72 ساعة في بونشاك ... إطلالة الطبيعة البكر
كتابة وتصوير: محمد بن علي الإسماعيلي
نعم كانت تلك رحلة ليلية طويلة جدا زادت مدتها عن تسع ساعات، خُيّل إليّ وأنا أراقب خط مسارها أننا نعبر قارات العالم. بعض الركاب شغلوا أنفسهم بالقراءة أو المشاهدة، وآخرون غلبهم النوم .. شخصيا لم أخطط مسبقا في كيفية قضاء هذه المدة، ولكن لحسن الحظ وجدت باقة من البرامج الثقافية/الترفيهية الرائعة، التي أتاحها الطيران العماني بين أيدي المسافرين للاستمتاع، فاستغرقت فيها واحدا يتبع الآخر حتى حان موعد هبوطنا في مطار العاصمة الأندونيسية جاكرتا، بلاد الطبيعة والجبال والبراكين والتلال والأنهار المنتشرة والهوية الثقافية الأصيلة، والمظاهر المجتمعية الفريدة.
صعودا نحو (الجبل الأخضر)
وصلنا في صباح اليوم الآتي، وأول ما شعرنا به هو فارق الساعات الأربع التي تتقدم بها جاكرتا عن عاصمة بلادنا الحبيبة مسقط، بيد أننا لم نمكث فيها طويلا -رغم أنها تمثل الثقل السياسي والثقافي والحضاري والاقتصادي- إذ إن وجهتنا الحقيقية صوب "بونشاك" أحد أجمل المدن الأندونيسية وأبرزها رواجا. في الطريق بين المطار والفندق استمتعنا بالطبيعة الخضراء الخلابة المحيطة، والأمطار المتساقطة بكميات متفاوتة، كما أن حركة العمران الحديثة وناطحات السحاب تقابلها أحياء وتجمعات سكنية عشوائية فقيرة في نفس المنطقة.
مشهد ثقافي استثنائي
بدأت تتشكل لدي معالم ثقافة هذا المجتمع عندما بدأنا صعود بونشاك، وهي منطقة جبلية يُطلق عليها المحليون لقب (الجبل الأخضر) ... كانت فاتحة الطريق عبر نقطة تفتيش، واصلنا طريقنا من بعدها دون أي قيود، المدينة بدأت تصحو وتزدحم بخروج أهلها إلى أعمالهم، ولكن ماذا يعملون؟!
الأكشاك الغذائية الصغيرة على أرصفة الشارع بدأت تتفتح كالزهور، سرب كبير من الباعة المتجولين خرجوا إلى الطرقات لتسويق بضاعتهم الزهيدة، والبساطة والأمل والتلقائية تملؤ محياهم، الجميع هنا يعمل: كبارا وصغارا، رجالا ونساء، شيبا وشبانا .. الجو يتشبع برائحة الطعام المحلي اللذيذ، ونسمات الطقس العليل، وطلبة العلم بمختلف مراحلهم العمرية يذهبون فرادى وفي جماعات لمدارسهم متّحدين خلف زي واحد. البيوت هنا صغيرة جدا؛ كون عدد أفراد الأسرة الواحد ضئيل.
توقفت مع نفسي قليلا، فقلت لصاحبي: "كأن هذا المشهد ليس بجديد عليّ!" .. نعم تذكرت! فقد رأيته في العديد من المسلسلات والأفلام الكرتونية التي كنا نشاهدها في مرحلة الطفولة، نفس البيوت وأسلوب الأكل؛ بل هي ذاتها ملامح الأوجه وتصاميم الملابس، وعادات التنقل والحركة، وتقاليد التجمع الأسري والاجتماعي، حتى ثقافة ملازمة الأبوين لأبنائهم قبل وبعد انتهاء اليوم الدراسي حاضرة كما كنا نشاهد. يبدو أنّ صُنّاع تلك الأعمال كانوا على وعي كافٍ بأهمية نقل الثقافة الآسيوية للعالم أجمع، حتى أنهم اختاروا فئة الناشئة لغرس رسالتهم، فجميعنا يعلم أنّ معظم تلك الأعمال الكرتونية جاءت إلينا في بادئ الأمر بعد أن تمت دبلجتها، وليست من إنتاج عربي.
