السنة 16 العدد 149
2021/11/01

بعد عشرين عاماً في تحقيق المخطوطات العمانية ...

قيمتها تضخُّ آمالاً للعناية بها ... ومركز الخليل يَعِدُ بمجموعة من الإنجازات

 

 


 

   المنهجية العلمية المعتمدة في التَّحقيق كفّةٌ راجحةٌ

   مئات المخطوطات ما تزال منزويةً

   ما مستقبل المخطوط العماني الرقمي؟!

 

 

 

محمد حبيب صالح، سوري الجنسية من مواليد عام  1958م، حصل على شهادة البكالوريوس في الآداب من قسم التاريخ بجامعة دمشق عام 1982 – 1983م. وعُيِّنَ معيداً في القسم المذكور، ثم ابْتُعِث إلى أكاديمية العلوم السوفييتية في موسكو عام 1985م؛ لمتابعة التحصيل العلمي العالي. حصل على شهادة الماجستير ثم الدكتوراة في فلسفة التاريخ، باختصاص (تاريخ العلاقات الدَّولية والسياسة الخارجية) عام 1991م. يقول في مطِلع لقائنا معه: "عدت بعد ذلك إلى سورية، وعينت مباشرة في وظيفة أُستاذ مساعد في قسم التاريخ في جامعة دمشق، ثم حصلت على مرتبة أستاذ مشارك عام 1998م، وعلى مرتبة أستاذ عام 2006م".

 

 


 

حوار: إشراقة

 

 

كيف تشكّلت ملامح ارتباطك بجامعة نزوى؟

بدأت علاقتي مع المؤسسات التعليمية العمانية في عام 2001م، بالتدريس في كلية التربية (سابقاً) في نزوى، إذ دَرَّست فيها مقررات عدة في التاريخ على امتداد ستة أعوام متتابعة، وبعد انتهاء الإعارة عدت بطلب من جامعتي الأُم إلى عملي في قسم التاريخ في جامعة دمشق. وفي عام 2012م عدت إلى عُمان، وعُينت في قسم التربية والدراسات الإنسانية في جامعة نزوى، ودَرَّست مقررات: الحضارة الإسلامية، وتاريخ عُمان ودورها الحضاري، والثَّقافة الإسلامية حتى 18/9/2021م، فقد عُيِّنتُ باحثاً متفرغاً في مركز الخليل بن أحمد الفراهيدي للدراسات العربية والإنسانية في جامعة نزوى.

 

يقع اهتمامك البحثي في تحقيق المخطوطات ... حدثنا عن ثقافة المخطوط العماني؟

تزخرُ المكتباتُ العامَّةُ والخاصَّة في سلطة عُمان، بعدد كبيرٍ من المخطوطات في جميعِ المَجالاتِ العلميَّةِ والمعرفية، لا سيما  الدِّراسات التَّارِيخيَّة، والفكريَّة، والفقهيَّة والعقديَّة الإسلاميَّة، وَمَا يَتَّصِلُ مِنهَا بِعلْمِ الكلامِ، واللُّغويَّة، والمعجمية، والأدبيَّة، والشِّعريَّة، والجُغْرافيَّة وَالفلكيَّة والطُّبِّيَّة، وغيرها من كنوز الثَّقافة العربيَّة الأصلية الَّتي صَنَّفَهَا أعلام مَشْهورونَ من علماء عُمان وأدبائها منذ القدم وحتى وقت قريب، ولعل أبرز ما يميز هذا المخزون التُّراثِي الفِكري والثَّقافي الكبير في عُمان، أنه يحمل الهوية والخصوصيَّة العمانيَّة، والبصمة الفكرية والثقافية العُمانية، ووجود عدد كبير من المخطوطات الموسوعية التي تتكون الواحدة منها من عشرات المجلدات، مثال: قاموس الشريعة للسعدي و بيان الشرع للكندي.

