السنة 16 العدد 148
2021/10/01

إدارة الوقت والأولويات والمشاعر ودورها في الحياة الجامعية

 

الدكتور سليمان الحسيني

مركز الخليل بن أحمد الفراهيدي


 

 

وقت الطالب الجامعي مميز، مقارنة بأفراد وأطياف المجتمع؛ إذ إن وقت الطالب الجامعي محسوب بالدقائق، ومأطر بتقويم أكاديمي وجدول محاضرات وفعاليات جامعية، مثل: الاختبارات وغيرها محددة مسبقا، وحضور الطالب وغيابه يرصد بدقة ويحاسب عليه. وخارج وقت المحاضرات يجد الطالب أن الدقائق والساعات تنقضي مسرعة في أعمال مرتبطة بالدراسة ومتطلباتها المستمرة. من هنا تأتي أهمية إدارة الوقت والمعرفة بقيمته وطرق تنظيمه واستثماره بشكل سليم؛ حتى لا يتوه الطالب في زحام الدقائق والساعات، ويفقد الاتجاه في تداخل البدايات والنهايات وكثرة المهام والمسؤوليات. كما أن إدارة الوقت لا تحتاج إلى دورات وتدريبات بقدر ما تحتاج إلى وعي الشخص بأهمية الزمن الذي يعيشه، وأن الثواني التي تمر به جزء من حياته، بل هي حياته الحقيقية، إن لم يستثمرها في بناء الذات ضاع جزء ثمين من حياته وأصبح من الماضي الذي لا يعود. وقدرة الطالب على إدارة الوقت تبرز في مدى تقيده بالمواعيد، ليس فقط في حضور المحاضرات والدروس والاختبارات وتسليم البحوث والواجبات، وإنما في كل شيء مرتبط بحياته الشخصية وروتينه اليومي، مثل: الصلاة والأكل والتسوق واللقاءات ومواعيد تحرك الحافلات وغيرها. فالأحداث في يوم الطالب الجامعي كلها تجري في إطار زمني مترابط ويتأثر بعضها ببعض؛ كحبات اللؤلؤ المنتظمة في العقد تتساقط وتتناثر جميعها بمجرد ما تنفلت حبة واحدة من ذلك الخيط الذي يربطها بانتظام.

 

يوم الطالب الجامعي يبدأ مبكرا وينتهي متأخرا، وبين بدايته ونهايته مهام وأعمال ومسؤوليات كثيرة ومتنوعة تتطلب قدرة عالية على إدارتها وفق سلم الأولويات. إن الأولويات تعني أن هناك أمورا في حياة الإنسان أكثر أهمية من غيرها، عليه أن يعتني بها أولا ويبادر إلى القيام بها وإنجازها قبل غيرها، وألا يقدم عليها ما هو أقل أهمية وإلحاحا. وأعمال الإنسان ومهامه في حياته اليومية شبيهة بالحاجات الفسيولوجية لجسمه، التي تأتي على مستويات متفاوتة من الضرورة والإلحاح. فعلى سبيل المثال، حاجة الإنسان للتنفس تأتي على قمة الحاجات الفسيولوجية للجسم، ولا يمكن تأجيلها لدقائق أو لحظات؛ لأن الإنسان يختنق ويموت إن توقف دخول الأكسجين إلى رئته، في حين أن الجسم قادر على الاستغناء عن الأكل والشرب لساعات دون أن يلحقه ضررا. والدراسة في حد ذاتها أولوية في حياة الطالب الجامعي؛ مما يعني أن أي شيء آخر لا يفوق أهمية على الدراسة الجامعية.