فجوة معيشية
ولكن من الأمور التي لم ترق لي بتاتا، رغم أن هذه الظاهرة لم تفارق تاريخ الحضارة البشرية حتى في أزهى عصورها، تلك المشاهد التي تُظهر الهوّة الشاسعة بين طبقتي الأغنياء والفقراء في المجتمع الأندونيسي، إذ إنّ امتهان التسوّل وممارسة المهن الرديئة ونقص التعليم وضغط ساعات العمل ليل نهار للفرد، بمثابة نقطة سوداء في جبين الحياة الإنسانية الكريمة، كما أن ضعف البنية التحتية في بعض الأمكان لا تعبر مطلقا عن النسبة القليلة المسيطرة على الاستثمارات والعقارات ورؤوس الأموال التي تحرك وتدير الوضع الاقتصادي الضخم هناك، فالتوازن الاقتصادي غائب تماما، وهو ملموس لدى الغريب قبل غيره!
استكملنا مسيرنا، الحركة المرورية كانت طبيعية جدا، رغم عدد سائقي الدراجات النارية الضخم، حتى بدأ الزحام في منتصف الطريق، ولكن ليس بسبب السائحين والزوار، بل لوجود وسائل إصلاح وإعمار يتم بها معالجة المنطقة، ربما تتهيأ لتصبح أكثر تطوّرا ومرونة في المستقبل، فمسافة الصعود بهذا الجبل ليست طويلة ولا مشقة، إلا أنها تأخذ وقتا بسبب تموّج شارع الصعود وعدم ازدواجيته.
المدينة تتفوق على نفسها
يسير معنا على طول خط الصعود نهر كبير يشق البلاد "جبل بونشاك"، وتوازيه مشاهد طبيعية بخلفية جبلية خضراء مذهلة، وتتعطر الأجواء بنسمات مناخ استوائي لطيف. أخذنا صاحب سيارة الأجرة إلى عالم متنوع بين الأزقة والمساكن، الحالة الاجتماعية هنا كلاسيكية بامتياز، فالبيوت تقليدية بسيطة، والمطاعم المحلية تشتهر بأطباقها الشهية الملائمة لجميع الأذواق، وهناك الأهالي الذين يمارسون الحرف والصناعات اليدوية المختلفة لتجسيد المشهد الفني والثقافي الخاص بهم، ولو على مستوى بسيط.
في حقيقة الأمر الحياة هنا مفعمة بالحيوية، تمثل بوتقة انصهار الثقافة الأندونيسية، فقد كانت فرصة لاكتشاف عادات وتقاليد سكان "بونشاك"، هذا الشعب متعدد الديانات والأعراق، إلا أنه يتمتع بالصفاء والسلام والهدوء، وتجمعه أواصر بساطة العيش والعمل لدفع الفقر.
مقصد صائب للعائلة العربية
وصلنا إلى قمة جبل بونشاك، الاسترخاء والاستمتاع بالهدوء هنا لا يقاوم في أحضان الطبيعة البكر، إذ تسودها الأجواء الساحرة ونمط الإقامة المريح بين الفنادق الفخمة والفلل الكبيرة والمنتجعات الراقية. المحاصيل الزراعية بأنواعها المختلفة تلف المنطقة لفا، خصوصا أشجار الموز. العرب من مختلف الأقطار والجنسيات موجودون وبقوة، بيد أن الجالية السعودية هي الأكثر حضورا كما أرى. الأسواق مليئة بالمنتجات المحلية الرخيصة، والمطاعم تكاد تدرك بعناية فائقة ذائقة السائح العربي، وطريقة جلوسه وحاجته هو وأولاده عند الأكل، فعمّال المطاعم يتحدثون اللغة العربية، ويتأدبون بسمات أهلها، كما أن أسعار مختلف الأطباق في متناول اليد.
