السنة 16 العدد 150
2021/12/01

المكتبة العمانية في النهضة الزاهرة ... الواقع والمأمول

 

 


 

 

بقلم: ريم الهاشمية*

 

   تعد المكتبات مؤشرا على قياس حضارة الدول وقوتها،  وأكبر مثال على ذلك الولايات المتحدة الأمريكية التي تمتلك أكبر مكتبة في العالم وهي مكتبة الكونغرس الأمريكية؛ في إشارة مهمة إلى أن الإنتاج الفكري والعلمي هو المحرك الرئيس الذي يبنى عليها التطور الحضاري والصناعي والتكنولوجي وغيره، وقديما نجد مكتبة دار الحكمة التي تأسست في العصر الذهبي الإسلامي، أو مكتبة الإسكندرية التي كانت شاهدا على التطور الحضاري للإغريق، وغيرها من المكتبات التي ظهرت عبر مختلف العصور وكانت دليلا على رقي حضارة تلك الأمم.

   لقد حظيت المكتبات في عصر النهضة العمانية الزاهرة باهتمام بالغ الأهمية، فأنشأت الكثير من المكتبات العامة والتخصصية والأكاديمية، إذ بلغ عدد المكتبات الأكاديمية ما يزيد على 50 مكتبة أكاديمية، كما تشير آخر الأرقام حسب النشرة السنوية لإحصاءات التراث والثقافة لعام 2020 إلى وجود 64 مكتبة أهلية موزعة على كافة ولايات ومحافظات السلطنة. وعندما نذكر المكتبة فإن لزاما علينا ذكر حركة التأليف والنشر؛ لأنهما يسيران في خطين متوازيين، فكلما زادت حركة النشر والتأليف زادت معها قوة المكتبة ومكانتها ثقافيا ومعرفيا داخل المجتمع.

   وقد سعت الحكومة الرشيدة إلى إنشاء مشاريع وطنية تخدم الجانب العلمي والفكري وتتيح للباحثين فرصة التأليف، ومن أهم المبادرات الوطنية لدعم حركة التأليف: البرنامج الوطني لدعم الكتاب الذي انطلق عام 2011م، والبرنامج الوطني لدعم الكتاب المترجم عام 2017م، كما أنشئ المستودع البحثي العماني شعاع الذي دشن رسميا عام 2020. ويسعى المستودع إلى أن يكون رائداً في خدمة البحث العلمي والتعليم محلياً وعالمياً؛ من طريق إتاحة المصادر العلمية العمانية للباحثين في كافة أنحاء العالم، وتسهم فيه 7 مؤسسات حكومية وأكاديمية عمانية، من بينها جامعة نزوى، وبحسب الإحصائية الأخيرة فإنه يوفر ما يقارب 7594 مادة علمية من رسائل علمية وبحوث علمية في كافة المجالات.

   وسعيا منا للرقي بالمستوى الثقافي والفكري في سلطنة عمان؛ فإننا نؤكد على أهمية وجود مشاريع وطنية في هذا الوطن المعطاء، ومن هذه السطور البسيطة يسعني أن أسلط الضوء سريعا على أهم المشاريع لتكون على سلم الأولويات:

  1. المكتبة الوطنية: هي الأم الحاضنة للتراث الفكري؛ لدورها الكبير في جمع وحصر وإيداع الإنتاج الفكري بكل أشكاله بعيدا عن التشتت. وقد وقّعت الحكومة العمانية في عام 2011 ممثلة في وزارة التراث والسياحة اتفاقية مع شركة ارتاكس استوديو الفرنسية التي تم اختيارها لتصميم المشروع بعد منافسات مع شركات عالمية عدة؛  بإنشاء مشروع مجمع عمان الثقافي، ويتألف المشروع من مكونات معمارية متعددة تحتوي على الهيئة الوطنية للمحفوظات والوثائق، والمسرح الوطني، ومكتبة وطنية، ومكتبة للأطفال، ومبنى للمنتدى الأدبي، ومعهد الفن؛ ولكن للأسف لم نرَ مشروع المكتبة الوطنية يتحقق على أرض الواقع، رغم أهمية هذا المشروع علميا وثقافيا وفكريا على الوطن والمواطن.

 

  1. الأرشيف الوطني الإلكتروني: ويعرّف المشروع بأنه عملية تحويل الكم المتراكم (المستندات والوثائق) إلى الصيغة الإلكترونية وترتيبها وحفظها على الوسائط الإلكترونية المختلفة وفهرستها في أرشيف إلكتروني؛ مما يتيح الفرصة لاستعمال الأرشيف نقطة انطلاق لمحاور عدة، مثل برامج التحليل ودعم اتخاذ القرارات، وهناك مبادرات داخل هذا الوطن لإنشاء أرشيف وطني إلكتروني، أشهرها: ذاكرة عمان؛ التي تمثل أهمية كبيرة على المستوى الوطني والعالمي، فهي تدعم مسيرة النهضة العُمانية في الحفاظ على الإنتاج الفكري ونشره، كما تدعم رسالة المؤسسات الأكاديمية ومراكز المعلومات المتمثلة في نشر المعرفة وتسهيل الوصول إلى الكتاب العماني، بالإضافة إلى مشروع المكتبة السعيدية التي تضم بين ثناياها الكتب الدينية العمانية، وهي متاحة للجميع عبر الإنترنت. وبالرغم من وجود مثل هذه المبادرات إلا أننا نفتقد وجود مشروع وطني شامل تتبناه جهة حكومية تتيح التراث والوثائق والمؤلفات العمانية في شتى التخصصات افتراضيا عبر شبكة المعلومات.

 

   وخلاصة القول إنه لا غنى عن وجود هذه المشاريع في أرض عمان الطيبة؛ لأنها أساس النمو الثقافي والعلمي والفكري. ومن وجهة نظري بما أن أهم الأولويات في رؤية عمان 2040 تحت قيادة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق -أدامه الله في عزه- توفير بيئة بحث علمي يقود إلى مجتمع معرفي وقدرات وطنية منافسة، فإن الحكومة الرشيدة ستجمع جهودها لتحقيق هذا الهدف بتعزيز المكتبات والنشر العلمي والتأليف والحفاظ على التراث الوطني؛ وذلك بإنشاء مشاريع كبرى ريادية لها مكانتها المرموقة بين الدول.




*أمين مكتبة جامعة نزوى






إرسال تعليق عن هذه المقالة