السنة 16 العدد 150
2021/12/01

رحلتها مع موهبتها تجاوزت حدود الذات … وتتطلّع للأفضل

 


 

إشراقة

 

تقول سُمية بنت زكريا السالمية: "أنهيتُ دراستي الثانوية قبل خمس سنوات، وأنا الآن على أعتاب التخرج من جامعة نزوى، تخصص عُلوم الحاسوب. نشأتُ في عائلة كبيرة، بينَ اثنينِ من الصبيَةِ تحديدًا. في قريةٍ صغيرة مِن (حوائرِ) نزوى ... نتسلقُ النخيل ونصنعُ المنازل من الطين، وهنا لا يعودُ الأطفال إلى المنزل قبلَ غروبِ الشمس، إذ قالت لنا أمي: عندَ أذان المغرب، تستيقظ الشياطينُ من النوم لتأكُلَ الأطفال. لم تكن طُفولتي هادئة على أيِّ حال. عانيتُ من خيالٍ لا يهدأ، حال أغلبِ الأطفال الذين يمتلكونَ طاقة فائضة من الرغبة والسؤال. طاردتُ فراشاتٍ كثيرة لم يكُن للآخرين أن يَرَوْها، واحترقنا معًا، أنا والفراشات، وهذا الألمُ الطفوليّ، هو الذي يجعلك ذات يوم تدركُ أنَّ لِكُلِّ الأشياء حِكمة، وأنتَ في طريقك لتكونَ راشدًا وناضجًا. أحببتُ اللُغة والموسيقىٰ، ولم أحلم بشيءٍ آخر، سوى أن يُحوِّلني اللهُ إلىٰ قصيدة". تابعوا معنا الحوار الآتي على هذه الموهبة الفذّة.

 

المهارة والموهبة

 

كانت بداية علاقة سمية مع القصيدة وحبِّ الشعر ذات ليلة مؤرقة، تقول في ذلك: "لم يُراوِد في تلك الليلة النُعاسُ طرفي. بينما كُنت ذات الحادية عشرة، أتملَّقُ بطفولية لأمي، حتى أجِدَ ما تشغلني به. اقترَحَت أمي: أكملي هذا الشطر، (أُمي أسمتني سُمية...). لم تكُن الجُملة شاعرية، لم تكُن أُمي جادَّةً حتَّى. ولكن أحاسيس الشعر تلبستني، أكملتُ الأبياتَ ببدائيةٍ تامَّة، ودونَ أن أفقه من بحورِ الشعرِ ولوازمهِ شيئا. لكنها البداية! لقد قدرَ اللهُ لي هذا أن أجدَ الوسيلة التي سأقطعُ بها مُحيط قلبي العاصِف. لم أتوقف حتى بعد مُدة طويلة من ذلك، عن كتابة الأناشيد والأهازيج الطفولية، واستعمالها في ألعابنا نحنُ الأطفال. أسرَتنِي قُدرة الكلمات والنَغَمة على أن تتحولَ إلى نسيجٍ مُحكَمٍ ذي مَعنى". وتكمل: "تتطورُ ملكةُ الإنسان، عندما يُحبها كثيرًا. ويقرأ كثيرًا، ويبحثُ عن الأشخاص الذين يُشبهونَهُ، ولا يتوقف عن التعلم. لن تنتهي رحلة التعلُّمِ مثلًا ... لكنك تنمو بالحُب فيها، أو بالألم!".



الغرس قبل ...

 

أجابت السالمية عن سؤالنا: (هل للأسرة والمجتمع دور في تشجيعك على ممارستها؟)، قائلة: "بلا شكٍ في هذا. وعلى أيٍّ حال، لا يُعطيك الآخرون الطريقة، بل يُشرعون جهات الطريق في وجهك حتى عندما تكون حائرًا. اعتاد أبي أن يشجعني -أنا وإخوتي- على الكتابة بينما كُنَّا أطفالًا، فكانَ يبتاعُ لنا المُذكرات ويطلب منّا أن ندون فيها أحداث أيامنا. ويطبع لنا القصائد الطويلة ويطلب منا أن نتسابق في حِفظِها. ومن بينِ إخوتي، كُنت الأكثر حماسةً لفعلِ هذا. كما أن المدرسة كانت جُزءًا ثقيلًا في مِرساةِ شغفي. بالإضافة إلى الفُرصِ اللامُتناهيةِ التي وجدتها، كانت فُرصةُ التعلم مع تلك القلوب الرَّحبةِ دافعًا أساسًا. ليسَ الذين سيُحبونك كُثُر، ولكن ذلك الحُب كافٍ لأن تتألق وتُضيء. وأنا لا أنسَ وجوُهَ معلمات اللغة العربية حينَ يحتفينَ بفرَح شفيف بكُل الخطوات الصغيرة. رُبما لم أكن سأقطع هذا الطريق دون وجوهِهِنّ". 

