مبادئ تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها
الدكتور سيف بن ناصر بن سيف العزري
لقد أصبح تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها مجالا اقتصاديا من طريق فتح المعاهد والمراكز المتخصصة في كثير من الدول العربية، من بينها سلطنة عمان التي تتوفر فيها بيئة خصبة واستثنائية تتميز بالاستقرار والسلام والتسامح، وتقبل ثقافة الآخرين تحت سقف محافظ على عادات المجتمع وقيمه، ومنفتح على التجديد والتطوير الحاصل في العالم. ويعرض هذا المقال جملة من المبادئ التي لا غنى عنها لمعلم اللغة العربية للناطقين بغيرها بوجه خاص والمتخصصين المعنيين بهذا الحقل على وجه العموم.
تلك المبادئ لا يقصد منها التعداد أو الحصر -فمبادئ تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها تشترك مع غيرها من الأسس ذات العلاقة بتعليم اللغات بشكل عام، وتعليم اللغة العربية لغةً قويمةً على وجه الخصوص- وإنما الهدف منها إبراز أهم المبادئ التي لها تطبيقات عملية تنعكس على ممارسات المعلم الصفية.
ويتمثل المبدأ الأول في أن اللغة أيا كان نوعها هي أرقى وسائل التواصل الإنساني بين بني البشر، وعلاقتها مع المعرفة البشرية علاقة طردية؛ فكلما زادت معرفة الإنسان باللغة زادت فرصة تواصله مع الآخرين؛ مما ينعكس إيجابا على معارفه وثقافته واطلاعه على ثقافة الآخرين أيضا، وهو المبدأ نفسه الذي يقوم عليه مبدأ التعارف الذي يدعو له الدين الإسلامي. هذا المبدأ يحتم على معلم اللغة العربية للناطقين بغيرها أن تكون ممارساته منصبة على مساعدة الدارس وإكسابه آليات استثمار اللغة في التواصل مع الآخرين؛ بعيدا عن فكرة تعليمه مفردات مبعثرة وأساليب مقطعة دون أن تكون لها ممارسات حياتية وظيفية في الحياة العامة. وهو ما يتطلب أيضا من واضعي مناهج اللغة العربية للناطقين بغيرها أن يضمنوا تلك المناهج أنشطة تعكس المواقف الحياتية التي يحتاجها الدارسون في الحياة العامة حين يتواصلون مع السائق والبائع والطبيب والمحامي وغيرها من المواقف الإنسانية التواصلية التي يحتاجها في أثناء التواصل الإنساني؛ فاللغة بما تحويه من مفردات وقواعد وفق هذا المبدأ ليست هدفا بل وسيلة؛ لتحقيق هدف التواصل.
ومن جهة أخرى فإن هذا الهدف يحتم على معاهد ومراكز تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها أن تتضمن برامجهم أنشطة لاصفية يمارس فيه الدارسون اللغة بطريقة تواصلية؛ من طريق تواصلهم في الرحلات والزيارات المخططة للمزرعة والقرية والجبل والبادية والأسرة المحلية، وفي المناسبات، مثل: حفلات الزواج والاحتفال بالعيد وغيرها من الفرص الحية التي يوفرها المجتمع بصورة حية تلقائية طبيعية دون تكلف أو تصنع.
المبدأ الثاني: يتمثل في أن تعليم العربية للناطقين بغيرها يشابه تعليمها للناطقين بها من حيث وجوب التدرج في تعليم مهاراتها؛ بحيث تكون البداية في تعليم أصوات حروفها، ونطق تلك الحروف والتمييز بين المتشابه بينها نطقا وكتابة، ثم الانتقال إلى التعرف على المفردة فالجملة، مع الإكثار من الأمثلة التطبيقية التي ترسخ تلك المهارات في ذهن المتعلم، ثم الانطلاق إلى قراءة الجمل فالنصوص القصيرة، مع اعتماد المعلم للأسلوب الشائق ومعالجة الأخطاء بطريقة بناءة تعطي المتعلم دافعية أكثر للتعلم، على أن تكون القواعد النحوية في شكل تعبيرات وتراكيب مبثوثة في أثناء تعلم تلك النصوص، وكل ذلك في شكل متدرج وصولا إلى قراءة نصوص أدبية راقية والقدرة على التعبير بأسلوب لغوي راق وواضح؛ متخذا من وظيفية اللغة وعاء لممارستها مع التنويع في أساليبها، وكل ذلك يتوجب على معاهد تعليم اللغة العربية تصنيف الطلبة حسب مستوياتهم وفق معايير متفق عليها.
المبدأ الثالث: كما يقوم تعليم اللغة العربية على التدرج في تعليم المهارات، فهو يقوم أيضا على تعليمها وفق مستويات تتمثل في خمس، هي: المستوى الصوتي وهو الخاص بمعالجة نطق أصوات اللغة العربية وحركاتها الطويلة والقصيرة والتمييز بين حروفها المتشابهة في النطق والكتابة؛ ولذلك دأبت مناهج تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها على تقسيم تعليم تلك الحروف إلى مجموعات خصصتها بدروس خاصة يتم تعليمها في المستوى المبتدئ هي: ب – ت – ث - ن / خ – ح – ج / د – ذ / ر – ز / س – ش / ص – ض / ط – ظ / ع – غ / ف – ق / ك - ل / م – ن – ه. ويتمثل المستوى الثاني في المفردات المناسبة للمتعلمين بحسب مستوياتهم، ولتعليم المفردات مساحة كبيرة في تعليم العربية للناطقين بغيرها؛ نظرا إلى أهميتها كما أن تلك المفردات تتخذ صفات متنوعة، منها المفردة الخالصة سواء أكانت نكرة أم معرفة وما فيها من صفات والتذكير والتأنيث والإفراد والتثنية والجمع، وهناك المفردة المضافة، كما أن تعليم المفردة يشمل كذلك نوعها من حيث أنها اسم أم فعل، كما يشمل ذلك تعليم الضمائر وأسماء الإشارة والحروف.
أما المستوى الصرفي فهو المستوى الثالث من مستويات تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، وهو يختص ببيان بنية الكلمة العربية من حيث جذرها واشتقاقها ووزنها وما يعتريها من زيادة وإعلال وما يرافق ذلك التغيير من تغير في المعنى، وهو مما يميز اللغة العربية من غيرها من لغات العالم؛ مما يحتم على معلم العربية جعل هذا المستوى من ضمن أدوات تعليم المفردة العربية، ومن طرائق إثراء الخزينة المعجمية للمتعلم، ويدخل ضمن ذلك الحقول الدلالية للمفردة الواحدة عندما تكون في سياقات متنوعة بين كلمات مترابطة مع تعليم المتعلمين التمييز بين الدلالة المعجمية والسياقية وبين التوظيف الحقيقي والمجازي للمفردة داخل سياقات متنوعة.
ويعد المستوى النحوي رابع تلك المستويات، وفي تعليم العربية للناطقين بغيرها خصوصية في هذا المستوى، فالنحو وقواعده وتفصيلاته ليست هدفا في حد ذاته، بل توظيف تلك القواعد في سياقات حيوية وممارسات وظيفية هي الهدف الفعلي، وهنا يبتعد معلم العربية عن تحفيظ المتعلمين القواعد النحوية؛ بل يدربهم على تلك القواعد على أنها قوالب وسياقات وأساليب يسيرون عليها، فالفاعل هو من قام بالفعل أو اتصف به، وهو وفق هذا المفهوم يأتي على هذه الأشكال في حالة الإفراد والمثنى والجمع والتأنيث والتذكير مع التنويع في تلك السياقات وتدريب المتعلمين عليها ضمن أنشطة تراعي مهارات اللغة العربية الأربع في الاستماع والتحدث والقراءة والكتابة. أما المستوى الكتابي فهو خامس تلك المستويات، وهذا المستوى يتمثل في رسم الحروف والكلمات رسما صحيحا وفق ما تعارف عليه من رسم الحرف العربي مع مراعاة القواعد النحوية والإملائية، كما يتضمن هذا المستوى العلاقات بين الكلمات المؤلفة للجملة الواحدة والمؤدية إلى المعاني ودلالاتها في سياقاتها المختلفة، والمرتبطة كذلك بأساليب التعبير والبيان في اللغة العربية، كما تعد مهارات التنظيم والنظافة في الكتابة من ضمن الأساسيات التي لا غنى عنها في هذا المستوى.
المبدأ الرابع: يقوم هذا المبدأ على أساس أن تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها لا ينفصل عن تعليم الناطقين بها، إلا أنه هنا يتم معالجة اللغة على أنها مهارات أربع، هي: الاستماع والتحدث والقراءة والكتابة؛ دون تقسيمها إلى فروع كما هو الحاصل في تعليم الناطقين بها من طريق فروع النحو والصرف والأدب والنصوص والإملاء والخط والتعبير؛ بل ينظر إلى تلك الفروع على أنها مكونات مذابة في مهارات اللغة العربية التواصلية الآنفة الذكر، وهذه النظرة تتفق مع معظم فلسفات تعليم اللغات الأجنبية في العالم باختلاف أنواعها، كما أنها نظرة عملية مفادها أن اللغة وسيلة للتواصل وليست هدفا في حد ذاته، فالهدف الأسمى الذي تسعى إليه برامج تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها هو بناء متعلم يستمع استماعا صحيحا ويتحدث تحدثا صحيحا ويقرأ قراءة صحيحة وهو يكتب كتابة صحيحة أيضا، ولعل هذه النظرة وقصور وجودها في تعليم اللغة العربية لأبنائها هي من أسباب ضعفها عندهم، وهو ما تسعى المناهج الحديثة إلى تغييره، فمفهوم تعليم اللغة وفق هذه النظرة يختلف عن مفهوم التعليم عن اللغة.
أرجو أن أكون قد وفقت في عرض هذه المبادئ، سائلا الله تعالى أن تقرَّ عيونُنا بتعليم هذه اللغة العزيزة تعليما صحيحا.