السنة 16 العدد 150
2021/12/01

وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ

 

 


 

 

أمجد الرواحي

كرسي اليونسكو لدراسات الأفلاج 

 

الأفلاج هبة من الله وهبها بلدنا العزيزة عمان، وهي إرث حضاري عظيم منذ آلاف السنين. ولجغرافية عمان الدور الكبير في انتشار هذه الأنظمة في مختلف محافظات السلطنة، إذ تم شقها بسواعد أجدادنا ولا زالت تروي القرى العمانية بكل سخاء. وتقسم الأفلاج إلى ثلاثة أنواع رئيسة؛ وذلك حسب مصدرها: أفلاج عدية، وأفلاج غيلية، وأفلاج عينية. وكان لابد للإنسان العماني أن يستغل هذه الثروة الثمينة لبناء المجتمع العماني وتطويره،  وهذا ما دفع المختصين والباحثين إلى ربط الفلج بقيام الحضارة العمانية .  

 

تتعدد استخدامات مياه الأفلاج في حياتنا اليومية، كما تعددت الوسائل التقليدية التي اخترعها العمانيون لتوزيع أنصبة الماء بين المستفيدين. إذ ابتكرت العديد من الآلات والطرق والوسائل لحساب نصيب الفرد من الماء. كما استخدمت وسائل أخرى لتقدير مواقيت الري، منها: الساعة الشمسية بالنهار، واستخدام النجوم بالليل أو الساعة المائية التي تسمى في عمان "الطاسة" أو "الصحلة". وتتشابه فكرة هذه الوسائل والآلات في الأفلاج العمانية من حيث مبدأ العمل، ولكن تختلف في التفاصيل من فلج إلى آخر؛ إذ إن الساعة الشمسية (وتسمى محليا اللمد أو المحاضرة) تعتمد على تحرك ظل عصى مغروسة في أرض مسطحة معلمة بعلامات زمنية. أما الطاسة فهي عبارة عن وعاء نصف كروي ذي حجم ثابت مثقوب من الأسفل، يوضع في وعاء آخر أكبر منه مملوء بالماء. ويتم احتساب أنصبة مياه الري في الأفلاج بحساب الزمن الذي تستغرقه الطاسة لتغطس.

 

أما النجوم فنظامها معقد يختلف من قرية لأخرى في عمان، فقد ذكرت الباحثة البريطانية د. هارييت ناش في دراستها المتعلقة بإدارة مياه الأفلاج استخدام النجوم في سلطنة عمان، إذ أشارت إلى أن العمانيين أهل خبرة اعتمدوا على النجوم وحركتها في توزيع حصص الماء بين المستفيدين، ويحتار العقل في مدى الدقة في التوزيع، فقد قُسم اليوم نهاره وليله إلى وحدات زمنية دقيقة. ومن بين تلك الولايات التي لا زالت تستخدم النجوم في التوزيع ولايتا الحمراء والمضيبي، إذ ذكرت الباحثة أن فلج قرية بني صبح بولاية الحمراء يستخدم النجوم لتوزيع أثار الماء، كما أن فلج الزاهب بولاية المضيبي كان إلى وقت قريب يستخدم النجوم لتوزيع أنصبة الماء، ومع تطور التكنولوجيا استبدلت النجوم بالساعة الإلكترونية في بعض القرى، في حين بعضها لا زال يستخدم النجوم واللمد والطاسة لتوزيع الماء.  

 

وفي ولاية الحمراء يقوم مراقب النجوم بمشاهدة النجوم في القرية التي تطلع في الشرق فوق الأفق، ويستخدم الوقت المستغرق بين طلوع أحد النجوم والنجم الذي يتبعه لتقسيم نصيب الفرد من الماء. وتوجد ثلاث نقاط رسمية لمشاهدة النجوم: النقطة العلوية وهي ساحة مسجد قديم، وهذا المسجد هو أول مبنى في القرية يصادفه المرء وهو يمشي مع انحدار قناة الفلج. والنقطة الوسطى هي سطح مجلس القرية العلوية، أما النقطة السفلى فهي فناء بيت في الجزء الجديد من القرية. وفي كل النقاط الثلاث توجد بعض العوائق البصرية بين المراقب والأفق. وتستخدم نقاط الرؤية المختلفة في مراحل مختلفة من دورة الري؛ وذلك من أجل القرب من المنطقة المروية. ومما يساعد مراقب النجوم على أداء مهامه أن معظم الناس بالقرية لديهم المعرفة الكافية باستخدام النجوم لتحديد الوقت لمعرفة نصيبهم من الماء، ويرجعون إلى المراقب في حال الشك بأمر ما. 

 

ويستخدم في القرية 21 نجما في العام لتقسيم حصص الماء. ومن أسماء النجوم التي تستخدم هناك: كوي، الموفي، الغراب، الادم، الصارة 1، الصارة 2، الكوكبين، الثريا، الدبران، الجوزاء، الغفر، العقرب ... وغيرها. وقد تنشأ بعض الخلافات والنزاعات فيما يتعلق بتوزيع حصص المياه؛ إلا أن فطنة القائمون على الفلج وثقة أهل القرية بهم تفض كل أنواع هذه الخلافات؛ إذ يدوّن جميع ما يتعلق بالتوزيع كتابيا حفظا لحقوق المستفيدين.

 

وكان من أهم أهداف البحث إثراء المعرفة بالتراث الثقافي لعمان وشبه الجزيرة العربية، وللمحافظة على هذا التراث أصبح من الأهمية بمكان تدوين الأماكن التي ما زالت تستخدم فيها النجوم وأساليب هذا الاستخدام وأسبابه؛ من أجل بلورة فهم هذا التقليد القديم. وتجدر الإشارة إلى أن مثل هذه البحوث والدراسات مهمة جدا لتوثيق هذا النظام الفريد من نوعه والعمل على تشجيع المهتمين للمحافظة عليه وتدوينه للأجيال القادمة، لاسيما أن مثل هذه الأنظمة على وشك الاندثار. 





  • المراجع: كتاب إدارة مياه الأفلاج باستخدام النجوم في سلطنة عمان، تأليف: د. هاريت ناش،  ترجمة: محمد بن سالم الصارمي ( الطبعة الأولى 2019 ).












إرسال تعليق عن هذه المقالة