السنة 16 العدد 146
2021/08/01

العطاء المثمر

 

 

الدكتور حمود بن عامر الصوافي

قسم اللغة العربية بجامعة نزوى

 


 

 

لا يمكن أن يرتقيَ الإنسان دون أن يجد يدا تحاول أن ترفعه، أو ميزانا يرجو تقويمه؛ إذ إن الخطأ والصواب والإبداع والتقليد قد يخضع لضوابط عديدة، وتجارب مريرة، وقد يتحكم فيه الذوق والحدس؛ لذلك حاول أن تجمع بين الاتجاهات كلها في حياتك العلمية والعملية فلا تزهد في الاستعانة بالتجربة؛ لتدرك أن النجاح ليس وهما، ولا تغفل آراء الآخرين؛ لأن الشهادات وحدَها قد لا تدل على نجاحك وتفوقك.

هب أنك حصلت على درجة امتياز في دراستك، أو بحث تخرجك، ليس معناه أنك متفوق، وأنك أذكى من غيرك، بل قد يخضع كل ذلك لعوامل مختلفة، ومواضيع متباينة كسهولة المقرر، وتساهل المدرسين، ورضاك عما تدرسه، وحماستك في المذاكرة، وحسن تخطيطك ... إلخ، فلا يمكن أن يُوضع شيء ما مقابل آخر مباين عنه.

ولا يمكن أيضا أن تجعل الدرجة المنخفضة دليلا على الضعف والفشل؛ بل الاستعانة بآراء الآخرين، ومحاولة وضع مقارنات وموازنات بينك وبين أدائك سابقا وحاليا قد يعطي لك انطباعا جيدا، ويعلمك أنك تسير في الطريق الصواب.

وذلك لأن الكثيرين ممن فقدوا الأمل في تحسّن حالهم، أو ارتفاع درجتهم، أو أولئك الذين اغتروا بالشهادات، أو بإطراء المحبين لهم توقفوا عن الإبداع والعطاء؛ فقد خال الأول أنه لن يصعد إلى مصاف الثاني، وأن قدرته تقف عند هذا المنحنى. وظن الثاني أنه أحسن صنعا، ووصل المنتهى، وأخذ نصيبا وافرا من العلوم!

 فحذارِ أن تعتقد مثل الأول فيتجمد طموحك، وتضيع أحلامك، أو أن تكون مثل الثاني تزعم أنك وصلت إلى القمة، ونلت شرف العلوم؛ لأن هذا الادعاء قد يعقبه سقوط مدوي، وتعثر يضرك وقد حصل ذلك لأولئك الذين ألفوا المدح والثناء وأحبوهما، واستمتعوا بهما، وتيقنوا ألا أحد فوقهم، ولا يوجد من يعلوهم، فكانت النكسة والضعف والهوان ديدنهم. 

فقد فاجأهم المآل نتيجة لسوء التقدير، والارتكاز على الأوهام التي لا تسمن ولا تغني من جوع؛ فأدى بهم ذلك إلى التوقف أو انعدام العطاء، وترديد كلام آخرين، أكل عليه الدهر وشرب!

ولا ريب أن من يصل إلى هذه النقطة المفصلية، فيتوقف عن العلم، ويترك الاجتهاد، أو ينعدم معه الإبداع فإن النقص سيسري عليه لا محالة، وقد يظهر الغرور من ثنايا لسانه، وسقطات حديثه، فلنحرص أن نكون مجتهدين في درسنا، متواضعين في العلم.

 

تَواضَع تَكُن كَالنِجمِ لاحَ لِناظِر ** عَلى صَفحاتِ الماءِ وَهوَ رَفيعُ

وَلا تَكُ كَالدُخانِ يَعلو بِنَفسِه ** عَلى صَفحاتِ الجَوِّ وَهُوَ وَضيعُ

 

 فلا نكتفي بالشهادة للدلالة على التفوق، ولا تهتم كثيرا بالمادحين، ولا الرفقاء المجاملين؛ بل لتكن الممارسة والخبرة أكبر محفز لتنمية المهارات، وبذل مزيد من العطاء، فلا يمكن أن تثبت المعلومة في الذاكرة الطويلة ما لم نترجمها في واقعنا، ونوظفها في تعاملنا، ولا يليق بنا أن نجترئ آراء الآخرين دون أن تكون لنا بصمة تغيير، أو محاولة فهم، أو إضافة فائدة؛ لنرتقي بعلومنا نحو الأفضل، ونواصل مسيرة العلماء الكبار، كلٌ يضع لبنته؛ ليرتفع المبنى عاليا شامخا سامقا. 

 

إرسال تعليق عن هذه المقالة