ولابد من التأكيد هنا بأن المخطوطات العمانية بشكل عام، لا سيما التاريخية منها لا تقل أهمية عن المخطوطات العربية والإسلامية الأخرى، وتعد من الأعمال الموسوعية الكبرى، سواء تلك التي عنت بالتاريخ العام، مثل: كتاب كشف الغمة الجامع لأخبار الأُمة للإزكوي، أو في علم الأنساب، مثل: كتاب الأنساب للعوتبي الصُّحاري، الذي يضاهي كتاب نسب معدّ واليمن للكلبي، وكتاب جمهرة أنساب العرب لابن حزم الأندلسي، أو في الأنساب والتَّراجم والأعلام، مثل: المؤتمن في ذكر مناقب نزار واليمن بسفره الأول الصحيفة العدنانية، والثاني الصحيفة القحطانية للمؤرِّخ العماني الشهير ابن رزيق النَّخلي العُماني، الذي يوازي في أهميته كتاب سير أعلام النبلاء للذهبي، وكتاب تاريخ دمشق لابن عساكر، وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي.

وإذا كان البحث العلمي والأكاديمي قد اتجه نحو هذا التُّراث بالتَّحقيق والدِّراسة من العُمانييِّن، وغيرهم من البلدان العربية، فإن الذي ما زال منزوياً من المخطوطات في المكتبات العامَّة والخاصَّة، والجماعات والأفراد يُعَدُّ بالمئات، وينتظر المزيد من العناية، ونفض الغبار، وفي هذا الإطار، نشاهد اهتمام المسؤولين الواعين بقيمة هذا التُّراث من وزارة الثَّقافة والشَّباب والرِّياضة، ووزارة الأوقاف والشُّؤون الدِّينيَّة، وجامعة السلطان قابوس، وجامعة نزوى، لكن هذا الاهتمام يحتاج إلى المزيد من العمل والجهد والاجتهاد، نظراً لقيمته، وحاجة المكتبة العُمانيَّة والعربيَّة والإسلاميَّة وحتى العالميَّة، إلى إبرازه محققاً وفق ضوابط البحث العلمي، وشروطه الأكاديمية.

 

 

 

 

رحلتك في مركز الخليل بن أحمد الفراهيدي للدراسات العربية والإنسانية ابتدأت لتوِّها ... حدثنا عن أبرز محطاتها العلمية والعملية فيما هو مقبل لكم؟

عندما كنت أدرس المقررات الجامعية في جامعة نزوى بين عامي 2012-2021م، كان التدريس ومتطلباته يأخذ مني وقتاً طويلاً، لا سيما وأنه كان لدي أعداد كبيرة من الطلبة، لذا اقتصرت علاقتي بمركز الخليل على المشاركة البحثية في بعض الندوات التي دُعيت للمشاركة فيها، فقد كان ينظمها المركز، بالإضافة إلى أنني كنت ملتزماً مع وزارة الثقافة والشَّباب والرِّياضة بتحقيق مخطوطة المؤتمن في ذكر مناقب نزار واليمن منذ عام 2009م؛ أي قبل أن أباشر عملي في جامعة نزوى بثلاثة أعوام، وقد انتهيت من تحقيقها قبل ما يقارب العامين وطبعتها وزارة الثقافة والشباب والرياضة الطبعة الأولى هذا العام (2021م) في عشرة مجلدات، وفي حينها كنت مضطراً لأن أعمل ساعات طويلة في عطلة نهاية الأسبوع، وفي أيام العطل الرَّسميَّة، وفي إجازة الصَّيف، لا سيما وأنه قد تقطعت بنا السُّبل في الوصول إلى الوطن بسبب الحرب وويلاتها.

أمَّا الآن، فقد عُيِّنْتُ باحثاً متفرِّغاً في مركز الخليل للدراسات العربية والإنسانية، بقرار من الأستاذ الدكتور أحمد بن خلفان الرَّواحي الموقّر رئيس الجامعة، للإسهام في تنفيذ خطة طموحة وواعدة وضعتها الرئاسة لتطوير عمل المركز، وأتشرف بأن يكون لي دور في المشاركة في تنفيذها، بخبرتي المتواضعة من طريق:

أولاً- تحقيق أو إعادة تحقيق سبع مخطوطات تاريخية ودينية عُمانية في العامين القادمين، إن شاء الله تعالى، علماً أنني أعمل في تحقيقها منذ أكثر من خمسة أعوام خلت، هي:

1-   المؤتمن في ذكر مناقب نزار واليمن، السفر الثاني الصحيفة القحطانية، للمؤرخ العماني الشهير حميد بن محمد بن رزيق، وقد انتهيت من عملية تحقيقها في سبعة مجلدات قبل التحاقي بالمركز، وبقيت الفهارس التي أعمل عليها الآن، وسيكون مجموع عدد مجلداتها تسعة مجلدات مع الفهارس، ويتوقع تسليمها في شهر يونيو القادم بعون الله تعالى.

