السنة 16 العدد 150
2021/12/01

أين أنت يا حالو؟!

 

 


 

الدكتور حمود بن عامر الصوافي 

قسم اللغة العربية- جامعة نزوى

 

ما أسعدنا ونحن نعود القهقرى إلى جامعتنا الموقرة! ونستقبل طلبتنا بالورود والياسمين، ونشتم من أعالي الجبل الأخضر، ووهاد سناو العامرة عبق الأماكن الماتعة، والمراتع الرائعة، ولكن ما الذي عكّر صفونا لما ولجنا إلى مكاتبنا، وما الذي كدّرنا ونحن نسابق الخطوات إلى إخواننا سوى ذاك الكرسي الذي كساه الغبار، وأولئك الرجال الذين زاروا تلك الأماكن، ووضعوا بصماتهم هناك، وانسلوا صامتين، دون أن يحدثوا ضجيجا، أو يلوثوا شيئا.

أهو الحب الذي انحفر في ذكراهم؟! أم التجارب المريرة التي مروا بها؟! أم حمامات الدم السوري التي تهيبوا من رؤيتها، وهم ينظرون إلى منازلهم في حمص تقصف بلا هوادة، وتدك بلا توقف، ووطنهم يسرق بين أعينهم دون أن يتحرك  العالم، أو يرق له جفن.

لقد حملت روح ذلك القابع كل تلك الأوجاع فكسَّرها بين جنبيه؛ لأنه يعلم أن الحياة ماضية، وفتّتَّ الصخور الصلدة؛ لأنه يدرك أن القطرة الواحدة تنحت ما لا تنحتها الكسارات العظيمة... .درَّبته الحياة فخبرها وهو غِرٌّ، وثقَّفته الحوادث ففهمها وهو كهل، لا يمل من الترحاب، ولا تفارق الابتسامة محياه، ولا تغادر الكلمات العذبة لسانه.

وما زال يتراءى لي عند كل خطوة أخطوها إلى هناك، أجد غصة في حلقي وأنا أتذكر نداءاته المتكررة، وعبارته السلسة التي لا أنساها أبد الدهر، كلما أسررت له بحديث، أو ذكرت له أمرا "الله يأويك" ما أحلاك يا سوريا! حتى كلماتك ندية، وعباراتك زكية، لا ينبغي للمرء أن يتجاهلها، أو يغض الطرف عنها؛ لأنها لا تدخل إلا في الصدور، ولا تستقر إلا في القلوب. 

لا أدري ما الذي شدني إليه، وجعل قلبي يرتاح لحديثه ولقياه؟! أهي الصداقة التي عمرتها الروح الخالصة؟! أم المودة التي غذّتها الأخوة الباهرة، وما زال ينبوع ذلك العذب الزلال يجري في دماء أسرته الماجدة، يوثقونها ويقوونها؛ لأنهم يعلمون أنها صدقة لأبيهم، وبر بوالدهم.

 هنيئا لكم ذاك الأب الوقور، وهنيئا له هذه التربية الناصعة، رحماك يا أستاذي الدكتور أحمد حالو، ربما انطبق الاسم على مسمَّاك؛ لأن الاسم بدأ بالحمد، وأعقبته الحلاوة التي تمثلت في تواضعك، وحضورك الرزين بين إخوتك وطلبتك.

 لم أحفل بدرس أسطره لك، ولكن سرتني سطور كثيرة كونتها صداقتي معك منذ أول سماعي اسمك، ومعرفتي بك، فلترقد في قبرك قرير العين، مرتاح البال.

 

إرسال تعليق عن هذه المقالة