السنة 16 العدد 149
2021/11/01

وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ

 


 

 

د. سليمان بن سالم الحسيني

مركز الخليل بن أحمد الفراهيدي للدراسات العربية والإنسانية

Salhusseini@unizwa.edu.om

 

صدق الله العظيم؛ فقد رفع ذكر نبيه في حياته وبعد مماته في هذه الحياة الدنيا وفي الحياة الآخرة. يقول العلماء في تفسير قوله تعالى: (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) إن الله سبحانه وتعالى رفع ذكر نبيه "بالنبوة والرسالة، وبذكره معه في كلمة الشهادة، وذكره في الأذان والإقامة والخُطَب والتحيات، ولا صلاة ولا خطبة إلا بذكره، وجَعل طاعته طاعة لله، وصلاته وصلاة ملائكته تعالى، والأمر بالصلاة والسلام عليه، وخطابه

(يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ)، (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ)، (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ)، (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ)، "وذكره في كتب الأولين، وأخذ الميثاق على الأنبياء وأممهم أن يؤمنوا به ﷺ"[امحمد يوسف أطفش. تيسير التفسير. ج 16، ص 280].  

احتفال أمة محمد ﷺ في القرن الخامس عشر الهجري بمولده؛ أي بعد أكثر من ألف وأربعمئة سنة، دليلٌ على المكانة العظيمة التي تبوّءها في قلوب المؤمنين المُتَّبعين لهداه، وإنها مكانة لا تتقادم عبر القرون ولا تنتهي بمر الزمان، بل تزداد علوا ورسوخا. الثلاثة والعشرون عاما من حياته التي قضاها داعيا إلى الله سبحانه وتعالى كانت كفيلة لتجعل منه شخصا خالدا في صفحات التاريخ وذاكرة البشرية، تلك السنوات كانت قصيرة إذا ما قورنت بعظيم التقدير والاحترام الذي ناله بين شعوب الأرض، والأثر الذي تركته على الحياة البشرية؛ وهي دليل على حجم الجهد الذي بذله لتبليغ رسالة ربه للبشرية جمعاء، ودليل كذلك على عظيم العناية التي أولاها الله لنبيه ليجعل منه الشخصية الحائزة على عقول البشر وقلوبهم. 

عندما تحيي الأمة الإسلامية ذكرى مولد نبيها فإنها تحي في وعيها قائدا عظيما مؤثرا. جدير بالأمة الإسلامية وهي تمخر عباب المسيرة الإنسانية وتتشارك مع حضارات العالم وثقافاته وشعوبه العيش على هذه الأرض، أن تقدم نبيها محمد رمزا وقدوة وأسوة. فالعالم يفتخر ويتفاخر برموزه وعظمائه وقادته، ويبحث عن العظماء والمؤثرين ليجعلهم مثلا يحتذى به في مسيرة الحياة. وليس كمثل محمد قائدا، وليس كمثله قدوة وأسوة ... أرسله الله رحمة للعالمين، وجعل الخير كل الخير في هديه، وجعله مثالا للناس في الأدب والخلق وعلو الهمة والوفاء والمحبة والألفة. فآمن به من آمن في حياته عن قناعة، وآمن به من جاء من بعده عن يقين بأنه نبي مرسل من رب العالمين داعيا إلى الله وإلى صراطه المستقيم. 

لا تزال شهادات المنصفين من مفكري العالم غير الإسلامي وقادته وعلمائه تتوالى في الإقرار للرسول محمد ﷺ، بأنه شخصية مؤثرة إيجاباً في مسيرة الحياة البشرية. تأثير رسول الله في هذه الشخصيات العالمية دفع كثيراً منهم إلى الإيمان به واعتناق الإسلام والدعوة إلى دينه؛ فأصبح الإسلام ينتشر في كل قارات العالم وبين كل الشعوب بلا استثناء. إنها روح الرحمة والمحبة التي أودعها الله في نبيه التي جعلته محبوبا في قلوب الناس حيا وبعد مماته، ورفع الله بها ذكره في الأولين والآخرين. 

يقول الشاعر السوري المسيحي عبد الله يوركي حلاق في قصيدته (قبس الصحراء) مادحا الرسول محمد ﷺ:

 

إنّي مسيحيٌ أجلّ محمداً                وأراه في سفر العلى عنوانا

وأطأطئ الرأس الرفيع لذكر من             صاغ الحديث وعلّم القرآنا

إني أباهي بالرسول لأنه                صقل النفوس وهذّب الوجدانا

ولأنه داس الجهالة وانتضى               سيف الجهاد فحطّم الأوثانا

ولأنه حفظ العروبة وابتنى                   للعرب مجداً رافق الأزمانا

صان الفخار البكر ذكر محمدٍ             وهفا، فشنّف باسمه الآذانا

أمعزّز الفصحى ومطلع شمسها        ذكراك عيدٌ يذهب الأشجانا

ذكراك تجمعنا وتجمع حولنا              إخوان صدقٍ عانقوا الإخوانا

إنا حلفنا أن نصون إخاءنا                   سياج عزّ لن يمسّ هوانا

 

 

إرسال تعليق عن هذه المقالة