 

في ترتيب سلم الأولويات، العلاقات الاجتماعية والارتباطات الشخصية والالتزامات الجانبية ليست هي الأولى باهتمام الطالب الجامعي؛ بل الدراسة ومتطلباتها هي الأولى بالاهتمام والعناية. وقد أدرك هذه الحقيقة الأفراد الذين يجمعون بين الوظيفة والدراسة الجامعية؛ إذ يحاولون قدر الاستطاعة الموازنة بين متطلبات الوظيفة من جانب ومتطلبات الدراسة من جانب آخر، بل إنهم يحاولون إعطاء الدراسة القدر الأكبر من التركيز والوقت والاهتمام لعلمهم بما تتطلبه الدراسة من تركيز وتفرغ وتكريس للجهود. ويجد الطالب الجامعي نفسه أمام سيل من المهام والأعمال اليومية، ومحاط بارتباطات عائلية واجتماعية تتجاذبه، ويجد نفسه تنازعه بين العناية بهذا الأمر وترك ذلك؛ وهنا تبرز الحاجة إلى القدرة على ترتيب الأولويات ووضع الواجبات والمهام في سلم وفق أهميتها وضرورتها، ويبادر إلى إنجازها أولا بأول حسب ترتيبها في ذلك السلم فينجز عمله ويحقق غايته بلا إفراط أو تفريط. 

  

المشاعر جزء من الإنسان، لا تنفك عنه، مثلها مثل مكوناته الأخرى كلون بشرته وطول جسمه وامتلائه أو نحافته. رغم كون المشاعر جزء خفي باطن إلا أنها من أكثر مكونات الإنسان ارتباطا بواقعه الاجتماعي وتأثرا به وتأثيرا فيه، وهذا مكمن الإشكال في المشاعر. وتتأثر مشاعر الشخص بالأفراد المحيطين به ويتعامل معهم، وتتأثر بالمرحلة العمرية التي يعيشها، وللنوع الاجتماعي للشخص ذكرا أو أنثى دور في تأثر مشاعره بمن حوله، وتتأثر المشاعر بنوع العمل الذي يؤديه الشخص وحجمه واستمراريته. على سبيل المثال، قبيل الاختبارات يزداد القلق، والوحدة والإنعزالية قد تشعر الإنسان بالملل، والحديث أمام الجمهور قد يرفع التوتر، والوجه العابس قد يشعر الناظر إليه بالخوف، والفشل المتكرر قد يؤدي إلى الإحباط والانهزامية، والعلاقات الاجتماعية غير الموفقة مثل الزواج أو الصداقة قد تؤدي إلى الريبة في الآخرين وعدم الثقة بهم وحب الابتعاد عنهم، والثقة الزائدة بالنفس قد تؤدي إلى الغرور، وكثرة التحديات قد تؤدي إلى التخاذل أو العناد الشديد. وتعد الحياة الجامعية طيفا واسعا من العوامل المؤثرة على مشاعر الطالب الجامعي، لا سيما أن الطالب الجامعي الشاب يعيش مرحلة عمرية حساسة من ضمن سماتها أنها: مفعمة بالنشاط، وحب إثبات الوجود، والخوف من الفشل، وحب الانتماء، وحماية الذات، والبحث عن المستقبل، وغيرها كثير. 

 

من هنا تأتي الحاجة إلى إدارة المشاعر، ويقصد بها القدرة على الحفاظ على المشاعر عند المستوى المتزن الذي لا يؤدي إلى الإفراط أو التفريط. فعلى سبيل المثال، القلق من الاختبارات يجب ألا يصل إلى مستوى عدم القدرة على الجلوس على مقعد الاختبار أو (فوبيا الاختبارات)، إنما يتعين أن يكون القلق من الاختبار دافعا إلى مزيد من المذاكرة والتحضير والاستعداد. كذلك الحذر من الآخرين يجب أن لا يصل إلى درجة الريبة في أي سلوك لأي شخص نقابله، أو يؤدي إلى الانعزالية ونبذ المجتمع. والثقة بالنفس يجب أن لا تصل إلى الإهمال والتسويف، بل تكون مصحوبة بالأخذ بالأسباب والعمل والجد والاجتهاد. وحب الذات يجب أن لا يصل إلى الجشع والطمع وعدم الاكتراث بالآخرين وعدم تقدير حاجاتهم ورغباتهم. والاعتماد على الذات يجب أن لا يصل إلى المعاناة في صمت عندما تلم بالطالب المشكلات والتحديات، بل عليه طلب العون والمساعدة ممن يثق بهم ويملكون المساعدة مثل الوالدين والإخوة والأخوات والمسؤولين والمختصين في الحرم الجامعي.

 

إرسال تعليق عن هذه المقالة