السنة 16 العدد 150
2021/12/01



 

حادث سير غير مجرى حياته ...

"الغوص" الرياضة التي قهرت إعاقة  أحمد البوسعيدي 

 

  


 

 

إشراقة: حوار العدد

 

لم يكن يدرك سابقاً أنه مغامر أو غواص أو حتى ممارس لرياضة المشي الجبلي ... إذ كانت هذه الرياضات في السابق يمارسها كهواية، وهي مكملات الحياة الجميلة التي تنقله من الحياة الروتينية إلى الشغف والمتعة ... في ليلة الاثنين بتاريخ ٢٥ نوفمبر من عام ٢٠١٤م، حدثت نقطة تحول في حياته، جعلته يدرك أن الرياضات التي كان ملازما لها قد تتحول إلى ذكرى بعد ان تعرض لحادث دراجة كان سببا في بتر ساقه اليمنى، ومنها استفاق على صوت ينببه بألا يركن إلى حائط الاستسلام، فإصابته هذه لن تعيقه عن الاستمرار في ممارسة الهويات التي طالما عشقها وحرص عليها.

يقول أحمد بن حمود البوسعيدي، اختصاصي ثعابين وحياة فطرية في مركز أبحاث العلوم الطبيعية والطبية بجامعة نزوى ضيف أشراقة في هذا العدد : " ألهمني الله سبحانه وتعالى القوة والعزيمة بعد الحادثة، فسافرت لتلقي العلاج المناسب وتركيب الأطراف التعويضية أو الصناعية، التي أستطيع بها العودة لممارسة رياضة المشي الطبيعي بجانب ممارسة هواياتي الأخرى ، كما استطاعت تفصيل طرفا خاصا برياضة الغوص قبل المشي، وبعدها طرفا خاصا للمشي. وبعد رحلة طويلة تقارب من 70 يوماً، رجعت لأرض الوطن -وأنا أمشي- متحمسا لبدء ممارسة رياضة الغوص من جديد ... وفعلاً ما إن مكثت أياما قليلة مع الأهل إلا وتوجهت لأول رحلة غوص من بعد الحادث، وقد مضى علي ٦ أشهر لم أمارس فيها هذه الرياضة بسبب الحادث وفترة التأهيل الطبي". 

 

 

طموح رغم البداية

 

يقول أحمد: "في أول رحلة وجدت نفسي أحاول الغوص مثل سابقه، إذ كانت حركتي في أثناء النزول أشبه بوضع لولبي الشكل، إلا أنني أفرغت تركيزي وقواي لأتدارك الأمر لأنزل بهدوء دون التفاف، واستطعت الوصول إلى ١٣ مترا تقريباً؛ كي أستعيد ثقتي بعدما كنت سابقا أستطيع النزول ١٥ مترا". ويضيف: "بعدها قررت الدخول في أول دورة غوص؛ لأتعلم الطرق الصحيحة للغوص الحر، وفعلت ذلك، ففي أثناء تطبيق ما تعلمته في الجانب النظري، أدركت أن مهاراتي في كتم النفس أفضل، وهناك كثير من الأخطاء التي كنت أفعلها سابقاً. 

وفي ثالث يوم من الدورة وجب علينا أداء بعض المتطلبات لاجتياز الدورة بنجاح والحصول على رخصة الغوص الحر، وقد كانت سهلة جداً، إذ حققت نزولا إلى عمق ١٨مترا، وهذا أول عمق لي في المستوى الأول، ثم قررت الاستمرار في التدريب، وبحمد الله، أملك حالياً رخصتين للغوص الحر، ولدي القدرة للنزول لعمق ٣٠ مترا تحت سطح الماء بنفس واحد، وكل هذا بفضل من الله والمدربين، أبرزهم المدرب القدير الكابتن يحيى الهوتي والأصدقاء الذين ساندوني في مرحلة التدريبات ..وطموحي في الفترة القادمة كسر رقمي في الغوص الحر؛ بالنزول إلى عمق قدره ٤٠ مترا إن شاء الله".

