كيف يمكن للتربية مواجهة تحديات العولمة؟
د. رضية بنت سليمان الحبسية
أستاذ الإدارة التربوية المساعد بقسم التربية والدراسات الإنسانية
كلية العلوم والآداب - جامعة نزوى
يشير مصطلح العولمة إلى توحيد الأفكار والقيم والممارسات وكوكبتها على مستوى العالم أجمع، وقولبة أنظمة الحياة؛ بجعلها في قالب واحد شكلًا وأبعادًا بهدف تقليل الفوارق بين الشعوب في شتى مجالاتها. ومما لا شك فيه، فإنها بهذا المفهوم تجر معها العديد من التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية على المجتمعات. ونظرًا لما تمثل التربية من أهمية مجتمعية، يأتي دور مؤسساتها في تفادي تحديات العولمة.
وإذ إن مفهوم العولمة يتضمن محاولات لإيجاد ثقافة عالمية ذات معايير كونية موّحدة، تعزز من سُبل التعاون بين شعوب العالم أجمع، فإنّ ذلك يُضاعف من مسؤولية التربية في تحقيق الأهداف المجتمعية بشكل شمولي وتكاملي، في ظل شيوع القوى والتكتلات السياسية والاقتصادية؛ لتحقيق المصالح المشتركة على المستوى العربي أو الإقليمي أو العالمي.
وقد أصبحت العولمة في ظل الثورة المعلوماتية وتقنية الاتصالات أمرًا حتميًّا، يتطلب التعامل معها وفق رؤى واستراتيجيات وطنية شاملة؛ للمحافظة على الخصوصيات الثقافية لكل مجتمع. وكون التربية تُمثل الأداة الفاعلة التي تعتمد عليها الدول في تنشئة أبنائها، ونقل تراثها جيلًا بعد جيل، فضلًا عن دورها في إحداث التغيير والتحسين المستمر، فإنّ ذلك يفرض على الأنظمة التربوية أن تكون متجددة، قادرة على التميّز في ظل المحاولات العالمية لترسيخ مفهوم النمطية في أساليب الحياة المختلفة.
وفي إطار إعداد الأجيال للمستقبل، لتكون قادرة على التعامل مع التحولات العالمية في القرن الحادي والعشرين، فإنّ على الأنظمة التربوية استيعاب مفاهيم العولمة في كافة مجالاتها وعناصرها والاستفادة منها، مع الحفاظ على الثوابت القيمية والهوية الثقافية للمجتمع. كما تفرض التغيرات العالمية على الأنظمة التربوية على اختلاف مراحلها، ضرورة إحداث تطوير شامل لمنظومة التربية والتعليم؛ لإيجاد مخرجات تعليمية قادرة على المنافسة العالمية.
ويمكن لأنظمة التعليم اليوم، تضمين عدد من المبادىء والأسس التربوية الحديثة في مناهجها وبرامجها المتنوعة؛ كي تؤسس لأجيال وطنية ممكّنة للإسهام في تحقيق اقتصاد المعرفة، يُعتمد عليها في تحقيق الميزة التنافسية للمجتمع. وتمثّل التربية الناقدة واحدة من أهم تلك المبادئ؛ عبر تنمية مهارة التفكير الناقد والتمحيص الواعي لما يتم تداوله من محتوى وإنتاج معرفي، في ضوء معايير تستند إلى العقل والمنطق.
كما أنّ غرس مفاهيم التربية المستدامة لدى الأبناء، يجعل من مخرجات التعليم قادرة على الاستفادة المخططة والممنهجة من تجارب الدول، وما وصلت إليه من تقدم ورقي، وتجديدها وفق معطيات العصر الرقمي والتقني. بالإضافة إلى إنتاج وتوليد معارف جديدة، وتوظيفها للإسهام في تحقيق أهداف التنمية المعرفية المستدامة؛ بما يضمن للمجتمع البقاء، وإيجاد موقع له ضمن المنظومة العالمية.
بالإضافة إلى ما سبق، فإنّ الاستجابة للتغيرات والمستجدات بما يتلاءم والمتطبات العصرية، يمثل قيمة تربوية تدعو إلى مواكبة التغيير، والتفاعل الإيجابي معه، إذ يمثل مبدأ الحوار البنّاء والتربية الشورية، وترسيخ مبدأ التعايش السلمي مع الآخرين، لغة التعليم والتعلم في زمن العولمة، بحيث تُنشئ مخرجات تعليمية قادرة على المشاركة في صنع القرارات، بما يحقق الرفاهية والحياة الكريمة محليًّا وعالميًّا.
الخلاصة:
في ظل العولمة وما تحمله من مضامين، وما شهده العالم من تغيرات غزت العالم في شتى مجالات الحياة، كان لزامًا على الدول التكيف مع تلك التغيرات، ومسايرة التقدم العلمي والتقني، بالاستفادة من معطياته وإيجابياته، مع المحافظة على الموروثات الثقافية والهوية الحضارية، دون الانصهار التام في الثقافات الغربية، وبما يحقق التوازن بين المواطنة المحلية والعالمية.