 

شغف لا حدود له!

 

واجهت سمية تحديات في طريق ممارسة موهبتها؛ بيد أنها استطاعت التغلب عليها بفضل العزيمة والإصرار، تشير إلى ذلك في حديثها: "نعرفُ في البِداية تحفُّظ هذا المُجتمع على أن يكون أحدُهم شفَّافًا. لا يجرؤ الكثيرون على الإفصاح عن مشاعِرِهم الخاصة، بينما يتطلبُ كونك أديبًا، أن تتسلقَ هذا التحفُّظ وتُحوِّلَ قلبك إلى نافذةٍ مفتوحة. بالإضافة إلى التحفظ عندما يتعلق الأمرُ كونكِ امرأة! نعم، كان الأمرُ شاقًا حين أردتُ تجاوُزَ هذا التصوّر داخل مُحيطي، ومن الأشخاصِ المُقرَّبين خصوصًا؛ ولكنك تستطيع تجاوز أيِّ شيء، عندما تجد نفسك بداخلِهِ تمامًا". وقد تمكنت السالمية من ممارسات أكسبتها أدوات فنها الذي تمارسه، تقول عن ذلك: "رُبما القراءة، وشغفي الأصيل بالكلماتْ والمُفردات. لقد أحببتُ اللُغةَ قبلَ أن أُحب القصيدة، فتنتي خُصوصية الكلماتِ ومخارج نطقِها قبل أن أُدرِكَ تأويلَها حتَّى. ساعدني في ذلك حساسيتي الداخلية المُفرطة. فكان وقعُ النغمة سائبًا في أثيرِ قلبي. مُنسجِمًا مع أبسطِ تعامُلاتي. كما أنَّ الخيالَ نقيضُ الواقعِ الذي يجعلُهُ قابِلًا للعيش، فلم أضع لخيالي حدًا. وكانَ أيضًا من الواضح أن مُخالطة الأُدباء ومن يملكونَ هذه الميولَ الحسّية، عاملًا مُهمًا في استفزازِ حدودِ ملَكَتِك". 

 

   نافذة مضيئة

 

لسمية حصيلة مشاركات قدمت فيها موهبتها أمام الجمهور، منها تذكر: "شاركتُ في وقتِ تعليمي المدرسي في مُسابقات عدة، كانَ أهمُّها تلكَ التي أعُدُّ الأيامَ لأجلِها بنزق مُراهِقَةٍ حالمة (مُسابقة المواهب الطُلابية)، وقد حصلتُ فيها على المركز الثالث على مُستوى المُحافظة، ثلاث سنواتٍ مُتتابعة. شاركتُ أيضًا في مُسابقة (بقلمي وصوتي أُعززُ انتمائي)، وحصلتُ على المركز الثالث على مستوى السلطنة. كما تمَّ تحويلُ قصيدتي إلى أوبريتٍ غنائيْ. شاركتُ بعد ذلك في مُسابقة (إبداعات شبابية) وحصدتُ المركز الثاني على مُستوى الولاية. وشاركتُ أيضا في العديد من المُسابقات داخل الجامعة وخارجها وحصلتُ على مراكز مُتقدمة. وكان آخِرُها تأهُل قصيدتي (الملاك الحارِس) في مُسابقة شاعر الخليل بجامعة السلطان قابوس".

سأشارككُم القصيدة:

 

كبُر الذين سقيتهم بدمـــــــائي،

وتكشَّفت بوجـــوهِهِم سيمائي.

 

مُنذ ابتكرتُ طريقــــةً لأصوغهم..

وأنا تركتُ النصِّ للإصغــــــــــــاءِ.

 

نوتــــــــاتُ أعيُنِهِم تقطّعني لذا؛

يختلُّ بينَ خُطايَ وزنُ غنــــائي.

 

عَطَشٌ يُدحرِجُني إلىٰ واحاتهم

كَم تبرعُ الصّحراءُ في الإغــــواء.

 

حاولتُ كَم، قبض الحقيقةِ منهُمُ

لكنَّ هذا الطّبعَ سرُّ المــــــــــاءِ.

 

حملوا إليَّ من السماء نجــومها

وتدافعـــــــوا في القلبِ بالأضواءِ.

