السنة 17 العدد 151
2022/01/01

صناعة الأعمال وبناء الأجيال

 


 

 

مصطفى المعمري

 

 

 

فرضت المتغيرات الاقتصادية التي يشهدها العالم خاصة في السنوات العشر الأخيرة واقعا ومشهدا مختلفا في مفاهيم ريادة الأعمال وأساليبها، هذه المنظومة الاقتصادية التي باتت تشكل اليوم واحد من أهم وأبرز محركات الاقتصاد في العالم، وتسهم بما نسبته 80% من عوائد الدخل بالنسبة للاقتصاديات الكبرى وأكثر من 60% من فرص العمل.

 

إن المتتبع لذلك الحراك الاقتصادي للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة لبعض الدول التي شكلت أنموذجا في ريادة الأعمال، مثل: ألمانيا وسنغافورة والصين وأميركا والبرازيل والهند وغيرها من الدول، يؤكد على الدور الذي تضطلع به المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من حضور فاعل في المشهد الاقتصادي العالمي، والمعنى الحقيقي لريادة الأعمال بمفهومها الواسع الشمولي القائم على احتضان المبدعين من رواد الأعمال وأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وأهمية العمل على توفير البيئة المناسبة لمشاريعهم وابتكاراتهم وأفكارهم الإبداعية؛ بهدف تعظيم العائد من فعالية ريادة الأعمال من جهة، والدفع برواد الأعمال للنهوض بمشاريعهم من جهة أخرى.

 

من هنا يأتي تنظيم جامعة نزوى لأسبوع ريادة الأعمال إدراكا بأهمية صناعة الأعمال وبناء الأجيال، وما يمثله من دور محوري في غرس مفاهيم وقيم وأسس ريادة الأعمال لدى الجميع، تحديدا فئة الشباب التي ترى مستقبلها في إقامة مشروع صغير يمكنه من إثبات قدراته وإمكانياته عبر تحديد الأولويات والمسارات بشكل عملي مدروس يحقق الأهداف والطموحات التي يرجوها وينشدها الجميع  حكومة ومجتمعا.

 

الأسبوع الذي كان مميزا في كل توجهاته وتفاصيله وأهدافه، حفل بالكثير من المناشط والفعاليات، ومشاركة أكثر من 40 مشروع رائد أعمال أوجد مناخا إيجابيا لدى المشاركين والحضور بأهمية هذا النوع من الفعاليات التي دأبت الجامعة على تنظيمها سنويا؛ إدراكا منها بالدور الذي تضطلع به في هذا الجانب عبر تسخير إمكانياتها وقدراتها المادية والبشرية للنهوض بطاقات الشباب ودعم مشاريعهم المختلفة، وأيضا تعزيز مفهوم الريادة لدى أبناء عمان، وما مشروع مركز ريادة الأعمال بالجامعة إلا واحدا من المشروعات الرائدة التي تعنى برواد الأعمال والمشاريع الطلابية من طريق الدعم والتوجيه والتمكين وغيرها من الجوانب التي استطاع المركز أن يرسخها ويعمل على تنفيذها في السنوات الماضية من مسيرته الحافلة بالتفاني والعطاء والإنجاز.

 

إن التفاعل مع توجهات الحكومة وتطلعاتها ورؤيتها المستقبلية فيما يتعلق بدعم ريادة الأعمال في عمان؛ بما يتماشى مع رؤية عمان 2040، مسؤولية مشتركة بين الجميع؛ كونها تمثل الرهان الذي يستند عليه رواد الأعمال خاصة في هذه المرحلة التي تتطلب الأخذ بمشاريع الشباب عبر الدعم والتشجيع والتحفيز والتوجيه وتمكينها لتكون حاضرة وقادرة على المنافسة محليا وعالميا.

 

على ربوع هذا الوطن هناك الكثير من النماذج المشرفة في مجال ريادة الأعمال، شباب طامح كانت بدايتهم من الصفر، ثم تطورت وتوسعت أفكارهم ومجالاتهم لنشهد مشاريع نوعية كبيرة نفتخر ونعتز بها ... مشاريع من رؤوس أموال بسيطة إلى مشاريع نوعية قيمتها السوقية بملايين الريالات، ومن عدد بسيط من العمالة الوطنية إلى أقسام تعنى بالتشغيل وتنمية الموارد البشرية، فطالما كانت البيئة محفزة والتشريعات منظمة ومرنة والتسهيلات متاحة، فمن المؤكد أن تكون النتائج مثمرة؛ لذلك نجد البيانات الصادرة من هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تسجل ارتفاع عدد المؤسسات المسجلة لديها بنهاية يونيو من العام 2021م بنسبة 23.1% ليبلغ عددها 54 ألفاً و726 مؤسسة، مقارنة بـ44 ألفاً و448 مؤسسة بنهاية شهر يونيو 2020. وهذا مؤشر جيد يدلل على جاهزية الشباب للولوج إلى مشاريعهم الخاصة والمردود الاقتصادي المتوقع لهذه المشاريع على المدى المتوسط والبعيد.

 

ويأتي التقرير السنوي "المرصد العالمي لريادة الأعمال"، الذي احتفلت الجامعة بإصداره مؤخرا ليؤكد على تعزيز دور المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في الاستثمار وتنفيذ السياسات التي تشجع الابتكار وريادة الأعمال وأهمية أن تقدم الحكومة سياسات خاصة لدعم وتنمية الأعمال التجارية الجديدة، كما يجب التركيز على رواد الأعمال ذوي النمو المرتفع من أجل بناء جيل من رواد الأعمال الأقوياء الذين يساهمون في الدفع بالمنظومة الاقتصادية للبلاد والنهوض برؤية عمان 2040م. هذا وغيرها من التوصيات التي احتواها الإصدار السنوي، التي أشارت إلى العديد من النتائج الإيجابية التي تحققت على مستوى ريادة الأعمال والإقبال على إقامة المشاريع الصغيرة والمتوسطة؛ لكنها في نفس الوقت أكدت على أهمية توفير البيئة الداعمة من طريق سن التشريعات المنظمة المرنة وإلغاء المركزية في إنهاء الإجراءات وتسهيل وسائل الدعم والتمويل وخفض الرسوم على التراخيص وغيرها الكثير من العناصر التي تضمن النجاح لمشاريعنا الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، فالآمال معقودة على هذا القطاع ليأخذ دوره في مسيرة التنمية التي تشهدها البلاد على كافة المستويات والقطاعات.

إرسال تعليق عن هذه المقالة