السنة 16 العدد 143
2021/05/01

 

 

 

أ.د. سامر جميل رضوان 

قسم التربية والدراسات الإنسانية 

 

المضايقة التدمير السري للآخر

 


 

 

المضايقة أو الإزعاج (باللغة الإنجليزية Mobbing) مفهوم حديث يستعمل لوصف ظاهرة قديمة يلاحظ انتشارها في المؤسسات، تشكل تهديداً للصحة النفسية والمهنية، وتعيق عمل المؤسسات وإنتاجيتها، ويمكن أن تتطور إلى "حرب-لوبيات" داخل المؤسسة المعنية، مع ما يحمله ذلك من عواقب اجتماعية ونفسية واقتصادية وخيمة. وتزداد أهمية هذه الظاهرة في بعض المؤسسات التي تسيطر عليها البيروقراطية الصارمة، التي تتعامل مع الموظفين بناء على معايير شخصية وغير مهنية.  

وتشير دراسات أن ملايين العمال والموظفين يعانون اليوم من المضايقات، وهي تسبب المليارات من الخسائر عبر تراجع الإنجاز. ويرى باحثون أن البنى الحديثة للمؤسسات تسهم في تصعيد الموقف أكثر. فالضغوط تحتاج إلى التنفيس، فيقوم الموظفون المرهقون والمحملون بالأعباء بالبحث بين الحين والآخر عن زملاء وزميلات أضعف منهم أو عن مرؤوسين لهم لممارسة "الرعب النفسي" عليهم والتسلط التدميري. 

وما زال علم النفس يتحفظ هنا بسبب عدم وضوح المظاهر الاجتماعية النفسية (الأسباب، صورة الشكاوى، المجرى، العواقب)، وبشكل خاص بسبب عدم الثقة في الكيفية العلاجية التي على الإنسان أن يتعامل فيها مع هذه الظاهرة، عدا عن أنه قلما يصرح الأشخاص بأنهم يتعرضون للمضايقة لأسباب كثيرة، خاصة إذا كانت المضايقة من الإدارات العليا، فالإنسان قد يخجل من الحديث عن أنه يتم قمعه وتجاهله وتكليفه في أعمال دون مستواه...الخ؛ لهذا فإنه من المهم الإشارة، إذ إن المضايقات لا تشتعل على شكل "عمود من اللهب" يمكن ملاحظته بسهولة، ثم مكافحته، وإنما تنتشر الآثار المدمرة للمضايقة على شكل "حريق اجتماعي نفسي هائج" وعلى شكل تكتيكات تدمير خفية، فغالباً ما يبدأ الأمر باستراتيجية تدمير خفية من الصعب ملاحظتها تظهر على شكل: 

 

  • معاملة المعني بشكل جاف.

  • تجنب الكلام معه. 

  • نشر الشائعات من وراء ظهره والنميمة وتشويه صورته أمام الرؤساء، وجعله مهزلة في عيون الآخرين.  

 

وبعد ذلك تحصل اعتداءات ملموسة تهدف إلى التحطيم الهادف للعلاقات الاجتماعية، وتضر باحترام الشخص وسمعته، وتقلل من شأنه، وتمنع أي محاولة للتوضيح، وتقوض ببطء الإنجازات، من نحو: 

 

  • النقل إلى مكتب آخر، بعيد جداً على الأغلب عن الزملاء القياديين (محاولات العزل). 

  • تحويل الأعمال التي تلحق الأذى باحترام الإنسان لذاته (التكليف بأعمال من غير اختصاص الموظف أو أدنى من كفاءاته أو ليست من طبيعة عمله). 

  • التقويم غير المناسب للأداء في العمل. 

  • سحب الوظائف أو المهام الأساسية الخاصة به. 

  • التكليف المستمر بالأعباء، ولكنها تكون في الوقت نفسه أقل من المستوى المطلوب بشكل باعث على الشلل. 

  • التكليف بواجبات وأعمال. 

  • تقييد أو قمع كل إمكانات للتعبير عن الذات والتبرير والدفاع عن النفس. 

  • النقد المستمر للعمل أو للحياة الشخصية. 

  • الإهانة العلنية أو حتى الصراخ. 

  • توجيه التهديدات الشفهية أو الخطية.

  • التشكيك بعدم الكفاءة.

 

وأخيراً قد ينتهي الأمر بمحاولات مباشرة من الإزعاج المستمر أو المهين من نحو: 

  • التسبب بخسائر مالية للمعني (جعله يدفع تكاليف أمور مختلفة، خصم من المرتب...الخ).

  • تخريب مواد العمل أو المكتب أو تدبير المقالب المضرة به. 

  • التهديد والمكائد.

 

إن المسؤولين والمديلاين مسؤولون هنا باضطراد عن هذه الظاهرة، جزئياً بسبب الأساليب غير الشريفة، وجزءا آخر بسبب السكوت (بسبب الضعف أو الاستراتيجية) في التساهل مع مثل هذه التهجمات في ميدان عملهم. 

 

عواقب كارثية

 

على مستوى المؤسسة، غالباً ما تكون العواقب سيطرة بيئة مسمومة من العمل، تؤدي إلى انخفاض الانتماء الوظيفي وتراجع الإنجاز أو حتى توقفه، عدا عن فقدان الاحتكاك (حتى بالنسبة لغير المشاركين عبر الجو العام المرهق).

أما بالنسبة للضحايا أنفسهم فتعني العاقبة النفسية عواقب يمكن أن تكون عواقب نفسية اجتماعية أو حتى جسدية، وأحياناً الاستقالة أو الإحالة المبكرة على التقاعد.

 

مكافحة البدايات قبل انفجار السد 

المضايقة أو الإزعاج خطر كامن على الفرد والمؤسسة، فمن ناحية فإن المعنيين قد يخجلون التعبير عن أنهم يتعرضون للمضايقة لأسباب كثيرة، أو لا يعترفون بهذا. ومن هنا فإنها تمثل من هذه الناحية أكبر مصدر كامن للخطر؛ لأن هذا الأمر يقود في البداية إلى الاحتراق بصمت، ثم إلى "الاستقالة الداخلية". وفي النهاية عواقب نفسية وجسمانية على المدى البعيد، التي سيحمل أعباءها المجتمع، ومن ناحية أخرى تصاب المؤسسة شيئاً فشيئاً بالشلل، ثم يتراجع الإنجاز إلى الانهيار. ومن هنا فإن إدراك هذه الظاهرة ومحاولة فهمها والتعامل معها في وقت مبكر مهم جداً. 

إرسال تعليق عن هذه المقالة