اضطراب ضغط ما بعد الصدمة
د. عبدالفتاح الخواجه/ أستاذ مشارك- قسم التربية والدراسات الإنسانية
هناك من يرى أن اضطراب ضغط ما بعد الصدمة ما هو إلا مجموعة من ردود الفعل التي يمكن أن تحدث بعد أن يمر شخص ما بحدث صادم، وأن فرصة الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة تعتمد على نوع الحدث الذي حصل وشدته ومدى تأثر الفرد به، وطبيعة ردود الفرد تجاهه.
يعد مصطلح الصدمة (PTSD) Post-traumatic Stress Disorder مصطلحا معقدا، وقد أثار كثيراً من المناقشات، إذ عرفت الصدمة في الدليل التشخيصي للجمعية الأمريكية النسخة الثالثة DSM-111 بأنه حدث خارج عن المألوف أو الطبيعة الذي من شأنه أن يسبب درجة عالية من الضغط النفسي على الفرد، إلا أن الدليل التشخيصي النسخة الرابعة (DSM-IV) أشار إلى تفصيل أكثر وضوحا فيما يتعلق بتعريف الاضطراب، إذ حدد أن الأفراد الذين شهدوا أو عايشوا أو واجهوا حدثا أو أحداثا تشتمل على موت أو جرح خطير حقيقي، أو مهدد للسلامة البدنية للفرد أو لأشخاص آخرين تظهر لديهم أعراض تأتي بعد الصدمة. وتظهر بعض هذه الأعراض في الجوانب الآتية؛ اضطرابات في النوم والتركيز، ومحاولات التجنب بشكل ملحوظ لكل ما من شأنه أن يثير أي ذكريات لها علاقة بالصدمة، مثل: الأماكن والأنشطة والأشخاص، بالإضافة إلى الإحساس بإعادة معايشة الصدمة من طريق صور ذهنية متكررة أو أفكار أو أحلام أو نوبات ارتجاعية.
إن أعراض ضغط ما بعد الصدمة تأخذ بعض الوقت كي تظهر على الفرد المصدوم؛ إذ تتفاوت بين أسبوع إلى ربما نحو ثلاثين عاما، كما تتفاوت شدة ظهور الأعراض؛ ولكنها تبلغ ذروتها في أثناء الخبرة الضاغطة. كما تستمر الأعراض المتعلقة بالجانب المعرفي لاضطراب ضغط ما بعد الصدمة، وربما تظهر على شكل مستويات عالية من القلقِ وضعفِ الذاكرةِ الصورية.
كما تشمل الأعراض أيضا: إعادة عيش الحدث الصادم عبر الذكريات المؤلمة وغير المرغوب فيها والكوابيس الحية و / أو ذكريات الماضي، ويمكن أن يشمل ذلك أيضًا الشعور بالضيق الشديد أو وجود ردود فعل جسدية شديدة، مثل: خفقان القلب أو عدم القدرة على التنفس عند التذكير بالحدث الصادم. وتظهر أعراض لدى بعضهم، مثل: تجنب ذكريات الحدث الصادم، بما في ذلك الأنشطة أو الأماكن أو الأشخاص أو الأفكار أو المشاعر التي تعيد ذكريات الصدمة. وربما تظهر أيضا الأفكار والمشاعر السلبية، مثل: الخوف أو الغضب أو الذنب أو الشعور بالتخدير أو الخدر. وفي كثير من الأحيان قد يلوم الشخص نفسه أو الآخرين على ما حدث في أثناء أو بعد الحدث الصادم، أو يشعر بالانقطاع عن الأصدقاء والعائلة، أو يفقد الاهتمام بالأنشطة اليومية. ومن يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة، فإن الأعراض لا تقل أو تنخفض، ولن يشعر بتحسن ولو كان بسيطا مع مرور الأيام، بل قد يبدأ الشعور بالسوء يزداد يوما بعد يوم.
ويتطور اضطراب ما بعد الصدمة بشكل مختلف من شخص لآخر؛ لأن الجهاز العصبي لدى كل شخص وتحمله للتوتر يختلف قليلاً، بينما من المرجح أن تظهر عليك أعراض اضطراب ما بعد الصدمة في الساعات أو الأيام التي تعقب الحدث الصادم، فقد يستغرق الأمر أحيانًا أسابيع أو شهورًا أو حتى سنوات قبل ظهورها، وفي بعض الأحيان تظهر الأعراض على ما يبدو فجأة في أوقات أخرى، ويتم تنشيطها وتشغيلها بواسطة شيء يذكر الفرد بالحدث الصادم الأصلي، مثل: ضوضاء أو صورة أو كلمات معينة أو رائحة ما.