2-    الأنساب للمؤرخ العُماني والنَّسابة الشهير سلمة بن مسلم العوتبي الصُحاري، وقد أنجزت ما يقارب 50% من عملية التَّحقيق، ويتوقع أن يكون العمل في خمسة مجلدات مع الفهارس.

3-   الشُّعاعُ الشَّائِعُ باللَّمَعَاْنِ في ذِكْرِ أَئِمَّةِ عُمان وَمَا لَهُم فِي الْعَدْلِ وَالشَّأنِ، للمؤرخ العماني المعروف حميد بن محمَّد بن رزيق بن بخيت النَّخلي، وقد انتهيت من عملية تحقيقها، وبقي العمل على وضع الفهارس بعد الانتهاء من فهرسة المؤتمن في ذكر مناقب نزار واليمن. وستكون مع الفهارس في مجلدين، بإذن الله تعالى.

4-    كتاب التَّرتيب في الصَّحيح من حديث الرَّسول، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ، جمع وترتيب الإمام أبي يعقوب يوسف بن إبراهيم الوارجلاني. وقد انتهيت من تحقيقه، والفهرسة قيد الإنجاز الآن، وأتوقع تسليمه إلى المركز للتَّدقيق اللُّغوي في الأول من شهر ديسمبر هذا العام، إن شاء الله تعالى.

5-   الجَامِعِ الصَّحِيْحِ مُسْنَدِ الإِمَامِ الرَّبِيْعِ بْنِ حَبِيْبٍ بْنِ عَمْرُوٍ الأَزْدِيِّ البَصْرِيِّ. وقد انتهيت من تحقيقه، وبقيت الفهرسة، وسيكون العمل في مجلد كبير مع الفهارس، إن شاء الله تعالى.

6-   تِجارَةُ العلماء والسِّير العمانية، العمل مرقون، وأتوقع بدء العمل فيه بعد الانتهاء من العمل في المخطوطات السابقة أي بعد ما يقارب عام ونصف من الآن، إن شاء الله تعالى.

7-   كما انتقيت بعض المخطوطات القيِّمة في التاريخ العماني، وأقوم برقنها تمهيداً لتَّحقيقها في حال تجديد العقد الحالي مع المركز، ولدي مقترحات لتأليف بعض الكتب في مواضيع تاريخية مختلفة.

ثانياً- الإسهام في تأسيس أرشيف (ورقي وإلكتروني) للمخطوطات العمانية، أو صور عنها، وفهرستها، وتحقيقها، تمهيداً لنشر المحقق منها من قبل المركز.

ثالثاً- الإسهام في تأسيس أرشيف (ورقي وإلكتروني) للوثائق العمانية، ودراستها وتصنيفها، وكتابة شروحات وتوضيحات في هوامشها، تمهيداً لإصدارها في مجلدات من قبل المركز.

 

كيف تصف مسيرتك في عالم الدراسات التاريخية العمانية طوال السنين المنصرمة؟

بحكم الاختصاص، كان لدي إلمام جيد بالتاريخ العماني قبل أن أبدأ مسيرة العمل والتدريس في كلية التربية بنزوى عام2001م، ولعل السَّبب في ذلك يعود إلى نوعية المقررات الجامعية التي درستها في قسم التاريخ في جامعة دمشق في مرحلة البكلوريوس، عن التاريخ العربي والإسلامي في العصور القديمة والإسلامية والحديثة، إضافة إلى إلمامٍ ببعض المصادر التاريخية العمانية المطبوعة في بيروت أو القاهرة.

 غير أن مسيرة التَّعرف عن كَثبٍ على الإرث الفكري والثَّقافي العماني والمخطوطات العمانية بدأت عندما نظَّمت عمادة كلية التَّربية معرضاً للمخطوطات العمانية عام 2001م، إذ دفعني حب الاطلاع على إلقاء نظرة سريعة على فهارس بعض المخطوطات التاريخية منها، وهناك كانت البداية الأولى، ومنذ ذلك التاريخ وإلى اليوم، وعلى امتداد عشرين عاماً وأنا أعمل في تحقيق المخطوطات العمانية، حققت فيها لصالح وزارة التراث والثقافة العمانية المخطوطات الآتية:

1-   مخطوطة الصَّحيفة القحطانية، لحميد بن محمد بن رزيق، فقد طَلب منِّي عميد الكلية بعد المعرض الاطلاع على هذه المخطوطة التي كانت قد وصلت في حينها صورة منها من مكتبة جامعة كامبرج في بريطانيا، وكلفت معه بتحقيقها من قبل وزارة التراث والثقافة العمانية آنذاك، ثم انضاف إلى التحقيق زميل آخر، وفي عام 2006م عدت من عُمان إلى مقر عملي في جامعة دمشق، وفي عام 2009م  طبعت في خمسة أجزاء من قبل وزارة التراث والثقافة دون فهارس، وسقط من الأجزاء المطبوعة الكثير من الحواشي في المطبعة، الأمر الذي دفعني إلى جانب أسباب كثيرة أخرى، أهمها أنني لم أكن راض عن العمل، إلى إعادة تحقيقها بمفردي، وفق المنهجية العلمية المعتمدة في التَّحقيق، وتجاهلت التحقيق السابق بالمطلق، وكأنه لم يكن، وستكون من نصيب مركز الخليل إن شاء الله تعالى مع الفهارس، كما ذكرت، في تسعة مجلدات مع الحواشي. علماً أن الطبعة الأولى نفدت من البيع.

2-   تحقيق مخطوطة كشف الغمة الجامع لأخبار الأمة، للمؤرخ العُماني سرحان بن سعيد الإزكوي، صدرت الطبعة الأولى منه في سبعة أجزاء صغيرة، ثم صدرت الطَّبعة الثانية عام 2013م، من قبل وزارة التراث والثقافة، أشرفتُ على طباعتها وتصحيح الأخطاء التي وقعت فيها المطبعة في الطبعة الأولى بما في ذلك الحواشي الساقطة، وخرجت الطبعة الثانية في حالة ممتازة في ثلاثة أجزاء متكاملة مع الفهارس، وهي من أكثر المخطوطات العمانية المحققة مبيعاً داخل عُمان وخارجها، وقد نفدت الطبعة الثانية من البيع، ويتوقع صدور الطبعة الثالثة في وقت قريب.

3-   إعادة تحقيق مخطوطة الفتح المبين في سيرة السَّادة البوسعيديين، للمؤرخ العماني حميد بن محمد بن رزيق، بتكليف من وزارة التراث والثقافة؛ لأن التحقيق السابق الذي قام به أحد الأساتذة الجامعيين في جامعة السلطان قابوس اقتصر على رقن نص المخطوطة كما هي ومن نسخة واحدة، في مجلد واحد. وبعد أن انتهينا من تحقيقها وفق المنهجية العلمية الصَّحيحة، طبعتها وزارة الثراث الثقافة في عام 2016م، في مجلدين، وهي في حالة ممتازة.

4-   تحقيق المؤتمن في ذكر مناقب نزار واليمن، السفر الأول الصحيفة العدنانية، طبعتها وزارة الثقافة والشباب والرياضة، في عشرة مجلدات مع الفهارس، الطبعة الأولى عام2021م، وهي في حالة ممتازة.

5-   تأليف كتاب تاريخ عمان في العصور القديمة، نشرته دار لؤي للطباعة والنشر في دمشق عام 2006م.

6-   تأليف كتاب الحضارة الإسلامية، متطلب جامعي، نشرته جامعة نزوى الطبعة الأولى2016م. وفيه وحدة كاملة عن دور العمانيين في تطور الحضارة الإسلامية.

7-   تأليف كتاب تاريخ عمان ودورها الحضاري، مقرر دراسي اختياري لجميع الاختصاصات في جامعة نزوى، ومتطلب إجباري لطلبة معلم صف مجال أول، درَّسته للطلبة في جامعة نزوى، وما يزال مرقوناً.

8-   تأليف كتاب الثقافة الإسلامية مقرر دراسي اختياري، درَّسته في جامعة نزوى، وما يزال مرقوناً. يتضمن فصلين كاملين من أصل خمسة فصول عن أهمية التراث والمرجعية التراثية والتاريخية في الحفاظ على الهوية الوطنية العمانية في ظل التَّحديات المعاصرة.

