الأداء التنظيمي الابتكاري
الدكتور محمد الجرايدة
أستاذ الإدارة التعليمية المشارك
رغم أزلية الجدل في مفهوم الابتكار، إلا أن الدراسات العلمية ظلّت لقرون عدة تركز جل نشاطها على نشر الابتكار، وكان ينظر إلى الابتكار آنذاك على أنه غاية في حد ذاته. والواقع أن هناك إجماعاً بين الكتاب والباحثين المهتمين بقضايا التعليم العالي على ضرورة تنمية المهارات الابتكارية للعاملين فيها، بل أضحى لزاماً عليها إحداث تغييرات جذرية في طبيعة الوظائف التي تقوم بها، وفي إطار كهذا، استجابت كثير من مؤسسات التعليم العالي للتحولات التي شهدها العالم من متغيرات اقتصادية واجتماعية؛ مما أدى إلى تغير جذري في وظائفها.
لقد آن الأوان لكي تتحول هذه المؤسسات في رؤاها من إدارة الفرد إلى إدارة الفريق؛ لأن تحقيق التمايز التنظيمي لا يكمن في أي نظام فردي أو أي فرد وحده، وتتحول كذلك من الإدارة التسيبية إلى إدارة شفافية، ومن إدارة منغلقة إلى إدارة منفتحة؛ كون الإدارة غاية إلى كونها وسيلة تيسير، ومن إدارة الأوراق إلى الإدارة الإلكترونية، ومن الإدارة التقليدية إلى الإدارة الإبداعية. إن هناك حاجة ماسة إلى أفراد أكثر ابتكاراً وإبداعاً يحفزون العصارات الإبداعية في البيئة التنظيمية، يولدون تدفقا لأفكار قد تحقق تقدما واضحا وتميزا تنظيمياً، وبعكس ذلك تصبح البيئة التنظيمية للعمل غير مواتية لوجود نماذج متعددة من السلوك الإبداعي لدى العاملين؛ نظرا لوجود إدارة لم تحقق متطلبات النضج الوظيفي، خاصة القدرة على العمل، فتكون مقاومة ومعرقلة للابتكار؛ نظراً لعدم قدرتهم على تقديم حلول ابتكارية وأفكار إبداعية، ومبادرات تطويرية، وتجارب أمثل مع العاملين، بل تحفيز ما لديهم من قدرات ومواهب بشكل يحقق الأهداف التنظيمية؛ نتيجة سيادة التفكير الاستاتيكي الجامد ذي النظرة الأحادية الضيقة، واتباع السياق التقليدي؛ مما يحبط جميع الأفكار الجديدة.
وتشير الدراسات العلمية الحديثة إلى وجود ارتباط إيجابي بين الأداء الابتكاري التنظيمي بمتغيرات تنظيمية مختلفة، أبرزها الثقة التنظيمية بأبعادها الممثلة في العاملين، ونجاح المسؤول في فهم إمكاناته أولا قبل كل شيء. ويمكن القول إن موضوع الابتكار يعد من الموضوعات الحيوية في مجال السلوك التنظيمي، بل أصبح ضرورياً وجوهرياً خاصة في مؤسسات التعليم العالي التي تسعى إلى تحقيق الجودة والميزة التنافسية، وهذا يتطلب الخبرة الفنية في الوظيفة، فضلا عن الاتصال العادل مع جميع العاملين دون الاهتمام بفئة معينة لتحقيق مكاسب شخصية على حساب المؤسسة، والالتزام باللوائح التي تنظم العمل والسعي نحو الاستجابة لها بكل حرص.
نحن بحاجة إلى إدارة تؤمن بالنشاط والحيوية والتجديد، وتستوعب الرأي والرأي الآخر والواقع بتعقيداته المختلفة، مبتعدة عن الانبهار بالسطحيات والتقنيات إلى الرؤى الواسعة وتعدد البدائل، نعم إدارة مؤمنة بأن النجاح لا يمكن قياسه بمعايير التمحور حول الذات، وتشكيل جماعات صغيرة يناط إليها مهام العمل، بل تقاس بمعايير الإبداع والتفكير والاستبصار. وإدارة لديها رؤية واضحة تنير جميع دروب المؤسسة من الداخل، وتسلط الضوء على مسالك الطريق، خطواتها محسوبة ومدروسة، إنسانية ومستقبلية وجماعية تبلور وتنظم عمل الجميع تجاه الهدف الذي تتركز الجهود نحوه، قادرة على تحقيق تقدم المؤسسة؛ لأنها تقود إلى الوضوح وتعمق دائرة الفهم الهدفي للنظام، وتساعد على كسر الهوة بين الواقع والمأمول، والحفاظ على ترابطية النظام مع نظام المزاملة.
إن من الأهمية بمكان وجود إدارة تؤمن بإعادة التفكير الإيجابي وقبول المخاطرة، وتعميق مفهوم المشاركة والتعامل مع المحتمل والمجهول، والاحتفاء بالغموض واستئناس التعقد وعدم الاستسلام لوهم البساطة الظاهرة.
سعد، السيد محمود (2013). العلاقة بين اليقظة التنظيمية والأداء الابتكاري لدى مديري الجهاز الإداري بجامعة الإسكندرية، دراسات تربوية ونفسية، ع (81)،391-205.