 

هل غرَّبوني في خـــــــواءٍ هائمٍ

أم أثثوا بالحُـــــــب صدرَ خوائي؟

 

علَّمتُهم كيفَ المـــــــــرايا سُلّمٌ

فتصاعدوا فـــــوق الرؤىٰ والرّائي

 

يا للملائكــــــــــةِ الذين رأيتـهم..

يتزاحمونُ علىٰ حــــدودِ سمائي

 

لمّا تداعىٰ المـــوتُ أنبتَ دمعُهم

شجـــــــرًا وأحلامًا.. بكفِّ بُكائي.

 

وتفتحوا في الخطوِ رُغمَ جــدوبِهِ،

وكأنهم جُبِلوا على إحيــــــــائي.

 

هُم كُل حــــرّاسي وكُل وليَّ لي

حينَ الوجــــودُ يشدُّ خيطَ حدائي.

 

لا شيء يعصِمُهم على روحي ولا

غيرُ الحقـــــــائقِ.. تستفزُّ عنائي.



حينًا أُعــــــــدِدُهم، فألقاني بِهمْ

أو أستفيقُ بِهم بلا إعيــــــــــــاءِ.

 

بردٌ يُراوِدُني. وليست جــــــــذوةُ

الأوهامِ إلّا كي تكـــــــونَ ردائي.



ميزان راجح

 

أنا لا أُفكر في المُستقبل كثيرًا، بذا ردت السالمية على سؤالنا لها عن مستوى طموحها المستقبلي الطامحة للوصول إليه بموهبتها. وأضافت: "لكنني أريد مُلاحظة الفُرص أكثر. فهذه الفُرص العاديّة والقريبة، هي من تصنعُ الصورة الأخيرة. أتمنىٰ أيضًا أن أُشبِهَ نفسي، وأُعبِّر عنها في كُل خطوةٍ قادمة". فيما كانت إجابتها عن كيفية التوفيق بين ممارسة الموهبة والدراسة في آن واحد، قائلة: "عادةً تكون هذه المواهب مُجرد وسيلة، وليست غاية؛ لذلك لا أشعر أنها تؤثر بالمستوى الأكاديمي على أي حال. بل إنها تُضاف إلى وقتك مساحةً تخدم جانبكَ النفسيّ، وتُتيحُ لك التنفيس عن ضغوطِ الدراسة بشيءٍ آخر، ولكن لِزاماً عليك ألا تُعطي أحدَ الجوانب في حياتك جُزءًا مُبالَغًا يبخسُ حقَّ شيءٍ آخر؛ حتَّى لا تخسرَ كُل شيء".

 

مفارقات مفيدة

 

تقول سمية: "شاركتُ في جماعة البرمجة بحُكمِ تخصصي الدراسيّ، بالإضافة إلى مُشاركتي في جماعة الشهباء للفنونِ الأدبية. وقد بدأتُ أيضًا تجرُبة جديدة في رئاسةِ جماعة البرمجة هذا العَام. يبدو الأمرُ مُتناقِضًا ... دراستي العلمية وميولي الأدبية. ولكنَّ هذه المُفارقات هي من تصقلُ نظرتك تجاه حياتك، وتُساعدُك على اكتشافِ نفسك، وحدودِ قُدرتِك. لا أستطيعُ إنكار تأثيرِ مُشاركاتي على حياتي الخاصة والأكاديمية؛ لأنها تتيحُ لك تجارب لم يسبق لك إيجاد الفُرصة للخوضِ فيها. وتتيح لك التعامل مع شخصيات مُختلفة وتدريب نفسك للعمل تحت الضغط". 

 

آمن وتقدم

 

توجه ضيفة حوارنا هذا نصيحتها لزملائها الطلبة قائلة لهم: "لا تجلسوا طويلًا في الظلّ. لا تخافوا من التجربة. ولا تفترض أنَّ الذين تقدموا من حولك هُم أفضلُ منك مثلًا، فرُبما الفرق بينكُم هو جسارتُهم لوضعِ أنفُسِهِم بينَ يديّ الواقع. ابحثوا عن الفُرص دائمًا؛ فاغتنموها. كُل هذه المحاولات البسيطة التي لا تكادُ تُذكر، هي ما يصنعُ الصورةَ المؤجَّلة والأخَّاذةَ عنكم. لا تضعوا حدًا لتصوراتكم عن أنفُسِكُم. وآمِنوا. آمِنوا بقوَّة". 

 

إرسال تعليق عن هذه المقالة