 

 

برأيك، فيما برع المحقق العماني؟ وما الذي ينقصه؟

سؤالك ينطبق على كل من يعمل بالتَّحقيق من العمانيين وغير العمانيين، فتحقيق المخطوطات عِلْمٌ قائم بحدِّ ذاته، ويجب أن يلم به وبقواعده وأصوله كل من يريد أن يخوض غماره، من المحققين العمانيين وغيرهم، وأقول لك بصدق وأمانة، لا يمكن أن تحكم على المحققين العمانيين أو غير العمانيين بالنَّجاح أو الفشل في العموم، والمحققون العمانيون كغيرهم هنا، فيهم من أبدع، وسرُّ إبداعه امتلاكه ناصية هذا العلم، وشروط نجاحه، ومنهم من لم يفلح، لأنَّه لا يمتلك ناصية هذا العلم، وليس له منه إلاَّ الطموح، وكل من يفلح من المحققين العمانيين أو من غيرهم من غير العمانيين يكون دائماً عرضة للنقد الذي يأتي من قبل من يدعي ملك ما ليس ملكه، ولا يعمل ولا يريد لغيره أن يعمل، على قاعدة حسدٍ، أو عقدة نقص، أو أي سبب لا مبرر له، ولا عجب فهذه طبيعة النَّفس البشرية، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:"كادَ الْحَسَدُ أن يغلبَ القدر".

وفي الإطار العام، يمكنني القول: إن العمل في التحقيق يتطلب من كل من يريد الخوض فيه جملةً من الشُّروط التي تمثل الحدّ الأدنى، وفيما يأتي أهمها:

1-   الإلمام الكامل بالمنهجية العلمية المتبعة في تحقيق المخطوطات، وبمدارس التحقيق، على اختلاف مشاربها واتجاهاتها، لا سيما منهجية تحقيق الكتب التراثية التي يجب على المحقق أن يحرص دائماً على إغناء النَّص بالحواشي، سواء لجهة الملاحظات والتَّصويبات والتَّصحيفات، أم وضع تراجم وافية للأعلام الذين ترد أسماؤهم في النَّص، من كتب التراجم والأعلام، والإضاءة على الأماكن والمدن والقرى والبلدات التي ترد في النًّص بالاعتماد على المعاجم الجغرافية، وضبط الأبيات الشِّعريَّة والقصائد من الدواوين أو من مصادرها الرئيسة.....  إلخ؛ لأن المحقق في مثل هذه الحالة يحقق لكل من يريد قراءة العمل المُحَقَّق، بصرف النَّظر عن المستوى الثقافي والمعرفي للقارئ، الأمر الذي يسهم في إيصال كل فكرة في النص المُحَقَّق إلى كُلِّ من يطلع عليه.

2-   تتطلب عملية التحقيق ثقافة واسعة، وإلمام كبير بالمصادر والمراجع التاريخية، لا سيما أمهات الكتب منها، وبالأحداث التاريخية، وتاريخ وقوعها، وبالمصادر الأدبية، ودواوين الشُّعَراء، وكتب التَّراجم والأعلام، والمعاجم الجغرافية.......الخ.

3-   الإلمام بأنواع الخط العربي وقراءتها، فتحديد نوع الخط جزء من عمل المحقق، وحتى يتبين فيما إذا كانت المخطوطة مكتوبة بخط يد المؤلف، أم أنها من خط يد النسَّاخ، وهل كتبت من قبل ناسخ واحد أو أكثر في النّسخة الواحدة نفسها.

4-   إدارة وتنظيم الوقت، والتحلي بقيمة الصَّبر، وبإرادة صلبة؛ لأن تحقيق بعض النُّصوص، لا سيما ما تعرض منها للرطوبة والتشويه في بعض الصَّفحات، قد يدفع المتسرِّع العجول إلى وضع نقاط مكان الكلمات والجمل وحتى الأسطر التي تعرضت للرطوبة، ويكتفي بالإشارة إليها في الحواشي، وهذا شكل من أشكال الهروب من مواجهة مشكلة وحلها، أو أن  يحكم على المخطوط بعدم الصَّلاحيَّة.

وأقول لك بصدق أني مررت بحالات تطلب فيها مني تحقيق ورقة واحدة مشوَّهة من المخطوطة أكثر من شهر.