 

 

 

 

ويذكر أحمد البوسعيدي في سياق حديثه أن عودته إلى ممارسة الغوص الحر صنع له دافعا خاصا لصقل مهاراته الأخرى، المتمثلة في المغامرات والمشي الجبلي (الهايكنج)، يقول هنا: "لا أنس فضل الكابتن عيسى الصوافي الذي رافقته في أول رحلة إلى وادي شاب؛ إذ كانت رحلة جميلة دفعتني للأمام كانسلال السهم من القوس؛ ليعلمني أصول استعمال أمتعة التسلق وحبال النزول ودخول أكبر الكهوف في السلطنة وأصعبها ... وما زلت أطمح لمغامرات أصعب، ومسارات أقوى لاستكمال مسيرة العطاء دون توقف".

 

إلهام ورسالة

 

سألنا البوسعيدي عن سر انتشار رياضة المشي الجبلي في سلطنة عمان؟ ومن أين استلهم الشباب هذه الرياضة؟ فأجاب: "قد يكون السبب لوجود بيئة خصبة للمغامرات؛ السلطنة تحظى -ولله الحمد- بجبال شاهقة وكهوف كثيرة وعميقة .ورياضة المشي الجبلي كانت سابقا وسيلة لتنقل الأجداد عبر الجبال من منطقة إلى أخرى؛ بهدف التجارة أو الزيارة أو غيره، فصارت موروثا قديما انتقل جيلا بعد جيل، بيد أن الشباب اليوم لهم الفضل في تطوير المسارات وتعديلها ورسم أعلام مميزة بطول خط المسار، كذلك وضعوا بعض العلامات الإرشادية لتحدد المسافات، وكابلات معدنية خاصة في بعض المسارات الصعبة والخطيرة؛ لتسهيل المرور الآمن . كما أنهم طوروا من قدراتهم ومهاراتهم، وتعلموا أساليب استعمال أدوات التسلق والنزول الحديثة بالحبال الخاصة وأدوات السلامة المعتمدة عالمياً".

 

 

 

 

لا شك فيه أنك إذا رأيت منظراً جميلا على غير العادة، فستطمع لنقله إلى زملائك بنفس الجمال الذي تراه، وهذا الذي يحدث مع أحمد، فحبه لطبيعة الحياة الفطرية أثار دهشته وأبهر عينيه، يقول: "أستمتع في توثيقه ونقله لكل محب للطبيعة؛ ليرى سلطنة عمان وجمالها من زاوية أخرى؛ لأبرز ما تملكه من حياة فطرية جميلة وبيئة بديعة سبحان من سواها" .. رغم ذلك، أشار البوسعيدي إلى نقطة مهمة تتمحور في افتقار رياضتي المشي الجبلي والغوص في عمان لأمور قد تنقلهما إلى مصاف العالمي، يقول: "أما الغوص فبحاجة إلى جرعات اهتمام من قبل الجهات المعنية؛ لأننا نملك شواطئ وجزرا وبحارا من أجمل ما يكون، بالإضافة إلى أهمية الأخذ بيد الشباب والثقة بهم وقدرتهم على الوقوف في المنصات العالمية والمنافسة فيها. كما أن الرياضة الجبلية ينقصها تسخير الجهود لدعم الشباب كي يكملوا مسيرتهم في تطوير كافة المسارات الجبلية، مع ضرورة إرسالهم لأخذ دورات مفيدة في طرق السلامة العامة، وتعليم من يحذون حذوهم، وإعطائهم الفرصة لخوض المشاركات الدولية".

 

إياكِ أعني

 

عمان جنة الله في أرضه، فيها من التنوع الإحيائي الرائع والتضاريس المختلفة الجاذبة للاهتمام في كافة المجالات العلمية والعملية. ولأحمد العديد من المغامرات في استكشاف الحياة البرية في عمان، من هذه حسب قوله: "مغامرة قمة جبل شمس، وهي أعلى قمة في الوطن العربي، والمسير إلى هذه النقطة بحد ذاته يستحق الإطراء؛ إذ يستدعي المشي إلى هناك ١٢ كم مسيرا في الجبال والرجوع بنفس الطريقة. كذلك مغامرة كهف مجلس الجن الواقع في مرتفعات عقبة سلماه، الذي يعد أكبر غرفة كهفية في الوطن العربي، وهو من الكهوف الكبيرة والجميلة. بالإضافة إلى العديد من الكهوف العميقة والطويلة، منها كهف تيري (اسمه الشائع الطاهري)، وهو ملتقى بفتحات عدة بعمق الجبال، أبرزها الفتحة السابعة؛ فالمسير فيها يتطلب لياقة عالية ومعرفة كبيرة في استعمال الحبال وأدوات النزول.