أجمل المعالم السياحية في بونشاك
يُصنف سكان العاصمة الأندونيسية جاكرتا "جبل بونشاك" أحد أجمل المدن السياحية في بلادهم، إذ إنها تعد وجهة رئيسة لهم في عطلة نهاية الأسبوع والإجازات الرسمية، كما أنها تعد مقصدا سنويا لملايين السياح من مختلف أقطار العالم، وعند سؤالي أحد أصحاب المكاتب السياحية داخل بونشاك -وهو يتكلم العربية بطلاقة- عن سر تميز المنطقة وقدرتها على جذب هذا الكم الهائل من السواح "محليا وخارجيا"، أجابني: "جبل بونشاك يستند على ثلاثة مرتكزات أساسية للسياحة، فهي تعينه وتجعله قادرا على تلبية متطلبات جميع الفئات والتطلعات لمختلف شعوب العالم". وقد كان يقصد بتلك المرتكزات الثلاثة -التي تعرفت عليها عند نقاشي معه- ما سيأتي تفصيله فيما يأتي:
- أولا: الطبيعة
* الأبحاث العلمية تسهم في تنشيط الثروة الزراعية ببونشاك، والسياحة هي المستفيد الأكبر *
تجد كثيرا من العرب يقصدون بونشاك لهوائها النقي وطبيعتها الساحرة، فهي تضم بعضا من أجمل الأماكن الطبيعية في أندونيسيا، فهذه المنطقة مليئة بغابات الأدغال والجبال الخضراء التي تتنوع فيها المحاصيل الزراعية بوفرة؛ لذلك تضم بونشاك أكبرحديقة فاكهة استوائية في العالم بمساحة تصل إلى 2.64 كيلومترا مربعا، كما تتنوع فيها آلاف من أصناف النباتات والفواكه والخضروات، علما بأنه قد تم افتتاحها مطلع العقد الأخير من القرن الماضي، وهي الآن تشكل ثروة اقتصادية هائلة لجني الثمار وجذب السياح، كما تجري فيها العديد من الدراسات والأبحاث العلمية والعملية الميدانية لأنواع البذور وعلوم جينات النباتات واستنساخ الوارد منها؛ وذلك للحفاظ على الثروة النباتية وتطوير زراعة الفاكهة في البلاد، فلا يخفى على كثيرين أن موارد الزراعة تشكل أحد أكبر مصادر الدخل في جمهورية أندونيسيا.
كما تنتشر في بونشاك العديد من مزارع الفراولة، إذ إننا وجدناها تلاقي عناية فائقة من قبل السكان المحليين المختصين بالزراعة، فبالرغم من صغر حجمها، إلا أن الأيدي العاملة وبناء المحميات وطرق الري الحديثة وأساليب الجني والقطف موجودة للعناية بهذا المحصول بأفضل شكل ممكن، وأجمل ما يزين بساتين الفراولة، وقوعها على تلك التدرجات الجبلية الخضراء الرائعة؛ لتسهم في جعلها مزارا يوميا للسواح.
ويتم كذلك استغلال المرتفعات العالية في جبل بونشاك لزراعة الشاي، أضف لذلك وجود مصانع خاصة في هذه المنطقة لقطف أوراق الشاي ومعالجتها بالطرق الصحيحة وتجهيزها؛ ثم تخريجها للأسواق للاستعمالات الآدمية. وبطبيعة الحال لم يفوت القائمون على هاتين المزرعتين (الفراولة والشاي) الفرصة لاستغلالهما اقتصاديا، بحيث تتوفر فيها أساليب تنموية كثيرة كأدوات تسويقية، بما فيها المرافق والخدمات والأنشطة السياحية اللازمة لإعانة الزائر على قضاء وقت ممتع.