في حين أن كل شخص يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة بشكل مختلف، إلا أن هناك أربعة أنواع رئيسة من الأعراض:
- إعادة تجربة الحدث الصادم من طريق الذكريات المقتحمة أو ذكريات الماضي أو الكوابيس أو ردود الفعل العقلية أو الجسدية الشديدة عند تذكير الفرد بالصدمة أو تذكرها من قبله.
-
التجنب والإحساس بالخدر، مثل: تجنب أي شيء يذكره بالصدمة، وعدم القدرة على تذكر جوانب المحنة، وفقدان الاهتمام بالأنشطة والحياة بشكل عام، والشعور بالخدر العاطفي والانفصال عن الآخرين والشعور بمستقبل مجهول ومحدود.
-
فرط النشاط، بما في ذلك مشاكل النوم، والتهيج واليقظة المفرطة، والشعور بالتوتر أو الذهول بسهولة، ونوبات الغضب والسلوك العدواني، والتدمير الذاتي أو المتهور.
-
تغيرات في الفكر والمزاج السلبي؛ مثل: الشعور بالغربة (الاغتراب) والوحدة، وصعوبة في التركيز أو التذكر، والاكتئاب واليأس، والشعور بعدم الثقة والخيانة، والشعور بالذنب أو الخجل أو لوم الذات.
ما الذي يسبب اضطراب ضغط ما بعد الصدمة؟
عندما تواجه حدثًا مرهقًا، مثل: الفقدان أو الخسارة أو الإيذاء والاعتداء، يتفاعل الجهاز العصبي مع استجابة الهجوم أو الهروب والتجنب، وتزيد معدلات نبضات القلب، ويرتفع ضغط الدم، وتشتد العضلات وتتصلب، مما يزيد من قوة وسرعة رد الفعل، وبمجرد زوال الخطر، يعمل الجهاز العصبي على تهدئة الجسم، ويخفض معدل ضربات القلب وضغط الدم، ويعود إلى حالته الطبيعية. ويحدث اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) عندما يواجه الفرد التوتر الشديد في موقف ما، بالرغم من زوال الخطر، إلا أن الجهاز العصبي "عالق" وغير قادر على العودة إلى حالته الطبيعية من التوازن، ولا يمكنك تجاوز الحدث.
كيفية المساعدة والتعامل
لا بد من الانتباه إلى الآتي:
-
يتضمن التعافي من اضطراب ما بعد الصدمة مساعدة نظامك العصبي على "فك الارتباط"؛ حتى تتمكن من الشفاء والمضي قدمًا من الصدمة.
-
وهناك من يُطور بعض الأشخاص عادة الإدمان وسيلةً للتأقلم والتكيف. وهنا لا بد من مساعدته للتخلص من الإدمان؛ كونها وسيلة هروب واتباع وسائل إيجابية للتعامل.
-
تدريب الفرد على تحدى شعوره بالعجز؛ ومدّه بمعلومة أنَّ التعافي من اضطراب ما بعد الصدمة يحدث بشكل تدريجي وعليه الاستمرار. وأن التغلب على شعور المصدوم بالعجز هو مفتاح التغلب على اضطراب ما بعد الصدمة، وتدريبه على تذكير نفسه باستمرار بأن لديه نقاط قوة ومهارات تأقلم وتكيف يمكنها أن تساعده كلما مر بأوقات عصيبة.
-
عندما يعاني الفرد من اضطراب ما بعد الصدمة، يمكن أن يمارس التمارين الرياضية بشكل أكثر، وهي تساعده في إطلاق جسمه للإندورفين؛ مما يسهم في تحسين حالته المزاجية وتوقعاته أيضا؛ أي أنه من طريق التركيز على الجسم وكيف يشعر وهو يتحرك، وهذا يمكن أن يساعده في الواقع على "تفكك" وتخلص النظام العصبي من الاشتراطات والبدء في الخروج من استجابة الإجهاد الناتجة عن عدم الحركة.
-
كما أن ممارسة قضاء الوقت في الطبيعة، وممارسة الأنشطة في الهواء الطلق، مثل: المشي لمسافات طويلة، والتخييم وركوب الدراجات، وتسلق الجبال؛ يساعد في التعامل مع أعراض اضطراب ما بعد الصدمة والعودة إلى الحياة الطبيعية.
-
إضافة إلى أن التدريب على الاسترخاء بكل أشكاله (التأمل أو التنفس العميق أو التدليك أو اليوجا) وممارسته؛ يسهم في الحد من مشاعر الوحدة والعزلة.
-
التواصل مع الآخرين للحصول على الدعم؛ مثل: طلب الإرشاد النفسي، والدعم الاجتماعي.
-
اتباع نمط عادات الحياة الصحية، وتناول الطعام الصحي.
-
الاستمرار في تحسن الحالة الروحية والصلاة والدعاء والشعور بأن الله معه وقادر على مساعدته وشفائه.
-
الحصول على قسط كافٍ من النوم.