كيف أكون قارئا؟
الدكتور حمود بن عامر الصوافي
قسم اللغة العربية
لا يوجد تعليم دون جهد، ولا تطوير دون فكر، ولكن قد تلحُّ أسئلة لدى بعض طلبة العلم كقولهم: لا أستطيع أن أبقي الكتاب بين جنبيّ دقائق، ولا أتمكّن من الجلوس ساعاتٍ في المكتبة، ولا يروقني حفظ آيات من القرآن الكريم، أو بيت واحد من الشعر!
يبد أن لسان حالهم يقول: ما الذي سيحققه كلامُك؟ وهل هناك عصا سحرية سترغّبني في التهام العلوم، والاستمتاع بها، والتلذذ في مطالعتها كدأب العلماء الكبار، والطامحين من أصحاب الهمم السامقة، والقدرات العالية؟!
أزعم أننا جميعا نستطيع أن نصل إليهم، ونشق طريقنا نحوهم، بتحفيز أنفسنا، وتغيير إرادتنا؛ لتشرع في التحدي، وتنطلق إلى المعالي، وقد أعجبتني مقولة إحدى الفائزات في مسابقة الديوان لحفظ القرآن الكريم كاملا لمَّا قيل لها: ما أصعبُ سورة مررتِ بها؟ قالت: الأعرف. وما أسرعُ سورة حفظتيها؟ قالت: الأعرف! قيل لها: ما هذا التناقض؟ قالت: لا يوجد تناقض، وإنما دأبي هو التحدي، فلما قيل لي إن سورة الأعراف صعبة، أردت أن أكسر هذا الزعم، وأثبت لهم أن القرآن وحدة متناسقة، وأن التحدي كفيل بخرق كل قول، وإذابة كل جليد.
قلت سبحان الله! لو أن قلوبنا خلقت للتحدي لكانت اليوم تناطح الجوزاء، وتفعل الأعاجيب، ولكن الثقة بالنفس إن اهتزت، أو انتابها ثقل، أو لحقتها وسوسة ضاعت الجهود في مهب الريح، وتعثرت الخطوات أياما، وساءت الظنون سنوات؛ لذلك حري بنا أن نصنع المحفّزات من أجل كسر الرتابة الضارة، والقضاء على العادات السلبية، والتقاليد البالية في طرق المذاكرة.
وأخال أن خلق جو المنافسة من أنفع الطرق، وأنجع الوسائل؛ لزرع التحدي، والاستمتاع بما نقرأ، والتوق لما ندرس، بل ذاك يزيد من الثقة بالنفس، وينشط الذاكرة، ويعين على استرجاع المعلومات، فضلا عن سهولة تداولها، وإعادة تكرارها، فيمكن للطالب أن يجتمع مع شبيهه لقراءة كتاب، كل على حدة أولا، فإذا التقيا كانت المُدارسة في ذاك الكتاب، ومحاولة سبر أغواره؛ ليشعرا بالنشوة والتفوّق والثقة بالنفس، فالمرء ضعيف بنفسه، قصير القامة دون أخيه، فإذا سار مع رفيقه، تضاءل كسله، وتضاعفت همته، وعلا شأنه، وارتفع أمره، وأحسَّ أن القراءة صارت متعة، والمذاكرة تحولت إلى رغبة، وعادة يومية؛ فليكن لنا أصحاب يدعوننا إلى الخير، ويساعدوننا في الوصول إلى الهدف، وقد قال الشاعر:
أخاكَ أخاكَ إنَّ مَنْ لا أخَا لهُ* كساعٍ إلى الهيجا بغيرِ سِلاحِ