الطبيعة المائية
* بين الشلالات والبحيرات: فن الاستغلال اللائق للثروات المائية، والسياحة هي المستفيد الأكبر *
يأتي مشهد تساقط المياه من ارتفاعات شاهقة أجمل وأبرز الوجبات الطبيعية الدسمة في بونشاك، إذ يضم الجبل ظاهرتين طبيعيتين مدهشتين، أحدهما: منطقة "الشلالات السبعة" التي تمتاز بميائها النقية ذات الأغراض والاستخدامات المتعددة، مثل: الاستشفاء من الأمراض والإصابات -على سبيل المثال- كما يعتقدون. وتتمتع هذه المنطقة بجداولها المائية ودروبها الوعرة وجسورها المعلقة فوق ممرات مائية منحدرة من الشلالات، وتكتسي بظلال الأشجار الوارفة والنباتات الزهرية الجميلة، مما جعلها بيئة خصبة تجلب سنويا مئات الآلآف من السواح ذوي التطلعات والمقاصد المتعددة.
أما الشلال الآخر فيطلق عليه اسم "الشلال التوأم"، وقد جرت تسميته هكذا نظرا لوضع تدفقه الاستثنائي إلى قسمين متطابقين تقريبا، ينحدران من ارتفاع يصل إلى 15 متر، وقد تم تأهيل هذه المنطقة وفتح أبوابها للزوار عام 2004، مزودة بخدمات ترفيهية مذهلة، تعين الفرد على المكوث لأطول فترة ممكنة في المكان.
ومن أروع المعالم المائية في جبل بونشاك بحيرة "الليدو"، وبخلاف الرموز الطبيعية التي تحيط بها، يجد السائح العديد من مقومات الترفيه عند زيارته للبحيرة، أهمها: المغامرت المائية عبر القوارب الخشبية، والجولات الجبلية عبر الطائرات الشراعية من أعالي الهِضاب المرتفعة، ومطاعم محلية وعالمية عائمة في البحيرة، وأسواق بيع الفواكه الاستوائية المحلية، وتجمعات سكنية كلاسيكية فريدة من نوعها على ضفاف البحيرة. وقد اكتسبت البحيرة هذه التسمية قياسا لتشابهها الكبير مع بحيرة في إيطاليا تحمل ذات الاسم.
وتمتلك بونشاك بحيرة أخرى ساحرة وهي "البحيرة الملونة"، التي تصطبغ مياؤها بألوان مختلفة من حينٍ لآخر، كالأزرق والأصفر والأخضر والأحمر والأرجواني وغيرها؛ وذلك بسبب معدل مادة الكبريت العالي الذي تحتوي عليه مكونات مياه البحيرة. كما تتمتع هذه البحيرة الملونة بالعديد من المقومات البديعية، إذ إنها تشكل فرصة حقيقية لاكتشاف حياة الأدغال وما تضمه من نباتات وأشجار وغابات، بالإضافة لوجود أنواع مختلفة من الطيور والحيوانات البرية. ويتيح القائمون على المنطقة إمكانية التنقل سيرا على الأقدام أو ركوب القوارب المخصصة، بالإضافة إلى تسلق الجبال والهبوط بالمظلات الهوائية.
- ثانيا: المعالم والوجهات السياحية المبتكرة
هل فكرت يوما عزيزي القارئ أن تكون أنت في مكان محمي مغلق، والحيوانات من حولك بمختلف أنواعها وأحجامها تجوب المكان دون تقييد أو حبس؟! نعم هكذا هي "حديقة سفاري بونشاك"، فبمجرد زيارتك لها ستجد نفسك تتنزه بالحديقة في سيارة أشبه بالمدرعة، والحيوانات البرية والمفترسة والضخمة تزاول حركة طبيعية من حولك، ولكن وسط نظام وحماية آمنين، مما يضفي للرحلة مزيجا رائعا بين المتعة والتجديد عن المعتاد. وتطرح إدارة "حديقة سفاري بونشاك" العديد من الأنشطة والفعاليات، أهمها إقامة عروض السيرك لمختلف الحيوانات كالقرود والفيلة والنمور والتماسيح وغيرها ..