5-   التَّحلي بالموضوعية، والبعد عن الحكم على مضمون العمل على قاعدة الموقف والرأي الشخصي، أو التعصُّب، أو التحيز لطائفة أو مذهب، أو عرق أو قبيلة أو جماعة، أو حاكمٍ، والوقوف على مسافة واحدة من الجميع، بما في ذلك في أثناء وضع تراجم الأعلام في الحواشي، فالمحقق الموضوعي يضع التراجم من مصادر الفريق الذي ينتمي إليه هذا الاسم المترجم له أو ذاك، لا كما يترجم له من هو في خلاف معه، فيرضي المحقق بموضوعيته وحياده جميع القرَّاء، ويسدُّ أبواب النَّقد الذي يصل أحياناً إلى حد القدح والتَّجريح.

6-   ليس من حقِّ المحقق أن يقوِّلَ النَّص ما لا يحتمله، ويتناقض مع مضمونه، عبر وضع وإقحام شروحات وتعليقات في الحواشي، في محاولة منه لتبرير موقف، أو توجيه لوم، أو ما شابه ذلك، ولا يقصد بذلك هنا الشروحات والتعقيبات العلمية المفيدة، فهذه من حق المحقق، ومن واجبه، وهي جزء من عملية التحقيق ذاتها.

 

 

هل هناك جهود لفهرسة المخطوط وتحويله رقمياًّ؟

نعم، وهذا يتطلب وقتاً من أجل جمع ما أمكن من المخطوطات، أو صورة عن كل مخطوطة يمكن الحصول عليها، فهي الخطوة الأهم والأكثر صعوبة، وقد بدأت هذه الخطوة، إضافة إلى ما هو موجود لدى المركز من مخطوطات من قبل، وهو مفهرس، وستسير عملية فهرسة ما نحصل عليه من مخطوطات أو صور عنها بالتوازي مع عملية جمعها، وكما ذكرت لك فإن عملية تحقيق المخطوطات انطلقت؛ لذا يسير العمل بخط موازٍ لأعمال أخرى، سيما وأنَّ جمع المخطوطات وفهرستها وأرشفتها عملية دائمة.

 

ما أبرز قضية يواجهها مجال تحقيق المخطوط العماني اليوم؟

لا يخلو أي عمل علمي من صعوبات ومعوقات مختلفة، ويجب أن تؤخذ على محمل الجد من جميع الأطراف التي تشارك فيه، سواء على مستوى من يخوض غمار العمل وتعترضه الصعوبات بصورة مباشرة، أو على مستوى من هو في موقع المسؤولية واتخاذ القرار، إذ لا يمكن أن يتولى طَرَفٌ بمفرده مسألة حلّها، فهذا شكل من أشكال الحكم بالفشل على أي عمل، لأن جميع المشكلات تحل بتكامل الأدوار، والتنسيق بين جميع الأطراف، كل من موقعه وحسب إمكاناته، إلى جانب التحلي بقدر كبير من المرونة أثناء العمل على حلّها، وإماكانية تقديم البدائل عندما يفشل هذا الحل أو ذاك.

 

أمَّا بالنسبة لسؤالك أعتقد أن هناك عدد غير قليل من المشكلات، لعل أهمها:

1-   مشكلة التَّمويل وتغطية نفقات التَّحقيق وطباعة ما يمكن تحقيقه، وهي مشكلة عامَّة، لا تقتصر على مؤسسة دون أخرى، والمشكلة عائدة في جوهرها إلى سيادة طريقة في التفكير (ما يسمى الذهنية، المينتاليتيت) لدى بعضهم، تبرر النَّظر إلى مَسْألة بعث التُّراث على أنَّها يجب أن تكون مصدراً للربح المادي السَّريع، وهذا لا يصُحُّ، فالتُّراث ليس فقط عملية تحقيق المخطوطات وطباعتها وبيعها وتحقيق ربح مادي منها، علماً أن هذا الرِّبح مضمون؛ لكن على المدى المتوسط من بدء العمل، وهو نتاج عملية تراكميَّة، تبدأ عندما يصبحُ لدى المؤسسة البحثيَّة العديد من المخطوطات المُحققة والمطبوعة، المطروحة للبيع. أمَّا المردود الذي يفوق الرَّبح المَادي هو المردود الفكري والثَّقافي، لما له من دور في الحفاظ على الهويَّة والخصوصيَّة، والبصمة الفكرية والثقافية التي تكونت تاريخياً، وتأصلت عبر العصور التاريخية، مع ما لها من دور في مواجهة التَّحديات المصيرية التي تطال الفكر والثقافة الإسلامية، التي تواجهها مجتمعاتنا الإسلامية، لا سيما في الوقت الحاضر. إضافة إلى أنها قيمة مضافة للإنتاج العلمي والبحثي لدى الجامعات والمؤسسات التَّعليميَّة الأُخرى.

