كرسي اليونسكو لدراسات الأفلاج (آركيوهيدرولوجي)
الدكتور عبدالله بن سيف الغافري
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،،،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
إنه من دواعي الغبطة والسرور أن أكتب هذه الكلمة متحدثا عن الإنجاز الذي حققته جامعة نزوى في إنشاء كرسي اليونسكو لدراسات الأفلاج –آركيوهيدرولوجي- في الجامعة. ويأتي هذا الإنجاز تتويجا لجهود الجامعة السابقة في الاهتمام بالأفلاج والحفاظ عليها؛ بإنشاء وحدة بحوث الأفلاج عام 2012م، وتدريس مادة متخصصة عن الأفلاج العمانية في هذه الجامعة، وهي المادة الأولى التي تدرس في السلطنة أو الوطن العربي كاملا. وهنا أتوجه بالشكر العميق لطاقم عمل وحدة بحوث الأفلاج من فنيين وباحثين وإداريين على ما بذلوه في أثناء فترة عملهم بالوحدة؛ مما انعكس إيجابا بالموافقة على إنشاء الكرسي.
لقد أتت مبادرة إنشاء هذا الكرسي بالتعاون بين جامعة نزوى واللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم والجمعية العمانية للمياه في عام 2019م، وتم تقديم المقترح للمنظمة الدولية للتربية والثقافه والعلوم (اليونسكو)، وبحمد من الله أتت الموافقة على إنشاء الكرسي من الطلب الأول. وجاءت الموافقة رسميا في مارس 2020م، وفي شهر مايو عام 2021 صدر القرار الرسمي من رئيس الجامعة بإنشاء هذا الكرسي وتعيني رئيسا له. ويهدف كرسي اليونسكو لدراسات الأفلاج أساسا إلى الاهتمام بالأفلاج العمانية بحثا ودراسة وجمعا لكل ما يتعلق بهذه الأنظمة من معارف تقليدية في إدارة المياة والنظام الزراعي التقليدي. إن الهدف الأسمى لهذا الكرسي محاولة نقل هذه الأفلاج إلى المستقبل مع الحفاظ على خصوصيتها الثقافية والبيئية وهذا تحدي كبير فعلا. كما أن اهتمامات الكرسي البحثية والدراسية قُسمت إلى أربعة محأور رئيسة، هي:
الأول محور الهندسة وعلوم المياه، ويشمل هذا المحور كل ما يتعلق بالنواحي الهندسية من حفر أو صيانة وشق للأفلاج بأنواعها، والتراكيب الهندسية التي تحتويها، وكذلك الأنظمة الرياضية أو الحسابية المتعلقة بتوزيع المياه في الفلج، وكذلك المتعلقة بإدارة المياه الزراعية في أنظمة الأفلاج.
الثاني محور الزراعة والاقتصاد، ويقصد به الاقتصاد الزراعي، إذ يهتم بجميع ما يتعلق بالفلج كونه نظاما زراعيا يشمل العمليات الزراعية المختلفة، مثل: عملية إعداد التربة وعملية الري وعمليات الحصاد وعمليات ما بعد الحصاد وعمليات العناية بالنخيل بمختلف أشكالها والمنتجات الثانوية التي تخرج من المنظومة الزراعية للفلج، مثل: التصنيع الغذائي الذي يحدث أو ينتج من المحاصيل الحقلية في الفلج، مثل: صناعات الحليب واللبن والجبن الشعبي والسمن ومختلف الصناعات الجلدية والدبس وتجفيف التمور والسكر وغيرها كثير من الصناعات التي لها اتصال مباشر بمجتمع الفلج.
وتعد هذه من الصناعات التقليدية التي تدخل حيز اهتمامات كرسي اليونسكو لدراسات الأفلاج، كما يدخل الاقتصاد الزراعي اهتمامات الكرسي؛ ويقصد به ناتج سعر المواد الغذائية المنتجة من الأفلاج، وأيضا حساب التكلفة والربح في هذه المسألة؛ أي مدى الجدوى الاقتصادية من ناتج الأفلاج في الوقت الحالي، وكيف تستطيع تحسين هذه الجدوى اقتصادياً، على سبيل المثال بيع منتجات الأفلاج على أنها من المنتجات العضوية الطبيعية، وغيرها من الدراسات المتعلقه بالفلج نظاماً زراعيا، ويدخل من ضمنها مكافحة الآفات الزراعية بالطريقة التقليدية، مثل: التسميد بالشكل التقليدي ومكافحة الحشائش والعناية بالنباتات وغيرها من العمليات الزراعية.