 

 

 

 

وتقدر المسافة في الداخل حوالي ٦ كم إلى مخرج الكهف، بعدها ٤.٥ كم إلى أقرب نقطة تصل لها السيارة. كذلك كهف الهوتة الذي يبلغ طوله ٤.٥ كم تقريباً، وتعيش بداخله أندر أنواع الأسماك في العالم وهي الأسماك العمياء، والعديد من المسارات الجميلة المميزة التي تظفر بتنوع إحيائي، من أندرها الوعل الجبلي المسمى (الطهر)، الذي يوجد فقط في سلسلة جبال الحجر، وهو مهدد بالانقراض، بالإضافة إلى نوعين من الغزلان التي تعيش في سهول عمان وجبالها وفي الصحراء، وأيضاً ١٠١ نوع من الزواحف ومئات الطيور، كما تعد عُمان ملاذا آمنا لتعشيش الكثير من الطيور وهجرتها. جميع ذلك وأكثر يفتح الأبواب شاسعة لتطوير السياحة في عمان، وجذب الزائرين من مختلف دول العالم، والمسؤولية هنا تقع على عاتق الجميع، سواء أكانوا مغامرين أم مهتمين أم دارسين أم مصورين وحتى العلماء؛ لذا يجب استثمار هذا المجال بالطريقة الصحيحة".

 

لنصنع الفارق!

 

لقد أكد أحمد على الدور الكبير الذي يضطلع به رواد وسائل التواصل الاجتماعي في توثيق المغمارات البرية والبحرية والبيئية في عُمان من أقصاها إلى أقصاها، فوصفه بأنه "لا غبار عليه".. إذ وصلوا لكل مكان فوثقوا كل شبر في عمان، بل إنهم مستمرون في إبراز مكانة عُمان بكل شغف وإصرار؛ لأنهم ينتمون لروح عمان الجميلة، التي تنبت كل جميل، وترفع شعارات السلام والمحبة بين البشرية .يضيف: "ولكن لأجل الاستمرارية، هذه الفئة بحاجة إلى الدعم لتصبح أكثر تأثيراً؛ كي لا تتوقف جهودهم يوماً ما، هم بحاجة إلى معدات خاصة لإكمال مشوار المغامرة والتوثيق باستعمال أحدث التقنيات في أرهق البقاع وأصعبها، وهذا أمر يسير وبسيط تقديرا لجهودهم المثمرة في إبراز بدائع هذا الوطن".

 

 

 

 

يقول البوسعيدي: "تبقى المغامرة جزءاً غير سهل، ولكن المغامر بإصراره دائماً يذلل الصعاب، وبإرادته الدؤوبة يكسر شوكتها، ومن المسارات الصعبة جداً التي خضتها مسار وادي عمق بير، فطوله تقريباً ٨ كم، ويحتاج من ١٢-١٦ ساعة للمسير، ويتطلب لياقة عالية ومعدات خاصة؛ لأن به سباحة لمسافة طويلة؛ إذ تتخللها تقريبا ٣٥ بركة مائية. كذلك مسار قمة جبل شمس، الذي يحتاج الكثير من اللياقة والصبر لطوله، إلا أن رغبة المغامر لإنجاز الصعاب وخوض التحديات الجديدة يجعلاه متعطشاً دوماً، وأنا شخصياً توجد لدي خطط من المسارات التي أطمح لاجتازها، مثل: مسارا حلفين ووادي قاشع، وهما مساران قويان تصحبهما الكثير من النزلات الحادة والطويلة في ممرات الشلالات الباردة ... مختتما حديثه بالقول "هذه عماننا الحبيبة التي تحفل بمقومات سياحية فريدة، وتتمتع بمغامرين ومستكشفين ومصورين بارعين يصنعون فيها كل يوم ما هو جديد مميز في طبيعتها البكر الرائعة.

إرسال تعليق عن هذه المقالة