 

2-   مشكلة الحصول على أكبر عدد من نسخ المخطوطة المراد تحقيقها، لا سيما الموجود منها في مكتبات خارج عُمان، وصعوبة الحصول على صورة منها، بصرف النَّظر عن الأسباب، وقد تكون نسخة المؤلف نفسه، والنُّسخة الرَّئيسة في عملية التَّحقيق؛ مما يجعل العمل في تحقيقها عرضة للنَّقص في نص العمل نفسه، وهذا ما وقع به عدد غير قليل من المحقِّقين في عُمان وفي غير عُمان.

 

3-   مشكلة تطال المحققين أنفسهم، وهي في الحقيقة مشكلة مركبة، منها:

أ‌-       ما هو لجهة الأمانة العلميَّة للمحقق، ولست هنا في إطار توجيه النَّقد إلى الآخرين، أو الطَّعن بأعمالهم المحققة، من أجل تلميع الصُّورة، فهذا عيب فاضح، ولا يليقُ بأكاديمي، بل أنطلق من حكم آخرين على مخطوطات صدرت، وعليها أسماء محققين من أساتذة جامعيين، اقتصر عمل المحقق فيها على رَقْنِ نَصّ المخطوطة كما هو بأخطائه وعيوبه، ومن نسخة واحدة مليئة بتصحيفات النُّسَّاخ، واقتصر عمله على هذا، وعلى وضع بضعة حواشيٍ، وجُودها من عدمه سواء، ما خلا تخريخ الآيات القرآنية، وفهرسة لا تفيد الحد الأدنى المطلوب من عملية الفهرسة، بدليل أن هذه المخطوطات منها ما خضع، ومنها ما يخضع اليوم، ومنها ما سيخضع قريباً لإعادة التَّحقيق من جديد.

ب‌-  ومنها ما هو لجهة التَّحقيق المشترك، ومحاولة بعضهم الدُّخول في مشاريع تحقيق شبه منجزة، واسمح لي أن أكون جريئاً في الطَّرح وفي الجواب على سؤالك، فبعضهم ممن يحب الظهور يريد الشُّهرة بجهد الآخرين، ويقدم نفسه عليهم، ويطالب بالامتيازات المادية والمعنوية، في وقتٍ يكون فيه نفسه غريباً عن العمل ذاته؛ لذا خير وسيلة ليتحمل كل مسؤولياته أن ينتقي المحققُ المخطوطةَ التي يريد تحقيقها، وينجز مشروعه بنفسه ولنفسه، فالمحقق الذي يمتلك ناصية التَّحقيق حقاً قادرعلى إنجاز أي عمل، مهما بلغ حجمه، طبعاً مثل هذه المشكلات لا وجود لدينا في المركز على الإطلاق، وأقول هذا للتوضيح وبيان العبرة، وعدم الوقوع في مثل هذه المشكلات في المستقبل.

 

4-   مشكلة تدخل بعضهم من غير أهل الاختصاص في اختيار المخطوطة المراد تحقيقها، أو إعادة تحقيقها، فالمحقق الموضوعي هو الذي يطَّلع على المخطوط الذي يختاره شكلاً ومضموناً، قبل أن يقرر اختياره للتَّحقيق، ويجمع نُسخَهُ المختلفة، وتكون لديه الأسباب الموجبة لذلك، على قاعدة معرفته بأهميته العلمية، وضروة وضعه محققاً ومطبوعاً بيد القارئ الكريم.

 

5-   مشكلة تكليف بعضهم ممن لا يعرف التحقيق، بل يجهله تماماً، ولم يحقق في يوم من الأيام ورقة واحدة، بمراجعة العمل المحقق من قبل محقق مشهود له بالنزاهة والصدق والأمانة، بعد إنجازه، وقبل طباعته، ويأتي بسيل من الملاحظات التي لا صلة لها بالعمل المحقق مستغلاَّ عدم معرفة من كلَّفه بمراجعة العمل بحقائق الأمور، الأمر الذي يخلق بعض الحساسيات لدى الشَّرفاء من المحققين، ويحط من قدرهم وسمعتهم العلمية، بلا سبب.

إرسال تعليق عن هذه المقالة