وعلى غرار حديقة سفاري، تعد "تامان ماتاهاري" أو ما يقابلها باللغة العربية "حديقة العطلات" والتي تبلغ مساحتها 17 كيلومترا، واحدة من أجمل المناطق السياحية في بونشاك، إذ يجد الزائر نفسه في مدينة ترفيهية متكاملة صُممت وسط الأدغال والغابات الاستوائية المطيرة، تضم أنشطة وخدمات ترفيهية، وحديقة حيوانات كبيرة، وملاعب ومسابح وألعاب مائية، ومرافق للاسترخاء والإقامة. وما يزيد "حديقة العطلات" أهمية، خضوعها للعديد من الدراسات والأبحاث النباتية والحيوانية بشكل دوري، من قبل فرق متخصصة من الجامعات والكليات والمدراس؛ وذلك كونها تمثل ثروة علمية واقتصادية هائلة للبلاد.
- ثالثا: مقومات الاستجمام والراحة
* السائح العربي يجد راحته في الفنادق والمساكن الراقية، فهي من أبرز عوامل الجذب لديه *
تشتهر بونشاك بفنادقها وفللها ومنتجعاتها الفخمة، والتي حازت شعبية واسعة لدى السوّاح العرب؛ وذلك بحكم موقعها المميز في المناطق الجبلية الباردة والمطلة على الجبال والحقول الخضراء ذات الأجواء الساحرة، بالإضافة لقربها من مناطق الخدمات. وتتمتع أغلب هذه المساكن بخدماتها المميزة، مثل: المرافق الترفيهية، والهدوء، والأطعمة المناسبة، ووسائل الاتصالات والتواصل كشبكة المعلومات العالمية، والمواصلات كالسيارات والدراجات النارية والهوائية وغيرها .. أضف لذلك الضيافة الطيبة.
رحلة استكشافية لمحبي التصوير الفوتوغرافي
ستتيح لك خطط برنامج السفر إلى بونشاك العديد من الفرص للتمتع ببرامج ألعاب المغامرات فوق الأدغال والأنهار والجبال، إذ ستأخذك في رحلة سياحية استثنائية لمشاهدة المدينة من الأعلى، وهي تجربة لا تقاوم خصوصا لعشاق التصوير والتوثيق الفوتوغرافي.
وتتمتع المنطقة الجبلية المسماة ببونشاك بالعديد من الرؤى الفنية التي تشجع محترفي التوثيق الفوتوغرافي وتصوير المقاطع البصرية، مثل: المناظر الطبيعية كالبحيرات والأشجار، والتنوع الأحيائي، من حيث توفر الحيوانات والطيور والزواحف وغيرها. كذلك وجود أحداث ذات أهمية بيئية عالية في عالم التصوير، وهي الظواهر الطبيعية: كالزلازل والبراكين والعواصف والأمطار، أضف لذلك امتيازها بمرور مواسم طبيعية متجددة، مثل موسم زرع وقطاف الثمار، إذ إن وجود الأرياف مع الطبيعة يخلق أجواء رائعة جدا للمصوّر.
ويقول أحد ممارسي هذا الفن: "في حقيقة الأمر، كثير من المصورين يتعمدون الوصول عندما تحين مواسم قطاف فاكهة أو منتج طبيعي؛ وذلك بغرض تصويره وتصوير حياة عمل الناس عليه". ويضيف: "شخصيا أحب تصوير ظواهر الحيوان في البيئة الطبيعية، وأهمها: الطيور المهاجرة، سلوك الحيوان، وكيفية تعايشها مع المنطقة، إلى جانب ذلك أهتم برصد النباتات النادرة والتي لها فائدة للإنسان، إذ إن ندرتها من حيث الشكل والسلوك يعطي قيمة للعمل الفني المشتغل عليه".
