السنة 16 العدد 149
2021/11/01

ذكريات خرِّيج أحيا تفاصيل المكان وأهله

 

 


 

 

حوار إشراقة 

 

محمد بن سيف بن حماد العبري من مواليد الثمانينات في وادي السحتن بولاية الرستاق، حيث نقاء الطبيعة وشموخ الجبال وعمق الأودية وسمو فطرة الإنسان. استضافه عمود "ذكريات خريج" في صحيفة إشراقة الشهرية؛ للحديث عن منهج الوفاء الذي ارتداه؛ ليس رغبةً مؤقتةً بل إيمانٌ نبع من ضميره الحيِّ بتفاصيل المكان وأهله الأكرمين؛ فالتحاقه بمقاعد الدراسة في جامعة نزوى لم يكن أبدا مشوارا عاديا؛ بل درباً سلكه وأبان عن أبرز معالمه في لقائنا هذا.

 

شِرعةً ومنهاجاً

يستهل العبري حديثه بقوله: "دائما ما يقال: (والمورد العذب كثير الزحام)؛ لذلك كان لزاما عليّ أن أنهلَ وأعلَّ من هذا المورد، وأسير مع الركب المثابر والطموح فأكون أحد أبنائه المستظلين بظلاله الوارفة، الهائمين بكل أركانه وزواياه؛ فالتحقت بجامعة نزوى في العام 2014م".

ويضيف محمد عن البدايات الأولى لرحلته في جامعة نزوى، إذ قال عنه: "الحمد لله كانت رحلة ماتعة رائعة، تعبر بي ضفاف أنهار جارية علمًا وهمةً ومعونة، وعليها ثمار متدلية لا يدركها إلا الطامحون، ولا يقطفها إلا المسلحون بشغفٍ علميٍ عالٍ وهمةٍ متوقدةٍ ونفسٍ وثّابة، ترى البحث مركبًا سهلًا يمخر عباب البحر الخِضمِّ من العلوم".

 

بِمثل هذا ...

فيما أشار مما واجهه من صعوبات وتحدّيات قائلا: "فالصعوبات في رحلة العلم بجامعة نزوى مسهّلة والعقبات مُذلَلة، وإن وجدت فالعاملون المخلصون في صرح علم ورشاد يتحلون بروح العون فلا يتركون لها أثرا، ولم أواجه حقيقة صعوبة ما لما وجدت فيها من صحبة راقية وإخوة متحابين وكادر متمكن".

يقول العبري شعراً عندما سألناه عن الإضافة الحقيقية التي شكّلت له جامعة نزوى جنباً للجانب الأكاديمي؟

 

آتُونَ نَزْوَى إِلى مِيْــــــــــــلَادِ قَرْيَتِنا

وَحْيًا يَفِيضُ بِروحٍ مِلْــــــــؤُها شَغَفُ

 

نَزوى مُبَلَّلَةٌ بالضَّــــــــــــــوءِ مُلْهِمَةٌ

لِلْمُستحيلِ وسَــاقُ الحُبِّ تَنْكَشِفُ

 

تَظَلُّ جَامِعَـــــــــــةً للسَّالكينَ إِلى

دَرْبِ الخُلودِ فَمِنْ أنهــــارِهَا اغْتَرِفُوا

 

وَكُلَّمَا ابْتَـــــــــــكَرَ المَعْنَى له وَطَنًا

وَجَدْتُمُوهُ عَلى أَقْــــــــــــدَارِنا يَقِفُ

 

نَمْضِي كِبَارًا لأنَّ الـــــدَّهْرَ فِي فَمِنَا

ومِنْ يَدَيْنَا ثِمَــــــــــارُ الغَيْمِ تُقْتَطَفُ



الأماكن كالأشخاص

"حين يكون المكانُ جزءًا منك وقد أخذ بتلابيب قلبك، وكساك حلّة قشيبة، وأفاض عليك من مزنه حتى ارتويت؛ يصبح الحنين وفاءً لا ينقشع، وأذانًا لا ينقطع حتى تصلي في جوانبه حبًا وحياة". هكذا عبّر محمد العبري عن حنينه إلى جامعة نزوى، وما يراوده من أحاسيس ومشاعر ربطته نفسيا ومكانيا بهذا الصرح؛ حتى استحضر هنا قول المتنبي:

يا من يعزُّ علينا أن نفارقهم          وجدانُنا كل شيءٍ بعدكم عدَمُ

 

مدللاً عن ارتباطه بشخصيات ما زالت عالقة في ذهنه من الجامعة حتى اليوم، ومواقف لا تنسى سردها لنا بقوله: "كل الذين تعاملت معهم في جامعة نزوى كانوا ليّني الجانب، طيِّبي المعاملة، عِذاب الحديث من أكاديميين علماء، وأساتذة فضلاء، وإخوة أعزّاء، وزملاء أوفياء، وعاملين لذلك يظلون عالقين في ذهني لا يمحوهم تعاقب الأيام، وأخص بالذكر زملاء الدراسة الذين تقاسمت معهم كل جميل وما زلت متواصلًا معهم، ومنهم الزميلان المُجيدان اللذان اشتركا معي في تحقيق إحدى أكبر المخطوطات النحوية العمانية. يقول شاعرا:

 

قُلْ للسَّمَاءِ بِآفَاقِ العُـــــــــــلا نَبَتَتْ

نَحْنُ المَدَى واشْتِهَاءَاتُ المَدَى تَرَفُ

 

كُلُّ النُّجُـــــــــــومِ مَهِيبَاتٌ إِذَا عَبَرَتْ

أَحْـــــــــــلَامُنا فَلَنا فِي القِمّةِ الأَنَفُ

 

مُحَمَّلـــــــــــــــــونَ بِإِرْثِ اللّٰهِ يُوقِدُهُ

هٰذَا الجَمَالُ امْتِدَادًا فَـــوْقَ مَا أَصِفُ

 

تَمازَجَتْ أُغْنِيَاتُ المَجْـــــدِ فِي دَمِنَا

وَحَـــــــــــوْلَنا اللُّغَةُ العَصْمَاءُ تَعتَكِفُ



 صحفٌ لم تجفّ

يصف العبري علاقته بجامعة نزوى اليوم بقوله: "الحمد لله ما زلت متتبعًا أخبار الجامعة في مواقع التواصل المختلفة، وشاعرًا بانتمائي إلى صرحها الشامخ، وسأظل مؤمنًا بالرسالة التي تقدمها، داعيًا الله -عز وجلّ- لها بالتوفيق والنجاح الدائم، وأن يوفقها في نيل الثقة لبرامج الدكتوراة لما عهدناه منها من مخرجات راقية وكوادر مؤهلة".

يواصل العبري العمل على رسالته في درجة الماجستير، التي كان مجالها التحقيق لإحدى أكبر المخطوطات العمانية بعنوان: (التقييد في المعنى المهم والمفيد) للشيخ الرقيشي الإزكوي، يقول: "لم يتبقَّ منها إلا الجزء العاشر، وهو جزء كبير وعسى أن يتمَّ ذات يوم ونرى نورها بازغًا في المكتبات العمانية؛ فهي كنز عظيم تستحق الظهور والخروج بالشكل الرائع".




إرسال تعليق عن هذه المقالة