجموعتان الرئيستان اللتان تسببان وفيات كثيرة في البشر. وهنا يأتي أهمية التشخيص الدقيق للعدوى؛ ولكنه ليس بالأمر السهل؛ بل يحتاج إلى مهارات ودقة عالية حتى يتم تشخيص العدوى الفطرية".
علما أنهم يركزون في التخصص على الفطريات المسببة للأمراض البشرية وتطوير تقنيات التعرف عليها، خاصة التعرف الجزيئي وتقنيات الجينوم والوراثة الجزيئية.
س2/ ماذا قدم الدكتور عبدالله الحاتمي في مجال النشر العلمي؟
إن عملية النشر العلمي ليست بالمجال السهل أو البسيط، ولا يمكن لأي شخص القيام بنشر بحثه العلمي بسهولة دون تقنين هذه المقالات ومناقشتها وتنقيحها؛ لأنه بعد النشر يعد مرجعا ومصدرا للباحثين والطلبة، خاصة عند إعداد أبحاثهم العلمية، فكيف إذا أخذ من مصدر غير موثوق! لذلك توجد ضوابط لعملية النشر العلمي والنشر العلمي يتراكم عليه الكثير من الأفعال والنتائج؛ لذا لا يحتمل الخطأ فيه بشكل من الأشكال.
يجيب على هذه التساؤلات ضيف حوار العدد 152 من إشراقة؛ وذلك بسرد سيرته في هذا المجال: "بالنسبة للنشر العلمي، فقد نشرت أكثر من 115 ورقة علمية محكمة وجميعها في مجلات عالمية ذات معامل تأثير عالي. كما شاركت بعدد 17 ورقة علمية في مؤتمرات عالمية ودولية ومحلية، ونشرت فصلين في كتابين طبيين مختلفين، وأخيرا أسهمت في نشر كتاب الشهر على مستوى العالم في تخصص الفطريات الطبية والسريرية الذي يحمل عنوان (أطلس الفطريات الطبية)". ويضيف: "وقد شكلت أبحاثي أول خطوة لإنشاء مختبر بحوث متخصص في مركز البحوث الطبية والطبيعية بجامعة نزوى في الفطريات الطبية في السلطنة، والأول من نوعه على مستوى الشرق الأوسط كونه مختبرا متخصصا في هذا المجال".
س3/ ما أبرز الإنجازات والمراتب المتقدمة التي حصلت عليها؟
إن للدكتور الحاتمي خبرة طويلة في مجال الأحياء الدقيقة والفطريات الطبية، فقد أسهم في اكتشاف أكثر من عشرة أنواع من الفطريات المسببة للعدوى في الإنسان، وتم تسجيلها باسمه واسم عمان لأول مرة في التاريخ. وتشمل اهتماماته البحثية مجموعة واسعة من المواضيع في الأحياء الأساسية والتطبيقية والانتقالية، بما في ذلك الفطريات والمناعة والتشخيص. ومما يدل على أهمية ووزن أبحاثه، أنه استشهد بأبحاثه أكثر من 7000 مرة حسب محرك البحث العالمي google scholar.
يقول: "اشتغلت على تطوير طرق تشخيصية جديدة ومبتكرة نشرت واستخدمت عالميا في المجال الطبي والمختبرات الطبية. وفي عام 2016 حصلت على جائزة أفضل بحث دكتوراة في مملكة هولندا في تخصص الأحياء الدقيقة، تبعها في عام 2017 حصولي على جائزة أفضل ورقة علمية في مؤتمر دولي متخصص في الفطريات الطبية، حضره أكثر من 2000 عالم وباحث متخصص، الذي أقيم في أستراليا. وقد كرّمت عام 2018 بجائزة الباحث المتميز من الاتحاد الأوروبي في تخصص الفطريات الطبية".
س4/ يود القارئ معرفة مشاركتكم العلمية والعملية على المستوى الداخلي والخارجي. كيف يمكنكم تبسيطها؟
أعمل حاليا أستاذا مساعدا في كلية العلوم والآداب بجامعة نزوى. كما أعمل باحثا بمركز الأبحاث الطبية والطبيعية في جامعة نزوى، ومسؤول مختبر الأحياء الدقيقة، وأدير فريقا بحثيا ناجحا على المستوى المحلي والدولي، وأنا عضو في الاتحاد الأوروبي الكونفدرالي للأمراض المعدية. وعضو في الجمعية الدولية لفطريات الإنسان وعضو في الجمعية العمانية للأحياء الدقيقة الطبية والأمراض المعدية، كما أعمل على تقديم الدعم للعلوم البحثية والطبية.وأعمل بجانب هذا محكما لعدد من المجلات العلمية العالمية، منها: Mycopathologia ومجلة The Fungi ومجلة Frontiers in Cellular and Infection Microbiology. ومراجعا في أكثر من 10 مجلات علمية وطبية.
وقد شاركت في أكثر من 17 مؤتمر علمي عالمي بمحاضرات ودورات علمية، وإقامة ورش في عدد من الدول، مثل: أمريكا والمملكة المتحدة وهولندا وألمانيا وأستراليا والهند وقطر وغيرها من الدول. كما شارك في أكثر من ثلاثة مؤتمرات محلية داخل السلطنة. ومن ضمن أبحاثي في الوقت الحالي العمل مع أطباء وعلماء وباحثين دوليين ومحليين؛ لإيجاد طرق تشخيصية وعلاجية لعدد من العدوى الفطرية، إذ نشتغل مع باحثين من أمريكا وهولندا وألمانيا وجامعة السلطان قابوس ومستشفيات وزارة الصحة.
س5/ كيف ترى موقع جامعة نزوى في مستقبل تخصصات علم الأحياء الدقيقة والفطريات نظريا ومخبريا وأكاديميا؟
تعد جامعة نزوى من المؤسسات التي تدعم التعليم والبحث العلمي داخل البلاد؛ بما تحتوي من كليات ومعاهد ومعامل متطورة جدا على نمط حافل مدعم ويوازي في مستواه المستويات العالمية والمحلية. كما تعد جامعة نزوى واحدة من أهم المنابر التي تعمل في مجال البحث العلمي، وهي الجامعة الوحيدة في السلطنة التي تضم حوالي 16 مختبرا بحثيا متخصصا في مركز بحثي واحد تحت سقف واحد، وهو مركز البحوث الطبية والطبيعية.
ويعد مختبر الأحياء الدقيقة في مركز الأبحاث بجامعة نزوى مختبرا منوطا به التطوير ونشر المعرفة في مجالات عدة، أبرزها: الأبحاث الطبية والبيئية وغيرها وفقا للمعايير العالمية. ويوفر المختبر فرصا للتدريب في الأحياء الدقيقة ويهدف المختبر إلى:
-
إعداد المختصين في علوم الأحياء الدقيقة في البحث العلمي.
-
يسهم في النهضة البحثية الشاملة بأبحاثه المنشورة على مستوى العالم.
-
يسهم في تشخيص الكثير من العدوى الفطرية، وكذلك في الاستشارات البحثية والطبية والطبيعية.
-
يعمل منتسبوه في عزل وتحديد العديد من مسببات الأمراض.
-
يلعب دورا مهما في التأهب للأمراض المعدية.
-
يسهم علماء المختبر في تدريس الكثير من مواد التخصص بكلية العلوم.
ويستقبل المختبر طلبة جامعيين في برامج البكالوريوس والماجستير والدكتوراة ومرحل الزمالة البحثية؛ وذلك لغرض إجراء البحوث أو تكملة متطلباتهم الجامعية، بوجود طلبة محليين ودوليين.