ويدفع الحراك الجمالي لطبيعة بونشاك البكر المصوّر للاستعداد والتهيأ لما هو مقدم عليه، إذ أن تنوعها البيئي يلزمه أن يكون على دراية ومعرفة كبيرة بتفاصيل المكان أو المنطقة؛ وذلك لجمع المعلومات والتواصل مع الملمين معرفيا بالموقع، فيأخذ ما يلزم غرض التصوير، سواء أكان توثيقيا أم فنيا، أم لغرض إنتاج درامي أو عمل سنمائي.
الإسلام في أندونيسيا المعاصرة
* تشير لغة الأرقام والإحصائيات إلى أن مسلمي أندونيسيا يقدر عددهم ما يربو 90% من إجمالي عدد السكان البالغ 230 مليون نسمة *
كم هي جميلة أصوات المآذن حين تصدح تزامنا مع دخول كل صلاة، تشعر وكأنك في أحد المناطق أو المدن ذات التجمعات السكنية في بلادنا العزيزة، فرغم البعد بآلآف الأميال واختلاف الثقافة واللغة والهوية المجتمعية، إلا أننا حقيقة نتشارك مع بونشاك في هذا العامل الديني القويم. وتذكر العديد من الأبحاث التاريخية إسهام التجار العرب القادمين من شبه الجزيرة العربية "عُمان وحضرموت" في دخول هذا الدين لأندونيسيا بين القرنين الميلاديين الخامس عشر والسادس عشر.
وفي هذا السياق أقتبس كلاما للكاتب الدكتور حسين محمد الكاف، في بحث له بهذا المجال والذي جاء بعنوان: (الإسلام في أندونيسيا المعاصرة)، قال فيه:
"وأندونسيا بما لها من خصوصيات طبيعية وتلك الكمّية الهائلة، تستحقّ الاهتمام من المسلمين في العالم ومن العرب على وجه الخصوص من ناحية توعيتهم للدين حتى لا يكونوا فريسة المبشرين الغربيين. وإذا تركوا وشأنهم من المعاضدة والمساندة الدينية والعلمية من العالم الإسلامي سيصيرون بمعزل عن إخوانهم من المسلمين، فليس من المستحيل أن تتبدل صفحة أندونيسيا من الدولة الإسلامية إلى الدولة غير الإسلامية؛ لأن الأسباب إلى ذلك قد توفر بعضها، كالفقر الذي ألمّ أكثرية المسلمين المتطاول عليهم، خاصة بعد الأزمة المالية قبيل سقوط الرئيس سوهارتو" ... إلى آخر ذلك حين قال: "ومع تكثيف نشاطات تبشيرية بصورة علنية وخفية هناك، فالمسلمون في أندونيسيا بحاجة إلى المواساة التي يبرزها إخوانهم المسلمون في العالم؛ وذلك من خلال المتابعة المكثفة على ما جرى فيها، وبالخصوص ما يتعلق بوضعهم الديني والثقافي".
أندونيسيا أم إندونيسيا
ترددت كثيرا قبل وفي أثناء إعداد هذا التقرير في كيفية كتابة كلمة "أندونيسيا"، هل همزتها الابتدائية مفتوحة أم مكسورة؟! الحاصل لدينا عدد كبير يكتبها (أندونيسيا)، وآخرون مثلهم يرونها (إندونيسيا)، فعلى ما يبدو أنها تُكتب بالطريقتين!
أعلم أن عامتنا لا نملك الحق لإقرار صحة موضع هذه الهمزة، وشخصيا -رغم ذلك- لا أحب أن أخدش سلامة اللغة العربية في كتاباتي؛ إجلالا لمكانتها، واحتراما لمن قعّدها وبسطها لأجيال الأمة من علمائنا وأساتذتنا الكبار، ومن هم لا يزالون يشتغلون عليها .. بيد أنّ القراءة والبحث والسؤال، وفّر لي ذخيرة من المعطيات التي وجدتها تميل إلى رسم هذه الهمزة مفتوحةً، أهمها الكيفية التي تنطق بها ألسن السكان الأندونيسيين أنفسهم اسم بلادهم كما سمعتهم.