الثالث محور التراث والثقافة، ويشمل التراث المادي وغير المادي والتاريخ والمظاهر الثقافية المختلفة المرتبطة بالأفلاج، مثل: جمع المتعلقات الثقافية وتدوينها، مثل: الحكايات الشعبية والشعر والأمثال الشعبية والقصص الشعبية والروايات الشفهية والأساطير وغيرها من المظاهر الثقافية المتعلقه بالفلج. كذلك الشخصيات الثقافية أو الشخصيات التي أثرت في تكوين الأفلاج كونها مؤسسة. وتشمل أيضا الجانب القانوني أو التشريعي المرتبط بالأفلاج أو ما يسمى بفقه المياه، ويشمل أيضا ارتباط الأفلاج بالتاريخ العماني والتراكيب التاريخية الموجودة في الأفلاج؛ أي الأفلاج الأثرية ودراسة الفلج من ناحية آركيولوجية أو أثرية. ويعد هذا المحور مهما جدا في الكرسي.
الرابع محور البيئة، إذ ينظر هذا المحور إلى الفلج كونه نظاما بيئيا؛ فهناك كائنات حية عاشت حول منظومة الفلج منذ مئات السنين، ومن المؤكد أن هذه الكائنات قد تأقلمت مع بيئة الفلج؛ فلربما توجد كائنات حية مرتبطة ارتباطا وثيقا بمنظومة الفلج؛ إذ إن موت الفلج أو اندثاره يؤدي إلى موت هذه الكائنات الحية أو انقراضها.
ويحاول الكرسي بشكل عام إضافة قيمة لهذه الأفلاج، وإعادتها مره أخرى إلى صدارة الاهتمام المجتمعي؛ فهذه الأفلاج بالنسبة لنا عمانيين تعد نظام حياة، وهي جزء من موروثنا الحضاري والثقافي والبيئي؛ لذلك يأتي الحفاظ على هذه الأفلاج صوناً لهويتنا العمانية الأصيلة، وتقع هذه المسؤولية على عاتق كل مواطن ومقيم يعيش على أرض السلطنة. ويأمل الكرسي من الجهات المعنية التي لها علاقة بشكل أو بآخر بمنظومة الأفلاج، التعاون معه، فاليد الواحدة لا تصفق؛ لذا نتمنى تعاون الجهات الأكاديمية والجهات الإدارية في الدولة والجهات المانحة؛ بدعم هذا الكرسي ماديا بشكل مباشر أو غير مباشر، أو بالدعم الإداري أو المعنوي، أو في مجال تسهيل البحوث والدراسات التي يشتغل عليها. ومن بين مظاهر هذا الدعم مثلا توفير منح دراسية لطلبة الماجستير والدكتوراة، الذين من الممكن أن يشرف عليهم هذا الكرسي مستقبلا ليحقق أهدافه. أيضا يمكن للجهات الخاصة توفير أو تمويل مشاريع إنشاء مختبرات للمياه أو التربة في الكرسي، أو دعم مادي مباشر لبعض المشاريع البحثية التي سيشتغل عليها هذا الكرسي.
ويعتزم كرسي اليونسكو لدراسات الأفلاج إنشاء معرض دائم للأفلاج، يحتوي على متحف علمي يسرد كل ما يتعلق بهذه الأنظمة من موروثات حضارية وأجزاء فنية تشرح طريقة عمل الفلج والكائنات الحية التي تعيش فيه، ومتعلقات الفلج الثقافية؛ أي أن هذا المعرض سوف يمثل محاور الكرسي الأربعة التي سبق ذكرها بالتفصيل.
وختاما أتوجه بالشكر الجزيل للأستاذ الدكتور أحمد بن خلفان الرواحي -رئيس الجامعة- على موافقته الكريمة ودعمه الكبير لإنشاء الكرسي. كما أود أن أقدم شكري إلى كل الجهات التي دعمت فكرة إنشاء هذا الكرسي، وأخص بالذكر الجمعية العمانية للمياه واللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم وجميع الجهات التي وجهت رسائل الدعم لليونسكو؛ لتعزز من طلب جامعة نزوى لاحتضان هذا الكرسي. وأتمنى من الله العلي القدير التوفيق والنجاح، وأن يوفقني لتكوين طاقم العمل الذي سيقود هذا الكرسي مستقبلا إن شاء الله.