تعليم العربية للناطقين بغيرها
بقلم: محمد بن سعيد المكدمي
بعدما جاء نصر الله والفتح، ودخل الناس الإسلام أفواجا، عربا منهم وأعجاما، ظهرت البداية الأولى لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها؛ وذلك لحاجة غير العرب تعلم القرآن الكريم وأصول الدين، فلم تكن اللغة العربية حصرا لبني جلدتها فحسب، بل للعالمين عامة؛ (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، وتلك الرسالة (بلسان عربي مبين)، حتى غدا الناطقون بغيرها من العلماء البارزين الذين يشار إليهم بالبنان في وضع أسس العربية وقواعدها.
وحينما أشرقت الأرض بنور ربها على بلاد الأندلس، بعدما كان الظلام الدامس يغمرها، أفاق الغربيون على حضارة تخرجهم من الظلمات إلى النور، وغدوا ينهلون من فيوض الحضارة الإسلامية التي لا سبيل إليها إلا بتعلم اللغة العربية.
ونتيجة لعوامل وأحداث كثيرة دبَّ التراجع في المشرق والمغرب، وانعكس على حال الحضارة، فتراجعت عن الركب، بيد أن الحاجة إلى تعلم اللغة العربية ظلَّت ضرورة ملحة، وبقيت مستمرة مع الحروب الصليبية والهجمة الاستعمارية، مفصحة عن ولادة حالة جديدة سميت بالاستشراق.
وبعد كثير من الأحداث التي شهدتها العقود المنصرمة من القرن الماضي، عاد إقبال غير مسبوق في التاريخ الحديث على تعلم اللغة العربية وتعليمها، بغض النظر عن أغراض متعلميها والجهات المشرفة على تعليمها، كما أن المكانتين الإقليمية والدولية المرموقتين اللتين تتمتع بهما اللغة العربية؛ كونها إحدى اللغات الحية الرئيسة في العالم، عادت الرغبة مرة أخرى إلى تعلم اللغة العربية للناطقين بغيرها، ففتحت معاهد ومراكز تعليمها على مستوى العالم، وغدت أفواج المتعلمين تبحث عنها بكل شغف؛لتبقى معجزة خلود اللغة العربية بخلود كتابها المجيد حقيقة ثابتة، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون).