إعداد: محمد بن علي الإسماعيلي
لم يكن يوم 11 مارس ليمر مرور الكرام في ذاكرة التقويم الميلادي، هذا التاريخ الذي اختارته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو) ليكون يوماً عربيا للمكتبات؛ هدفه إحياء دور المكتبة في نشر الثقافة والمعرفة، التي قالوا عنها -أي المكتبة- "إنها بيت أوفى صديق، فاحرص على زيارته والاستفادة من مجالسته".
لقد أريد للحادي عشر من شهر مارس من كل عام الاحتفاء بتراث المكتبات العربية، والتذكير بمكنوناتها ونتاجها الفكري المتدفق؛ لذا اتجهت كثير من المكتبات العربية ومؤسسات الفكر والثقافة للتعبير عنه بمختلف الأنماط والأصعدة العلمية والثقافية والدعائية، فمنها تُصدر مؤلفاتها الجديدة في هذا اليوم، وأخرى تعمل خصماً لجذب القارئ وتشجيعه على القراءة، وبعضها تنظّم برنامجا احتفالياً يضع بصمته على الحدث العربي المميّز ... وحدّث كما شئت عن الأقلام والصحف التي تكتب عن المكتبة والكاتب العربي في هذا اليوم.
كي تضع المكتبة بصمتها!
من هذا المنطلق، نأتي في سياق هذا الاستطلاع الصحفي لتقصي رؤى جامعة نزوى نحو هذا اليوم العربي؛ تحديدا مكتبة الجامعة ومرتاديها من الطلبة والأساتذة، التي تُعنى بهذا الشأن في المقام الآول، الذي قال عنه الدكتور خميس بن ماجد الصباري، أستاذ اللغة العربية بالجامعة: "يمكن الاحتفاء باليوم العربي للمكتبة من طريق أنشطة مهمة، على رأسها الندوات التي تركز على تقديم دراسات متعمقة في مواد أمهات الكتب العربية، وإقامة معارض الكتب التي تعرض الإنتاج الفكري للأمة العربية، ونشر الكتب ليصل الكتاب العربي إلى أغلب فئات المجتمع، وتعريف العالم بالكتاب العربي من طريق الترجمة". ولا بد أن نضع في عين الاعتبار قدرة المكتبة على مواكبة التعليم والتعلم عن بُعد في ظل التفشي الوبائي القاضي بالتباعد المجتمعي.
لقد أصبحت المكتبات وغيرها من مراكز المعلومات حرِيصةً على التعامل مع مصادر المعلومات الإلكترونية، واستعمالها بشكل واسع؛ باعتبارها أوعية معلومات لا يمكن الاستغناء عنها؛ خصوصا في ظل الظروف الراهنة وصعوبة ارتياد المكتبات، من ذلك اشتغلت مكتبة جامعة نزوى على تحفيز الطلبة لارتياد مكتبة الجامعة، خصوصاً في ظل التعليم عن بعد، فقد سعت للتحول إلى المصادر الإلكترونية ورقمنة المواد، من طريق الاشتراك في عدد من قواعد البيانات والمستودعات الإلكترونية، وإتاحة الكتب الإلكترونية والرسائل الجامعية على فهرس المكتبة؛ مما يسهل لمستخدمي المكتبة الوصول إليها والاستفادة منها في أي وقت ومكان؛ تماشيا مع خدمات التعليم عن بعد، مع الحرص على تقديم إحاطة جارية لمختلف مصادر وخدمات المكتبة؛ مما يشجع الطالب على الاستفادة منها في المجالات البحثية والتعليمية.
كما أضيفت خدمة المحادثة الفورية "الشات" لفهرس مكتبة جامعة نزوى الإلكتروني، التي تتيح خدمة التـفــاعل المباشر بين المستفيد وأمين المكتبة؛ للحصول على المعلومات والإجابة عن الاستفسارات بكل سهولة ويسر، بدل الحاجة للزيارة الميدانية في ظل الأوضاع التي يشهدها العالم.
كيف تكون المكتبة حافزاً؟
وعن كيفية تذكير الطلبة بهذا اليوم، وتحفيزهم لارتياد المكتبة، يقول محمد بن غصن الهنائي - طالب في الجامعة: "المكتبة الركيزة الأساسية لكسب المعرفة لتعدد المصادر واختلاف المعلومات؛ ولذا وجب تفعيل المكتبة وتحفيز الطلبة لارتيادها؛ وذلك بوضع مجموعة من المحفزات، وإتاحة الفرصة للطلبة لاختيار الكتب عبر وضع صندوق خاص للاقتراحات يتم فيه جمع هذه الاقتراحات شهريا، والعمل على توفير الكتب المقترحة، وتزويد المكتبة بالتقنيات الحديثة؛ ليتمكن الطلبة من الوصول للمعرفة بسهولة، وتصميم لوحات فنية توضع في أماكن مختلفة حول الجامعة؛ لتحفيز الطلبة بأهمية المكتبة في حياتهم الجامعية".
أما الطالبة جُهينة بنت سليمان الحارثية فقالت: "إن تحفيز طلبة الجامعة على ارتياد المكتبات يكمن في توفير التسهيلات وسرعة الوصول للمصادر، بالإضافة إلى توفير الخدمات التي تشجع الطلبة على ارتياد المكتبة، أهمها: أماكن جلوس مريحة، غرف خاصة للمناقشات، مقاهي وكافيهات، أضف لذلك تضمين خطط التدريس للبحث، والتشجيع على الاستزادة من الكتب والمصادر الإلكترونية". وقد أكد على آخر نقطة الأستاذ الدكتور سعيد الزبيدي بأن منهجه التدريسي في جميع المساقات لا يخلو من تكليف الطلبة للتوجه إلى المكتبة واختيار عناوين كتب لتلخيصها وما تحويه من عناوين ومؤلف ودار نشر وما إلى ذلك.
تقول ريان بنت علي المنظرية - طالبة في جامعة: "مما لا شك فيه أن المكتبة تعد إحدى أهم المرافق التي توفرها الجامعات والكليات والمعاهد للطلبة؛ لذلك فمن الواجب وضع آليات مدروسة لتحفيز الطلبة على ارتيادها، مثال ذلك تقسيم المكتبة لأركان منظمة ومرتبة للقراءة والمطالعة والمذاكرة، وتجديد قائمة الكتب الموجودة فيها باستمرار، مع تهيئة جو مثالي للطلبة بإضافة الألوان والرسومات والطلاءات الجاذبة للعين والمريحة للنفس، التي تزيد من احتمالية ارتياد الطلبة للمكتبة".
أما الطالب عبدالله بن محمد المعمري فقد تحدث عن أهمية خلق بيئة دراسية مناسبة للطلبة لتكون حافزا لهم للذهاب للمكتبة ومطالعة أركانها وكتبها؛ وذلك بتعديل تصميم الداخلي للمكتبة باختيار إضاءة مناسبة وتوزيعها بالشكل الصحيح، وتناسق الألوان الداخلية للمكتبة، مثل: الصبغ، الأثاث، الأرضية، واختيار أثاث مناسب يساعد الطلبة، أيضا استغلال المساحات بشكل مبتكر.
وتضيف عهود بنت سعيد العامرية، طالبة في الجامعة: "من المُهم جدًّا أن تكون المكتبة مكانا مريحا يلبي جميع احتياجات الطلبة، وتحوي كتبا تناسب ميولهم واهتماماتهم وتخصصاتهم. إضافةٍ إلى ذلك من المهم جدًّا أن يتم إتاحة الفرصة في البحث عن المصادر التي يرغبون فيها". كما تحدثت عن سبب عزوف الطلبة عن ارتياد المكتبة، بقولها: "قد يكون بسبب نقص في الخدمات أو القوانين الشديدة؛ لذا كي يتحفز الطالب لارتياد المكتبة يجب أن تكون المكتبة مزودة بأحدث الخدمات المطورة، يصاحبها جو مريح للبحث والقراءة والمطالعة، وأن يسمح لهم بشرب القهوة أو الشاي داخل المكتبة في أثناء القراءة والمذاكرة".
أهم وظيفة للمكتبة
وعند سؤالنا له عن إمكانية ترغيب النفس وتحفيزها على ارتياد المكتبة ومطالعة الكتب ورقياً، خصوصا في ظل الاجتياح الرقمي الحاصل، تحدث الأستاذ الدكتور سامر رضوان -أستاذ التربية والدراسات الإنسانية بكلية العلوم والآداب المتخصص في علم الصحة النفسية والعلاج النفسي- وذلك بقوله: "الأمر لا يحتاج إلى الإرادة وحدها، بل يعتمد أيضًا على تنظيم الوقت وإدارته".
ويسترسل الدكتور سامر في حديثه، فيقول: "بالإضافة إلى ذلك على المكتبات التي تريد تحفيز القراءة تصميم بيئة تجعل من الرواد يسعدون بالعودة إليها؛ بمعنى آخر فإن وظيفة المكتبة قد تغيرت؛ لذا يجب عليها أن تعيد تصميم وظائفها بشكل يجذب القراء إليها؛ بواسطة عروضها المختلفة والترويج لما يتوفر بها من كتب، باختصار لابد من تهيئة الظروف المناسبة للقراءة كي تصبح المكتبة مكانا محفزاً ومشوقاً".
ويضيف في ذات السياق: "ربما قد تبادر المكتبة بالذهاب للجمهور (بالمعنى المجازي) بدلاً من انتظار الجمهور ليأتي إليها؛ فذلك أيضا جانبٌ من جوانب ترغيب أنفس الطلبة وتحبيبهم للمكتبة. ومن ناحية القراء، فإن متعة القراءة الورقية يجب تنميتها منذ الصغر، فالطفل الذي ينمو وليس في بيته كتاب بل عشرات الأجهزة الإليكترونية سيفقد علاقته بالكتاب، وسيعتاد على قضاء الوقت على الهاتف الذكي الذي يمثل أكبر مضيعة للوقت".
مكتبة جامعتنا
إن الاحتفاء بالكتاب يعبّر عن تقدير كبير للمنجز الإنساني على مرّ العصور، ويعدُّ الكتاب وثيقةً تؤرخ فكر علم أو مرحلة. يقول الأستاذ الدكتور سعيد الزبيدي في ذلك: "لعل كتاب (الفهرست لابن النديم) يشكل معلما تاريخيا مهماً في التراث الإنساني، إذ سجّل عنوانات كتب منذ بدء الكتابة حتى يومه، منها ما وصل، وكثير لم يصل في شتى الفنون والعلوم، وهو مصدر لا يتجاوزه باحث في التراث العربي والإسلامي". ويضيف الزبيدي: "إن هذا اليوم مدعاة إلى تحفيز الإقبال على الكتاب أياً كان شكله؛ لتجسيد الآية الكريمة (اقرأ). ومكتبة جامعتنا تحفل بآلاف العنوانات التي تُعين كل باحث في صقل تخصصه؛ فتحية لِمَن كتب وألّف وطبع، وتحية لِمَن قرأ وأفاد".
وعند سؤالنا لمكتبة جامعة نزوى في كيفية تقييمهم لمعدل الرجوع للمصادر والمراجع المتاحة فيها، كان الجواب: "من طريق الاستطلاع السنوي الخاص بالمكتبة، الذي يشير إلى أن أكثر من 80% يرتادون المكتبة لاستعارة الكتب وإرجاعها. كذلك تقارير خدمة الإعارة الدورية التي توضح معدل استخدام مرتادي المكتبة لمصادر المعلومات المطبوعة، من حيث عدد الاستعارات وعدد الكتب المعارة، مع التقارير التي توضح استخدام المصادر الإلكترونية، بالإضافة إلى عدد من التقارير التي تطلبها مختلف كليات الجامعة لبيان مدى استخدام طلبتها لمصادر المكتبة المطبوعة والإلكترونية بشكل سنوي".
أكبر مما تتصوّر
تقول الطالبة جُهينة الحارثية: "إن تخصيص جماعة تهتم بفعاليات تخص المكتبة (جلسات لمناقشة كتاب أو كاتب، استضافة كتاب، معرض للكتب المستعملة، تفعيل منصات التواصل الاجتماعي، تحديث مواعيد فتح المكتبة وغلقها باستمرار ونشرها، مشاركة منشورات أو اقتباسات، التفاعل مع الطلبة لمعرفة احتياجاتهم)، جميع ذلك له دور كبير في الترويج لها والتعريف بتقنياتها ومصادرها المعلوماتية".
وتضيف لها الطالبة ريان المنظرية: "أقترح قبل كل شيء تخصيص حسابات للمكتبة في برامج التواصل الاجتماعي، لنشر مستجدات الكتب والمنشورات والإصدارات الحديثة، إذ إن هذه الخطوة ستسهم في تعميق الصلة بين الطالب والمكتبة". كذلك وافقها الطالب عبدالله المعمري الرأي في أهمية تفعيل مواقع التواصل الاجتماعي؛ كي تكون مدونة رقمية تساعد الطلبة لإثراء محتواها".
يُشير الطالب محمد الهنائي إلى ضرورة أن يكون للمكتبة الجامعية دور فاعل في محيطها الجامعي؛ بل يتعدى أسوار الجامعة لتكون مركزا رئيسا لكسب المعرفة للجميع. ويعدد أفكارا للترويج لهذه الفكرة، هي:
-
جعل استعارة الكتب لجميع الدارسين، سواء أكان طالبا من الجامعة أم من خارجها.
-
تفعيل مسابقات فكرية وثقافية ومعرفية بحوافز ومكافآت.
-
المشاركة بإصدارات الجامعة في المعارض الخارجية ومكتبات المدارس والمكتبات الخاصة.
-
ابتكار تطبيق متاح للجميع، يتيح عرض الكتب.
-
إتاحة الفرصة للمؤلفين ليكونوا شركاء مع مكتبة الجامعة في إصدار نتاجاتهم.
لقد أصبحت المكتبات الآن مركـزا مهما لا غنى عنها في العملية التعليمية للنهوض بالمستوى التعليمي المنشود؛ وذلك بتشجيع الطلبة على إثراء حصيلتهم المعرفية والتزود الفكري من طريق القراءة المستمرة، والحرص الكامل على أداء أبحاثهم الدراسية باستخدام مصادر معلومات علمية ودقيقة محكمة متضمنة الاستشهاد المرجعي لحفظ الأمانة العلمية والفكرية للباحثين، بعيدا عن استخدام محركات البحث المختلفة التي يفتقر بعضها للتوثيق العلمي؛ لذا فإن اتجاه الطلبة نحو استخدام مكتبة جامعة نزوى مرتبط باتجاهات أساتذتهم، بدوره فمعاونة الأساتذة في هذا الاتجاه يعد خطوة إيجابية إلى الأمام عبر التشجيع عليه، واقتطاع جزء من وقت المحاضرة لتوعية الطلبة بأهمية استخدام مصادر المكتبة لإجراء البحوث العلمية والاستشهاد المرجعي الموثق، وربما يتم ذلك من طريق الورش المتعددة التي تقيمها المكتبة بين فترة وأخرى لمختلف شرائح الجامعة. وهذا الأسلوب تتخذه مكتبة الجامعة منهجا متاحا للهيئة الأكاديمية بالجامعة؛ لتشجيع طلبتهم للرجوع إلى المصادر والمراجع والتقنيات الحديثة المتاحة.
تتخذ المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو) يوم العاشر من مارس مناسبة للتذكير بمشروعاتها العلمية والثقافية التي تسهم بها في إثراء المكتبات العربية والعالمية؛ لتكون مرجعا في جغرافية الوطن العربي دون حدود. فكان لزاما على اللمكتبات الجامعية وغيرها الترويج لخدماتها بأبرز التقنيات؛ ومواكبة التطلعات البحثية بتوفير أحدث الكتب والمراجع والإعلان عنها؛ مثال ذلك عرض فيلم وثائقي دعائي يتحدث عن الكتاب والمكتبة والمؤلفين.
أين وصل التسويق والإتاحة الرقمية لمصادر مكتبة الجامعة؟
انطلاقا من أن نجاحات أي مكتبة يبدأ في التعرف على رغبات المستفيدين وروادها وكيفية إقناعهم بمدى جاذبية وقدرة المنتجات العلمية والمعلوماتية على إشباع احتياجاتهم في الزمان والمكان المناسبين وبأقل التكاليف، فإن الاستعانة بالأساليب التسويقية الجيدة يمكّن المستفيد من الحصول على تأييد مادي ومعنوي يكون معه طوال مسيرته العلمية والتعليمية
وهناك العديد من الأسباب التي حفزت مكتبة جامعة نزوى للدخول في مجال التسويق وتبنّي برامجه، منها كسب رضا الجمهور المستهدف من طلبة وهيئة أكاديمية وموظفين، إذ يعد (البريد الإلكتروني) الطريق الأمثل للتسويق الفاعل والنشط للمعلومات ومصادر المكتبة وخدماتها، ما من شأنه الوصول لأكبر قدر من المجتمع الجامعي بمختلف شرائحه، متضمنا خدمات الإحاطة الجارية للمصادر المطبوعة والإلكترونية وخدمات المكتبة المختلفة، كذلك الورش التدريبية والتعريفية التي تقيمها المكتبة لمرتاديها وزوارها بين فترة وأخرى. وتسعى المكتبة لأن يكون لديها مساحات متعددة تلبي اهتمامات جميع أنواع المستفيدين؛ بتوفير أماكن تساعد على الاستذكار والبحث الإلكتروني وإعداد البحوث والدراسات.
كذلك سعت المكتبة لإتاحة المصادر الإلكترونية لمجتمع الجامعة؛ من طريق الاشتراك في المستودع الرقمي العماني "شعاع"، الذي يتيح تشكيلة واسعة من الإنتاج الفكري العماني على الخط المباشر بالاشتراك مع مكتبة جامعة نزوى، وكذلك الاشتراك في المكتبة العلمية الافتراضية العُمانية "مصادر"، التي توفر سهولة الوصول إلى مجموعة كبيرة جدًا من الإنتاج المعرفي العالمي، مع عدد كبير من الكتب الإلكترونية والرسائل الجامعية بصيغة PDF المتاحة على فهرس مكتبة جامعة نزوى.